التضليل بين الشفافية والإطراء..بقلم: سامر يحيى

التضليل بين الشفافية والإطراء..بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٤ أكتوبر ٢٠١٩

يُقدّر عدد الذين فقدوا حياتهم على متن سفينة التايتانيك حوالي 2500 شخص، بينما تعاطف جميع من شاهد الفيلم مع موت البطل من البرودة فقط، وباتت تروى حوله الأساطير والحكايات، رغم سوء أخلاقياته. 
إنّه الإعلام الذي يسلّط الضوء على موضوعٍ معيّن، لهدفٍ معيّن، لإشغال المجتمع عن وجهته الأساسية وتشويه أو تجميل ما يريد، وأحياناً يساهم البعض ممّن هم في سدّة المسؤولية، أو يمثّلون مؤسسةٍ ما بذلك، عبر تصريحات غير مدروسةٍ أو منقوصة، أو سريعة بعيدة عن الدراسة الجدية والمنهجية، بما يجعلها غنيمةً سهلة لأعداء الوطن والنجاح لاستغلالها وتوسيع الفجوة بين المواطن ومؤسساته، ورغم أنّ الغالبية بات يدرك خطورة الإعلام لكن لا زلنا ننساق وراءه، ونقع بنفس الأخطاء، والمشكلة عندما يكون صاحب الخطأ هو المسؤول عن معالجته وتدقيقه، فينساق الكثير باللاوعي على حساب الوعي والحقيقة، مما يخلق التخبّط ويضيّع البوصلة، ويبتعد عن استكمال المعطيات والبيانات التي تؤدي للهدف المنشود.  
وجاء ما يسمّى "الربيع العربي" لعرّابه الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي"، لإشغال الشباب العربي، لا سيّما السوري عن قضيته الأساسية في التطوير والتحديث والتقدّم ومنعه من بناء وطنه بيديه، ليبقَ تابعاً للغرب وسوقاً لتصريف منتجاته ومَصْدَراً لموارده الأولية، لا سيّما بعدما أبرز الشعب العربي السوري، منذ تشرين التصحيح وحتى بداية 2011، حيث كنّا نرى الجديد والتجدّد والعطاء المتقدّم، عدا عن وصول السوري لكل أماكن التفوّق والتألق، ومن ثم الصمود في وجهة كل آفات الفساد والإرهاب والحصار العالمية على سوريتنا حتى اليوم، 
القيادة السياسية أدركت ذلك، وتعمل في ظل "لعبة الأمم" التي نراها لتحافظ على قدسية التراب والقرار واستقلال سوريتنا، رغم كل محاولات الأعداء وتكالبهم، وتعدّد أدواتهم ووسائلهم، فهل نحن تعلّمنا الدرس، هل كلاّ منا بدأ بدوره ومن مكانته استجابة وعوناً للقيادة السياسية ملتزمين بقراراتها وتوجيهاتها، ووفاءً لدماء وعرق وتضحيات أبنائنا في الجيش العربي السوري والقوى الرديفة له، بعيداً عن السير ضمن عقلية: كلّه سيمضي، أو "دعه يسير، دعه يمرّ" "بالحروب تحصل فوضى وهذا طبيعي فلننتظر" حتى بات المسؤول المكلّف بالمعالجة يبرّر التقصير بدلاً من البحث عن الحلول، والمواطن العادي المفترض أن يقوم بدوره يشكو من عدم قيام مؤسساته بدورٍ هو من تخصّصه بالأصل، والطالب يشكو المدرّس الذي واجبه متابعة دورسه بشكلٍ يومي لنيل العلم والعلامة معاً، والمدرّس يشكو الطالب متجاهلاً أنّ دوره تأهيل الجيل وتربيته ونشر الوعي والثقافة والعلم بآنٍ معاً، والإعلام يشكو ويدين نفسه ومن يدعمه متجاهلاً أنّ دوره نشر الوعي والفكر والثقافة وتضييق الفجوة بين المواطن ومؤسساته الوطنية، واستقطاب المتابعين وخلق رأيٍ عام.
إن تأطير الذات، وإعادة تأهيل أنفسنا، كلٌ ضمن مؤسسته، وضمن مجال عمله، مسؤولية الجميع، وبالتأكيد المسؤولية الأكبر على الجهات المتخصصة، فهل عجزنا عن استقطاب أصحاب الأقلام على وسائل التواصل الاجتماعي في الحوار والنقاش مهما كان عدّدهم، وبالتالي نقصي تلقائياً أعداء الوطن، ونشرك الجميع في بناء الوطن ومحاربة الفساد والإرهاب، وننبذ آلياً من ارتضى السير في رحاب الجهل. 
الآن تتجهّز كافّة المؤسسات لترميم موازناتها، واستكمال صرف النفقات على الأبواب، حتى لا تعود لصالح وزارة المالية كما يدّعي القيمين على العمل، بعيداً عن الصرف المنطقي الحقيقي الجدي الذي يساهم في منع الهدر وضغط النفقات والاستثمار الأمثل لهذه الموازنة. أليس الأجدى نفعاً للمؤسسة والوطن الاستفادة من كل مصطلحٍ يأتي من خلف البحار، بما ينطبق على عملنا ومنطقتنا ومنطقنا بآنٍ معاً، فالمصطلح الناجح والحقيقي الذي يلمس الجميع آثاره مباشرةً ومن ثم يتعاظم ليصل لقمّته في المستقبل القريب.. 
إذاً الدراسة الجدية لموازنة المؤسسات، والتبرير المنطقي للزيادة والنقصان، والاستثمار الأمثل للموارد هو الذي يؤدي لتحقيق الوفر وتعظيم الإنتاج بما يؤدي بدوره لزيارة المرتّبات وتحديث آليات العمل، لنشهد تقدّما متسارعاً بحكمةٍ وحنكة، بدلاً من أن نشهد تصريحاتٍ خلّبية، أنّ المؤسسة الفلانية حققت الربح الفلاني، والمؤسسة الفلانية باعت من منتجاتها أو ما لديها بالسعر الفلاني، هل احتسبنا المهتلكات والمصروفات والنفقات الثابتة، ورواتب الموظّفين، والأعطال والأضرار، والوقت الذي استغرقه العمل إلى ما هنالك بطريقةٍ جديّة تحقق ريعاً حقيقياً للمؤسسة، وتقدّم معطياتٍ وبياناتٍ صادقة يبنى عليها لا نستمر بإخفاقٍ ونجاحٍ ضمن سير الحياة الطبيعي،
  الربح المؤسساتي الحقيقي لا يحتاج إلا القليل من الإرادة الوطنية والحكمة المنطقية، مستنداً لبيانات ورؤى ومعطياتً صادقةٍ متكاملة، وهنا تأتي أهمية الرقابة الداخلية بكلّ مؤسسة بالتعاون مع الأقسام الأخرى، لدراسة موازنة المؤسسة بكل جوانبها، بإشراك الجميع بـ "مديرية علاقات عامة" فاعلةٍ ومنتجة. 
ندخل لمؤسساتنا نجد غرفٌ مليئة، وأخرى فارغة، غرفٌ الغبار تأكل المصنّفات عليها، وأخرى بها عدّة موظّفين، مؤسسات تستأجر مقرّات وآليات، وأخرى تهمل مبانيها وكوادرها، الكثير من المواد التي بحاجة لتنسيق يمكن الاستفادة منها وإعادة تدويرها، أو تنسيقها والاستفادة من المكان الذي تخزّن به، الصيانة الفورية والآنية والمتابعة الجديّة، بحيث يعمل كلّ موظّف لخدمة موقعه، ضمن عملٍ متكاملٍ ، يؤدي لإنجازٍ ونجاحٍ لا يستهان به رغم ضعف الإمكانيات والموارد كما يدّعي البعض وصولاً للنتائج في زيادة المرتّبات وغيرها . 
كلٌ منا عليه مسؤوليةٌ كبرى في استكمال مسيرة البناء وإعادة الإعمار، عبر السير على نهج التشرينين، الذي خطّه القائد الراحل، وأكمل المسيرة سيّد الوطن، وخطّته دماء وعرق وأنامل أبناء الوطن الشرفاء كلٌ في مكانه ومن مكانته، مقيماً أم مغترباً.