مخاطر انفصال جنوب اليمن على الأمن القومي العربي.. بقلم: سمير حسن

مخاطر انفصال جنوب اليمن على الأمن القومي العربي.. بقلم: سمير حسن

تحليل وآراء

السبت، ٢١ سبتمبر ٢٠١٩

منذ أن سيطر «أنصار الله» على مناطق واسعة بينها صنعاء قبل أكثر من أربع سنوات في آذار/مارس 2015، بدأت التصدعات تطال الجبهة المضادة له وسط انقسام حاد داخل المؤيدين لحكومة عبد ربه منصور هادي. فالقوات التي يفترض أنّها موالية للحكومة في الجنوب، حيث تتمركز السلطة، تضم فصائل مؤيّدة للانفصال عن الشمال.
في ضوء هذه الخلافات، والتباينات يشهد الجنوب منذ الخامس من آب/أغسطس الماضي معارك أسفرت عن سيطرة الانفصاليين المؤيدين للمجلس الانتقالي الجنوبي، القوة السياسية الرئيسية المؤيدة للانفصال، على عدن ومناطق أخرى، وقتل في النزاع بين المتمردين، والقوات الموالية للحكومة، آلاف الأشخاص منذ 2014.
وتأييداً للإمارات العربية المتحدة، الداعم الأساسي لقوات الانفصاليين في الجنوب اليمني، احتشد الآلاف من الجنوبيين وسط عدن، تحت عنوان «مليونية الوفاء للإمارات»، ملوّحين بالعلم الانفصالي، ورافعين صورة قادة في الحركة الانفصالية، وقادة من السعودية، والإمارات، وشهدت المكلا القريبة من عدن، وجزيرة سقطرى تجمّعين مماثلين تأييداً للحركة الانفصالية.
وتتّهم الحكومة اليمنية الإمارات بدعم تحركات الانفصاليين في الجنوب، وقد رفضت محاورة الانفصاليين الجنوبيين في السعودية، لكنّها أبدت في المقابل رغبتها في إجراء حوار مع دولة الإمارات. وقال نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية أحمد الميسري في كلمة نشرت على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية اليمنية على موقع «يوتيوب» «إذا كان لا بدّ من حوار فسيكون مع الأشقاء في الإمارات العربية المتحدة، وتحت إشراف الأشقاء في المملكة العربية السعودية، باعتبار أن الإمارات هي الطرف الأساسي، والأصيل في النزاع بيننا وبينهم، وما المجلس الانتقالي إلا واجهة وأداة أساسية لهم».
والإمارات، هي الداعم الرئيسي لقوات الانفصاليين حيث إنّها قامت بتدريب وتسليح هذه القوات. كما أنّ علاقتها مع الحكومة يشوبها التوتر والريبة، مع اتهام أبو ظبي للسلطة بالسماح بتنامي نفوذ الإسلاميين داخلها.
هذا الاتهام للإمارات من قِبل حكومة منصور هادي دفعت للتساؤل عن موقف السعودية مما يجري وسط حديث عن انقسامات حادة بين كلّ من الرياض، وأبو ظبي حول دعم الانفصاليين. وقد زادت حدة تلك التكهنات مع إصدار الرياض بياناً تؤكد فيه موقفها من عمل الانفصاليين، فهي إلى جانب دعوتها الأطراف المتحاربة إلى الحوار، أكّدت «موقفها الثابت من عدم وجود أيّ بديل عن الحكومة الشرعيّة في اليمن، وعدم قبولها بأيّ محاولات لإيجاد واقع جديد في اليمن باستخدام القوّة أو التهديد بها»، مشدّدةً على «ضرورة الالتزام التامّ، والفوري، وغير المشروط بفضّ الاشتباك، ووقف إطلاق النار».
اعتبرت الرياض أن هذا «الانقسام» لا «تستفيد منه سوى ميليشيا «أنصار الله» المدعومة إيرانيّاً، والتنظيمات الأخرى المتمثّلة في تنظيمَي «داعش» و«القاعدة»». وأسفت لـ«عدم الاستجابة لندائها السابق بوقف التصعيد والتوجّه نحو الحوار» الذي دعت إليه في جدة.
بعد ذلك، أصدرت الرياض وأبو ظبي بياناً مشتركاً أكدتا فيه أنّهما تدعمان التهدئة في جنوب اليمن، بعدما أوحت المعارك بين الانفصاليين المدعومين من أبو ظبي، والحكومة المدعومة من الرياض، بوجود خلاف بين القوتين اللتين تقودان معاً حرباً ضد المتمردين من «أنصار الله» في هذا البلد. وقالت الدولتان في بيان مشترك، إنّهما تدعمان «الحكومة الشرعية في جهودها الرامية للمحافظة على مقومات الدولة اليمنية»، ودعتا إلى «التوقف بشكل كامل عن القيام بأي تحركات أو نشاطات عسكرية (...) ووقف التصعيد الإعلامي الذي يُذكي الفتنة ويؤجج الخلاف».
وفي بيانهما المشترك، دعت السعودية والإمارات الأطراف المتقاتلة في جنوب اليمن إلى «العمل بجدية» مع لجنة سعودية - إماراتية مشتركة شكّلت «لمراقبة، وتثبيت وقف الأعمال، والنشاطات العسكرية، وأي نشاطات أخرى تقلق السكينة العامة».
والغريب في الأمر، أن الاتهام للإمارات جاء بعد أسبوعين من إعلان الإمارات انسحاب بعض قواتها من اليمن، وقد جاء الحديث عن انسحاب الإمارات ليؤكد ما كان يتم تداوله وراء الكواليس حول تباين الاستراتيجيات بين السعودية والإمارات في مقاربة ملفات المنطقة. «أبو ظبي تعمل على الانتقال من استراتيجية عسكرية إلى خطة تقوم على تحقيق السلام أوّلاً»، هكذا برّر مسؤول إماراتي كبير لـ «وكالة الأنباء الفرنسية» سحب القوات الإماراتية من اليمن ضمن ما سماه «خطة إعادة انتشار لأسباب استراتيجية وتكتيكية». لم يكن التصريح كافياً لوضع حدّ للتكهنات حول الخلفيات الحقيقية لهذا الإجراء، وما إذا تم اتخاذه على عجل نظراً إلى التطورات الميدانية في اليمن، أم أنه تنفيذ لقرار، اعتُمد مسبقاً بناء على دراسات معمقة تنسجم مع الرؤية التي تتبنّاها أبو ظبي حول مصالحها في الإقليم!
أدركت أبو ظبي مؤخراً أن الولايات المتحدة غير جادة بالمطلق في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، ولا تريد حرباً مباشرة معها، ما حملها على استبدال دورها في اللعب إقليمياً بما يحقق لها الفوز بأقل الخسائر الممكنة، وهي مهتمّة حالياً باجتراح سيناريوهات جديدة للحرب المستمرة في اليمن من خلال إفساح المجال أمام حوار سياسي. وإذا كانت السعودية مهتمة بالمحافظة على مكانتها الإقليمية والدولية التي كسبتها بعد تراجع الدور المصري منذ الثمانينيات، فإن الإمارات تحاول خلق مكانة إقليمية ودولية لها أكبر بكثير من تلك التي كانت تحتلها أيام الأمير زايد. هذا الطموح المستجد للإمارات ما كان له أن ينشأ لولا التراجع السعودي، حيث تسعى الإمارات لوراثة المكانة الضائعة.
أضحى الصراع في اليمن حرباً عبثية لا يمكن لها أن تنتهي بانتصار ماحق للتحالف السعودي - الإماراتي. و«أنصار الله» تملكوا زمام المبادرة بعد أربع سنوات من محاولة حماية جبهتهم الداخلية. لا يقدر الاقتصاد الإماراتي، ولا حتى السعودي، على الصمود أمام ما ألحقته صواريخ، وطائرات «أنصار الله» المسيرة لمحطات النفط السعودية، والتي أثارت أزمة عالمية غير منظورة النتائج.
وعوضاً عن السعي وراء تحقيق الانتصار، يمكن للإمارات التوجه نحو مقاربات مختلفة، فتشجيع انفصال الجنوب، والاعتماد على ما أنشأته من ميليشيات، كفيل بالحفاظ على النفوذ الإماراتي في البلاد، والانفصال هو أفضل سيناريو تطمح إليه الإمارات، ولا شيء يعزز الانفصال أكثر من سيناريو إطالة أمد الحرب، وتشتيت القوى المتناحرة وتشظيتها. لكن تبقى إشكالية تواجه الإمارات أمام انسحابها وهو التعامل مع «القاعدة» و«داعش» في المناطق اليمنية الجنوبية، وعلى الأرجح هي قادرة على احتوائه من دون أن تضطر للتواجد العسكري المباشر، ويمكن أن تكتفي بتوجيه الميليشيات المحلية، مع تقديم المؤازرة، والمساندة الجوية، وتوفير المعلومات اللازمة عبر التجسس الذي تتقنه جيداً.
وسواء كانت السعودية والإمارات متفقتين لجهة الرؤية تجاه الوضع في اليمن أو متباينتين، فعلى ما يبدو أن جزءاً من المثقفين في دول الخليج يرى أن الانفصال في اليمن يصبّ في صالح دول الخليج على المدى البعيد. هذا التوجه شديد الخطورة على مستقبل الأمن القومي العربي. ورغم فداحة ما تمر به أقطار عربية مختلفة، إلا أن خطوات المجلس الانتقالي اليمني نحو انفصال جنوب اليمن عن بقية الدولة هي الأكثر خطورة بلا منازع، كونها تؤسس لشهية الانفصال على أسس مغايرة ثقافياً ومذهبياً وعرقياً التي تزخر بها مجتمعاتنا العربية.
*كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية