بعد استهداف “أرامكو”… المنطقة نحو الحرب امّ نحو التسوية؟.. بقلم: العميد شارل أبي نادر

بعد استهداف “أرامكو”… المنطقة نحو الحرب امّ نحو التسوية؟.. بقلم: العميد شارل أبي نادر

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٨ سبتمبر ٢٠١٩

حتى ما قبل الأمس القريب، كانت كل الأعمال العسكرية ومن ضمنها الاستهدافات الحساسة لمواقع سعودية، والتي يقوم بها الجيش واللجان الشعبية اليمنية ووحدات انصار الله، تبدو وكأنها مقبولة ومن ضمن حدود الصراع المفتوح بين الطرفين منذ قرابة الخمس سنوات، ردا على العدوان السعودي على اليمن.
بعد العملية الاخيرة “عملية توازن الردع الثانية”، والتي تم فيها استهداف حقلي “بقيق” و”حريص” في شرق المملكة العربية السعودية بسرب من الطائرات المسيرة، لم يعد الموضوع طبيعيا او مقبولا او من ضمن إطار وحدود المواجهة التي تعودّنا عليها، بل أصبح الموضوع خارج دائرة الاستهداف العادي، ليدخل ضمن دائرة الاستهداف الاستراتيجي، والذي يمس التوازن الاقتصادي العالمي، والغربي بالتحديد، والأميركي بشكل أكثر خصوصية، وذلك اكثر بكثير من استهدافه للاقتصاد السعودي، و السبب هو اهمية تلك الحقول لناحية إنتاج النفط والغاز، وما يقدمانه لهذا القطاع على الصعيد العالمي، بالاضافة طبعا لما يمثلانه على صعيد مصادر المالية العامة في المملكة.
بعد أن تدنى إنتاج السعودية من الطاقة حوالي 50 بالمئة، ولفترة تتجاوز ربما عدة اسابيع لتصل إلى عدة أشهر، حيث لا شيء واضحاً لناحية القدرة على إصلاح الأضرار في المنشآت المستهدفة بشكل اكيد وفي وقت قريب، التساؤلات التي تفرض نفسها اليوم وبقوة: ماذا سيكون الموقف الاقليمي والغربي ( الاميركي خاصة ) من عملية الاستهداف ( الحساسة ) ومن المنفذين بعد تحديد هويتهم ؟ وهل يَثبُت الاميركيون على اتهام ايران، مستبعدين قيام انصار الله بالعملية، لاسباب عسكرية وتقنية تتعلق بالمستوى وبالمسافة وبالقدرة والدقة؟ وهل تتطور الامور نحو التصعيد المؤدي الى الحرب، ام ستسلك الامور نحو تسوية سياسية، اصبحت ضرورية للجميع وحاجة لمختلف الأطراف لا يمكن تجاوزها، نظرا لحساسية وخطورة الاوضاع بعد الآن على الصعيدين الإقليمي والدولي؟ ام ان الوضع سوف يبقى على ما هو عليه من توتر وتشنج بعيداً عن الحسم والحل؟.
لناحية التصعيد
– في الميدان اليمني : وصلت الامورالى ستاتيكو جامد لا يمكن لأي طرف تغييره، بسبب القدرة المحدودة لدى كل من الطرفين على الحسم، مع افضلية لانصار الله ظهرت مؤخرا في الاستهدافات النوعية للداخل السعودي، ستبقى مقيدة لناحية التمدد البري لاسباب ومعطيات دولية معروفة.
– لناحية التصعيد الإقليمي : والمرتبط بالحرب على اليمن من جهة، وغير المنعزل عن التوتر الأميركي والسعودي بمواجهة ايران من جهة أخرى، وايضا يمكن القول أن هذا التوتر، وبالرغم من أنه قد مرّ بالكثير من النقاط الحساسة، والتي كانت ملائمة لان تكون اسبابا كاملة للمواجهة العسكرية الواسعة، ولم تؤدِ في النهاية إلى المواجهة، والسبب، طبعا غير خطورة هذه المواجهة ومآسيها الأكيدة، انها سوف تكون فرصة غير حميدة للتدمير الواسع في المنطقة، ولن يقتصر هذا الدمار على القواعد العسكرية الأقليمية والغربية، او على اغلب حقول ومصافي النفط والغاز والتي تمثل حوالي 40 % من الإنتاج العالمي، بل سوف يكون واسعا وشاملا وقاتلا لاغلب المجتمعات المدنية في المنطقة.
لناحية التهدئة والذهاب نحو التسوية
لم يظهر من ردة فعل الأميركيين الاولية على العملية، انهم في صدد اتخاذ إجراءآت عسكرية او على الاقل ميدانية ضاغطة على ايران وحلفائها، بالرغم من انهم وعلى صعيد رسمي، من قبل الرئيس ترامب او من قبل وزير خارجيته مايك بومبيو، اتهموا طهران مباشرة بالمسؤولية عن استهداف الحقول الاستراتيجية في شرق السعودية، على اعتبار ان العملية تحتاج لقدرات مرتفعة ولعناصر عسكرية وتقنية، غير متوفرة لانصار الله، ومن مسافة تتجاوز الالف وخمسمائة كلم، وحيث بنوا اتهامهم لايران على تلك المعطيات، يبدو انهم يتجهون حاليا نحو تفنيد هذا الاتهام بشكل التخطيط والقرار ايراني والتنفيذ حصل من قبل الحشد الشعبي في العراق، وهذا يأخذنا مرحلة اولى الى ابتعادهم عن معاقبة ايران عسكريا، وامتدادا الى تنفيس الاتهام ومحاولة استغلال العملية، اولا لناحية تسعير الخلاف الايراني السعودي، وثانيا لناحية توسيع وتضخيم العقود وصفقات الاسلحة، والتي من المفترض ان تحمي المملكة ونفطها الذي اصبح اليوم مكشوفا اكثر، ويحتاج الى الاف صورايخ الدفاع الجوي المتطورة، والباهظة الثمن طبعا.
من هنا ، وحيث لا تخسر واشنطن شيئا من الفشل السعودي في اليمن، لا بل انها تربح من هذا الفشل، من جهة، توتيرا لاجواء المنطقة هو في صالحها حتما، ومن جهة اخرى، تسليحا لمصلحة ماليتها ومالية شركاتها …
وحيث لا يبدو انها في صدد قرار للرد العسكري على ايران، بعد اشارة عضو الكونغرس السناتور الديمقراطي بيرني ساندرز للرئيس ترامب، بان الكونغرس لن يمنح الرئيس سلطة لشن حرب كارثية، فقط لان السعودية طلبت ذلك منه …
وحيث ترى واشنطن في المواجهة بين السعودية وانصار الله، شكلا من اشكال مواجهتها هي( واشنطن ) مع ايران ، وبالتالي يبقى الضغط السعودي على اليمنيين، من خلال عدم وقف الاعتداء والحرب، شكلا من اشكال الضغط على ايران …
انطلاقا من ذلك، ومع استبعاد المواجهة العسكرية الواسعة في المنطقة، وخاصة بين الاميركيين والايرانيين، لا يبدو أن هناك في الافق القريب فرصة للتسوية السياسية حاليا، والامر يبقى بالنسبة للاميركيين، مرتبطا بما ستؤول اليه العلاقة المتوترة او المواجهة الباردة بين طهران وواشنطن، وستبقى المواجهة العنيفة قائمة بين السعودية والجيش واللجان الشعبية اليمنية وانصار الله، وطبعا ستتطور- تبعا لما نشهده من عمليات في العمق السعودي – نحو استهداف اوسع واعمق لمواقع ولنقاط حيوية سعودية.