سورية ومصالح حلفائها.. كيف تدار الحرب على الإرهاب؟.. بقلم: د.حسن مرهج

سورية ومصالح حلفائها.. كيف تدار الحرب على الإرهاب؟.. بقلم: د.حسن مرهج

تحليل وآراء

الجمعة، ١٣ سبتمبر ٢٠١٩

عيداً عن أسباب الحرب على سورية، ولماذا استهدفت الدولة السورية الموقع والحضور الإقليمي المؤثر، فهذه الأسئلة باتت من الماضي نتيجة ما تمّ تحقيقه سورية، لا سيما على الصعيدين السياسي والعسكري، إضافة إلى أنّ التوجهات الإقليمية والدولية تجاه سورية قد اختلفت وتغيّرت بتغيّر موازين القوى، ليبقى السؤال الأهمّ في سياق ذلك، وتحديداً في هذه المرحلة ذات الحساسية الاستراتيجية العالية، ماذا بعد الحرب على سورية وكيف ستدار وتستثمر نتائج هذه الحرب؟ لا شك بأنه سؤال عميق، لأن محدّدات الإجابة تنطلق من قدرة الدولة السورية على استثمار انتصاراتها السياسية والعسكرية، وتوظيفها في السياق الداخلي والخارجي، ولا شك أيضاً، بأنّ جوهر الحرب على سورية، كان ضمن هدف استراتيجي أميركي بعيد المدى، وجاء ذلك عقب الاحتلال الأميركي للعراق، والرغبة الأميركية بإنشاء شرق أوسط جديد، لكن القراءة الأميركية لهذا الشرق، انطلقت من البوابة السورية، وضرورة جذب سورية بشتى الطرق الممكنة إلى المحور الأميركي، وإلا ستكون كافة الخطط الأميركية عرضة للفشل.
ومع الإصرار السوري على رفض كافة الطروحات الأميركية، اتخذ قرار الحرب على سورية وتدميرها من الداخل، وهذه حقيقة تمّ التوصل إليها نتيجة استحالة شنّ عدوان خارجي على سورية، نتيجة اسباب جيواستراتيجية كثيرة، ونتيجة الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به سورية، هذا الموقع جذب إليها حلفاء أقوياء يتطلعون لبناء منظومة سياسية وعسكرية واقتصادية تضاهي في مضامينها التحالفات الأميركية، ولا شك بأنّ أحد أهمّ أسباب انتصار سورية، هو الثقل النوعي والاستراتيجي لحلفائها، خاصة روسيا وإيران، إضافة إلى حزب الله، هذه المنظومة ورغم ثقلها الاستراتيجي، إلا أنّ كافة التحركات العسكرية التي كانت تجري ضمن معادلة محاربة الإرهاب في سورية، انطلقت من قيادة الجيش السوري وبنيته التنظيمية.
سنوات كثيرة تعاقبت على الدولة السورية والحرب ضدّها، وخلال هذه السنوات تمكّنت الدولة السورية من تحقيق منجزات كانت سبباً جوهرياً في تغيّر طبيعة الصراع في سورية وعليها، ولا شك بأنّ مصالح حلفاء سورية تحظى بأهمية لدى القيادة السورية، انطلاقاً من البعد الاستراتيجي الناظم لكافة التوازنات الإقليمية والدولية، هنا لا بدّ من الإضاءة على نواح تأتي ضمناً في التوجهات السورية لما بعد الحرب:
أولاً لا تزال الدولة السورية هدفاً استراتيجياً لواشنطن وحلفائها، خاصة أنّ التموضعات الجديدة في الخارطة الإقليمية والدولية، تفرض هامشاً للمناورة الأميركية في سبيل تحقيق خططها، نتيجة لذلك، فإنّ التحالف الاستراتيجي بين سورية وروسيا وإيران، سيكون بمثابة سدّ في مواجهة الخطط الأميركية، خاصة أنّ قدرة واشنطن على توظيف الإرهاب في سياساتها، يمثل تهديداً لكافة الإقليم، من هنا، وضمن النظرة الاستراتيجية للدولة السورية، لا بدّ من بناء منظومة سياسية عسكرية اقتصادية تكون في أهدافها وتوجهاتها قادرة على مواجهة محور واشنطن.
ثانياً لا شك بأنّ الحرب على سورية قد أرهقت المجتمع السوري، وباتت الأخطار الفكرية والثقافية التي رشحت من تداعيات الحرب، حاضرة وبقوة في تفاصيل المجتمع السوري، من هنا أدركت القيادة السورية ورأس الهرم في الدولة السورية، انّ محاربة الإرهاب الفكري، ضرورة استراتيجية لا بدّ من تفعيلها واقعاً على الأرض، وبالتالي فإنّ التوجهات السورية تعمل في سياق تنظيمي وتوجيهي لما بعد الحرب، ولعلّ إنشاء المراكز الدينية الوسطية سيخدم هذه الغاية، فالإرهاب أرهق سورية بالمقاييس كافة، لذلك قرأت الدولة السورية الأخطار القادمة من منظار سياسي وعسكري وثقافي، لأنّ الحركات الجهادية التي تدار من قبل واشنطن ومحورها، لا تزال تحاول اختراق المجتمع السوري، وضعضعة بنيانه الثقافي الوسطي والمعتدل، ولا تتحقق هذه الغاية دونما تحالفات قوية البنيان والتوجهات، خاصة أنّ روسيا وإيران مستهدفتان أيضاً في هذا الإطار، ونتيجة لحرب على سورية، تمّ إرسال موجات إرهابية لن تكتفي بتدمير الدولة السورية وحسب، بل ستكون سورية نقطة انطلاق لموجات إرهابية تجاه روسيا وإيران وبإدارة أميركية. فالمحصلة المشتركة لسورية وروسيا وإيران تحتم عليهم بناء مجتمع سوري قوي ثقافياً بغية مواجهة المدّ الإرهابي العابر للحدود.
ثالثاً تكثر التساؤلات في سياق الحرب على سورية، حول مصالح الحلفاء، وقد ذكرنا سابقاً، أنّ المصلحة المشتركة لحلفاء سورية، تنطلق من أبعاد استراتيجية تحتويها الجغرافية السورية، فالانتصارات التي تحققت بمساعدة الحلفاء، تجاوزت في أبعادها الدولة السورية، لأنّ الخطة الأميركية كانت تنظر إلى سورية كقاعدة يمكن من خلالها الهجوم على الدول التي تناهض السياسية الأميركية، وفي بعد استراتيجي إقصاء روسيا من الشرق الأوسط كاملاً، هذه الحقائق شكلت منطلقاً لتوجهات حلفاء سورية، والواضح أنّ الحرب على سورية لن تنتهي بنهاية الإرهاب، بل ستمتدّ إلى قطاعات أخرى تشكل تحديات إقليمية ستطال بتأثيراتها روسيا وإيران، من هنا فإنّ الحرب بمعناها اللفظي قد تنتهي، لكن تداعيات هذه الحرب ستستمرّ، وبهذا الاستمرار ستتولد مخاطر جديدة، وهذا الأمر يأتي في السياق الطبيعي لما بعد الحرب، وبالتالي فإنّ التدخلات الروسية أو الإيرانية في بعض الشؤون السورية، لا يأتي إطلاقاً من عدم قدرة الدولة السورية على تسيير شؤونها الداخلية وحتى الخارجية، بل هذه التدخلات تفرضها طبيعة التحالف السوري الروسي الإيراني، لمواجهة الأخطار السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الثقافية.
ضمن هذه المعطيات، تمّ تحديد الإستراتيجية السورية، هي استراتيجية ذكية وضعها الرئيس السوري بشار الأسد، وانطلق منها من أبعاد استراتيجية مشتركة، تجمع الراغبين في وضع حدّ للهيمنة الأميركية في المنطقة، ولا نبخس حق الدولة السورية إنْ قلنا إنها غير قادرة على مواجهة الخطط الأميركية بمفردها، ولا حتى روسيا قادرة وكذلك إيران، وفي المقابل واشنطن لا يمكن بمفردها تطبيق خططها الإقليمية والدولية، من هنا تنبع أهمية الاستراتيجية السورية في مواجهة الخطط الأميركية، وتشكيل تحالف قوي مع روسيا وإيران، وبالتالي بات واضحاً أنّ قدرة الدولة السورية على جمع كافة الأطراف وتوظيف سياساتها في مختلف القطاعات، يؤكد على قوة الدولة السورية، هذه القوّة أعطت قوّة لحلفائها، صحيح أنّ الحرب لم تنته، وربما سنشهد جولات قادمة، لكن الدولة السورية وقوتها العسكرية، كفيلة بدرء الأخطار سياسياً وعسكرياً واقتصاديا وفكرياً.