إدلب بين موسكو وواشنطن ومفتاحها بيد إردوغان.. بقلم: حسني محلي

إدلب بين موسكو وواشنطن ومفتاحها بيد إردوغان.. بقلم: حسني محلي

تحليل وآراء

الأحد، ١ سبتمبر ٢٠١٩

الجميع يعرف أن الحضور العسكري التركي للعام الثالث غرب الفرات يسهم هو في ترسيخ التقسيم كلما تأخر الحل في إدلب. واستمرار الذرائع التركية في ترسيخ هذا الحضور سيؤدي إلى فشل أعمال اللجنة الدستورية، التي ستجد أمامها عشرات العقبات ما دام معظم ممثلي المعارضة في اللجنة هم من أتباع إردوغان، المدعوم في هذه الحالة أميركياً. لم يتوقع كثيرون للرئيسين بوتين وإردوغان أن يعودا إلى "غرامهما" التقليدي بعد أزمة خان شيخون وحصار نقطة المراقبة التركية في مورك. فقد نجح إردوغان في كسب ود، بل وحتى دعم بوتين له، في مخططه المعروف لحماية عشرات الآلاف من مختلف المجموعات المسلحة في إدلب ومحيطها، هذا إذا تجاهلنا عدداً مماثلاً من مسلحي المجموعات الموالية لتركيا من جرابلس إلى عفرين. وكالات الأنباء وزعت مشاهد من الزيارة التي قام بها إردوغان قبل أيام إلى معرض الطائرات الروسي، وحواراته "اللطيفة" مع الرئيس بوتين، الذي بدا مرتاحاً لمباحثاته مع نظيره التركي. وأفضت المعلومات إلى بروز مساع لدى إردوغان لشراء طائرات سوخوي 57 ومروحيات وطائرات خاصة، هذا إلى جانب التعاون التركي-الروسي في تكنولوجيا الفضاء، والعمل على زيادة حجم التبادل التجاري من 25 مليار دولار إلى 100 مليار، وهي مواضيع مهمة بالنسبة إلى موسكو، التي نجحت في خلق المشاكل لأميركا في علاقاتها مع الحليف الأهم تركيا. وأشارت بعض الأوساط إلى أن مجالات التعاون الجديدة تمثّل "رشى" دفع بها إردوغان للرئيس بوتين كي يبقى على "الحياد" في حربه "العقائدية والشخصية" مع الرئيس الأسد، التي يبدو أنها لن تنتهي إلا بهزيمة أحد الطرفين. يفسر ذلك موافقة بوتين على إقامة نقاط مراقبة تركية جديدة في محيط إدلب لمنع أو تأخير سقوط معرة النعمان وسراقب وجسر الشغور، وذلك بهدف الضغط على جبهة النصرة كي تعلن ولاءها لأنقرة، على أن تبقى إدلب في مهب الرياح الروسية - الأميركية، التي نجح إردوغان في استغلالها دائماً لتحقيق مآربه، وهو ما يفسر تمثيلية التظاهرات ضد تركيا في باب الهوى، التي جاءت لجذب انتباه العالم إلى "الكارثة الإنسانية في سوريا"! وقد حمل استقبال إردوغان للسفير الأميركي الجديد في أنقرة ديفيد ساترفيلد فور عودته من موسكو دلالة في توقيته الزمني، وعُدّ مؤشراً مهماً على التزام أنقرة بتحالفها مع واشنطن مهما فعلت الأخيرة ضدها، الأمر الذي يفسر أيضاً اتصال إردوغان بالرئيس الأميركي دونالد ترامب ليبحث معه "زيادة حجم التبادل التجاري إلى مئة مليار دولار، والعمل المشترك لمواجهة هجمات النظام ضد إدلب". وتطرق الطرفان من دون أي شك إلى تفاصيل التعاون التركي- الأميركي شرق الفرات، التي كان إردوغان قد شرحها قبل ذلك للرئيس بوتين، ليؤكدا معاً ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا السياسية والجغرافية! ويبقى ذلك "كلاماً عاطفياً" ما دامت المنطقة الآمنة تنطوي على اعتراف تركي بالاحتلال الأميركي لشرق الفرات، كما تنطوي على قبول تحالف واشنطن مع وحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، فيما تعمل الدولتان معاً على تقسيم سوريا وفق المخططات الأميركية، المدعومة بريطانياً وفرنسياً وإسرائيلياً، في وقت تسعى فيه أميركا وإسرائيل لمنع فصائل الحشد الشعبي المدعومة إيرانياً من بسط سيطرتها على غرب الفرات المجاور للشمال السوري. الجميع يعرف أن الحضور العسكري التركي للعام الثالث غرب الفرات يسهم هو أيضاً في ترسيخ التقسيم كلما تأخر الحل في إدلب. واستمرار الذرائع التركية في ترسيخ هذا الحضور سيؤدي إلى فشل أعمال اللجنة الدستورية، التي ستجد أمامها عشرات العقبات ما دام معظم ممثلي المعارضة في اللجنة هم من أتباع إردوغان، المدعوم في هذه الحالة أميركياً. ويمثل إردوغان منافساً حقيقياً للرئيس بشار الأسد، الذي سيجد نفسه في وضع معقّد، إن لم يكن صعباً، مع استمرار حسابات المصالح الروسية في العلاقة مع أنقرة. فتركيا تستورد 60% من استهلاكها للغاز من روسيا، وتشتري منها صواريخ أس 400، كما تنفذ الشركات التركية ما قيمته ٣٠ مليار دولار من مشاريع البناء. وتستورد روسيا منها نحو 20 نوعاً من المنتجات الزراعية، ويحتل السيّاح الروس المرتبة الأولى (نحو 6 ملايين) من بين نحو 40 مليون سائح يزورون تركيا سنوياً. وبات واضحاً أن حسابات الخسارة والربح بين الطرفين لم تعد تعني الكثير، ما دام الخاسر الأكبر هو سوريا مع استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه في إدلب، التي عاد إردوغان ليمسك مفتاحها بفضل بوتين، الذي حقق المزيد من المكاسب بعد كل مناورة من مناوراته. هذه المناورات يردّ إردوغان عليها في كل مرة بتكتيكات جديدة تخدم حسابات الطرفين، ما دامت مقومات المناورة السورية ضعيفة، وفق تفكير إردوغان. وهذا ما استغله وسيستغله الرئيس التركي حتى النهاية، ما دام الشريك الثالث إيران في وضع لا يسمح له الآن بكثير من التكتيك. وهذا ما سنراه في القمة الثلاثية بعد أسبوعين، والحديث فيها عن إدلب لن يخرج عن سياقه التقليدي بحسب المزاجَين التركي والروسي. فعسى أن يفاجئنا بوتين بعكس ذلك، هذا إن لم يكن الجميع في هذا السيناريو ممثلين بارعين، والقول الحسم سيكون لدمشق!.