قراءة في المشهد السوري.. بقلم: خالد سرحان

قراءة في المشهد السوري.. بقلم: خالد سرحان

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٣ أكتوبر ٢٠١٩

 
أصبحنا نتعاطى مع متغيرات دولية جديدة، ومن المبكر الحديث عن نهاية الحرب قريباً في سوريا، فمن الصعب التكهن بمآلات ونتائج الحرب وقراءة المستقبل القريب في ظل الأحداث المتسارعة التي تتغير في المنطقة خلال أيام بل ساعات.
 
انتهت الهدنة المتفق عليها بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس لمدة 120 ساعة  فعلياً منذ أن انسحبت القوات الأمريكية تجاه الأراضي العراقية بعد قذف الأهالي في ريف الحسكة لها بالأحذية والحجارة والطماطم الفاسدة. 
----------
التعاون والشراكة التي رحب بها القيادات الكردية مع الولايات المتحدة قبل 4 سنوات تلاشت اليوم، وواشنطن حققت أهدافها منذ زمن طويل وكانت بصدد الخروج من سوريا ليس مع بداية عملية «نبع للسلام» في الـ 9 من الشهر الجاري، بل انتهى كل شيء عملياً منذ معركة الباغوز ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في آذار/مارس الماضي.
 -----------
هدنة الـ 120 ساعة صبّت في مصلحة الولايات المتحدة بالدرجة الأولى وليس في مصلحة الوحدات الكردية أو تركيا على الإطلاق، فقد استطاع الجنود الأمريكيين الوصول إلى الأراضي العراقية بأمان دون أن يواجهوا أي إشكالية أمنية، وترامب أعلنها صراحة أنه لن يبقى 400 سنة في سوريا كرمى لعيون الأكراد، إذ كان من المفروض أن تبقى القوات الأمريكية في سوريا شهراً واحداً ولكن بقيت لـ 10 سنوات، وهذا ما لم يفهمه جيداً صالح مسلم ومظلوم عبدي وإلهام أحمد وغيرهم من قيادات الميليشيات الكردية الذين كانوا وما زالوا مع قياداتهم التاريخية مجرد كرة يتقاذفها اللاعبيين الدوليين والإقليميين والمحليين ويقايضون بمستقبلهم السياسي.
-----------
عقلية رجل الأعمال القائمة على مبدأ المنفعة والضرر هي سياسة ترامب في التعاطي ليس مع سوريا فقط بل العالم برمته، ولو كان الأمر يعود لترامب بالمطلق دون الأخذ بعين الاعتبار دور الكونغرس وباقي دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة لسحب كل الجيش الأمريكي من كافة أنحاء العالم لتخفيف النفقات العسكرية ويحقق شعاره الانتخابي «أمريكا أولاً»، لكن لذر الرماد في العيون وافق «أي ترامب» على الاحتفاظ بنحو 200 جندي أمريكي في شرقي الفرات، ناهيك عن قاعدة التنف الاستراتيجية لأنه يأخذ بعين الاعتبار عدة اهداف ومصالح رئيسية وهي:
 
 🔴 أولاً: استمرار السيطرة على كافة حقول النفط والغاز وحقول القطن والقمح وما إلى ذلك الموجودة في منطقة شرق الفرات خصوصاً في دير الزور مما يمنع روسيا والدولة السورية من فرض سيطرتهم على تلك المنطقة الحيوية.
 
🔴 ثانياً: استمرار الضغط الاقتصادي والعسكري على الدولة السورية ومنعها من تحقيق نصر كامل في منطقة شرق الفرات، مما يعني يزيد من حدة تأثير العقوبات الأمريكية ويعطيها فاعلية أكبر وأكثر زخماً.
 
🔴 ثالثاً: الاستجابة للمخاوف الأمنية الإسرائيلية خصوصاً أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني متفقين في السعي لكبح وتحجيم النفوذ الإيراني، ومنع أي تهديد ممكن أن يغير معادلة توازن القوى الموجودة في المنطقة.  
----------
لاشك أن زيارة الرئيس بشار الأسد للجيش السوري والقوات العاملة في ريف إدلب على درجة كبيرة من الأهمية وتزامنها مع القمة المشتركة بين بوتين وأردوغان في سوتشي، يعني أن ما يدور في الغرف المغلقة هو انعكاس لما ينجز عسكرياً ويتحقق في أرض الميدان، ومن الممكن أن توضع النقاط على الحروف خلال القمة، وربما نحن أمام عدة سيناريوهات قد نتعاطى معها في المستقبل القريب بعد انتهاء للقمة الثنائية وهي:
 
🔴 السيناريو الأول: التزام روسيا والدولة السورية بالانتشار في كامل شرقي الفرات، مما يعني نزع أسلحة الميليشيات الكردية ومن ثم احتواء مقاتليها ودمجهم ضمن صفوف الجيش السوري، وبذلك تسد دمشق الذرائع وتقضي على أسباب وحجج تركيا لاستمرار عدوانها على قرى شمال شرق سوريا.
 
🔴 السيناريو الثاني: استغلال النفوذ التركي والتأثير الكبير لأنقرة على الميليشيات الإرهابية المسلحة التي تسمى «الجيش الوطني السوري» لمحاربة ميليشيات «هيئة تحرير الشام» لتنفيذ اتفاق سوتشي (أيلول/سبتمبر 2018) بالقوة بعد تعنت «النصرة» وأخواتها ورفضهم الانصياع للتفاهمات الروسية التركية القاضية بفتح الطرقات الدولية وإنشاء منطقة منزوعة السلاح بريف إدلب.
 
🔴 السيناريو الثالث: استمرار وقف إطلاق النار والهدنة المعمول بها بريف إدلب منذ 31 آب/أغسطس وبالتالي إجهاض أي عملية عسكرية سورية، كي تضمن تركيا مصلحة أساسية وهي عدم دخول أي لاجئ سوري إلى أراضيها، وكي تستمر الميليشيات المسلحة بنفس الوقت بمحاربة «هيئة تحرير الشام» وأخواتها مما يحقق مصلحة روسيا من جهة من خلال التخلص من الإرهابيين القادمين من دول القوقاز وآسيا الوسطى والصين من جهة أخرى من خلال القضاء على الايغور وغيرهم، مما بعني بشكل أو بآخر عدم خروج أي عنصر من المجاميع الإرهابية على قيد الحياة من منطقة جغرافية معزولة وهي ريف إدلب أو عودته مستقبلاً لبلده.
 
🔴 السيناريو الرابع: تفعيل العمل باتفاقية اضنة بصيغتها القديمة المبرمة بين الجانبين السوري والتركي عام 1998 والبناء عليها أو إجراء تعديلات طفيفة أو جوهرية في مضمونها، مما يعني عودة المياه لمجاريها بين دمشق وأنقرة برعاية روسية، بعد الاتفاق على سحب النقاط التركية من ريف إدلب وانسحاب الجيش التركي من كل المناطق التي احتلها فيها بريف حلب الشمالي وريف الرقة.
 
الأحداث تتسارع وتتبدل بشكل آني ولكن ما يمكننا قوله أن الكرة في ملعب روسيا اليوم قبل أي وقت مضى وما قبل التفاهم الروسي التركي وتوافق المصالح فيما بينهما ليس كما بعده والانسحاب الأمريكي من سوريا هو أحد مؤشرات عودة الكرملين للساحة الدولية، والأيام هي بيت القصيد.