لم فقط هذا!!؟.. بقلم: سامر يحيى

لم فقط هذا!!؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٥ أغسطس ٢٠١٩

لدى الغرب: استقال لأنّه استفاد من أموال الحكومة، ولأنّه استغل منصبه لمصالح شخصية، يقود الدراجة، يخدم ذاته.....؛ لدى العرب: فلان صار من أصحاب الثروات من وراء عمله، فلان موظّف بالمكان الفلاني لديه المجال لتأمين موردٍ إضافي وهدايا .... فلانٌ استغل المال العام أو تاجر بالممنوعات فصار غنياً...
الكثير من هذه القصصٍ، للأسف فيها جزءٌ من الحقيقة، ويتكلّم بها البعض كنوعٍ من الدعابة، والأسوأ أنّها تستخدم لتجميل صورة الغرب رغم كل المافيات والفساد الموجود لديه، وتشويه صورة العرب وتظهر في طيّاتها الفجوة بين المسؤول وموظّفيه، بين المسؤول والمجتمع الذي هو أحد أبنائه، فصحيح أنّ جزءٌ من ذلك سببه الحصار والمعوقات والتضليل الذي يختلقه الغرب لمنع تقدّم الشعب العربي،  نجد المسؤول يزداد غنىً ومؤسسته تزداد فقراً أو على الأقل تبقى تسير ضمن الإطار الروتيني والربح الرقمي غير الملموس، كل فترةٍ يتم رفع شعارات مستقبلية تتجاهل الواقع، لا نلمس آثارها أو نلمس جزءاً بسيطاً منها، ولا سيما التي تدغدغ المشاعر والتي باتت أيقونة يتكّلم بها كلٌ منا، كالفساد والتنمية والإصلاح الإداري، ونظريات وتجارب أكثر دول العالم نمواً وتطوراً، ووعوداً مستقبلية ذهبية، وننظر إليها بنفاقٍ إماً نظرةٍ سلبية مشككة، أو إيجابية مبالغٌ بها، فتبقى بعيدة عن الواقع، ومجرّد سرابٍ لا يروي ظمآناً، . بينما في الغرب نلمس ذلك لأن المواطن نفسه يكون عوناً لمؤسساته ولبلده، يشعر أنّه مسؤول أنى كان تواجده وله دورٌ في تقدّم وطنه، يدفع الضرائب بنسبةٍ عالية، يقتنع برؤية مؤسساته، يبرّر السلبيات ويبحث عن حلولٍ لها، فتنحصر في الزاوية وتضمحل، ويظهر الإيجابيات فتتّسع للوصول للحد الأعلى الممكن، فلا يوجد مدينة فاضلة في العالم، أما لدينا نحن نسلّط الضوء على السلبيات ونعطيها الأولوية فتصبح أمراً عادياً، وتتسع دون إيجاد حلولٍ لها، ونضيّق على الإيجابيات ونضعها بالزاوية رغم كل النجاحات التي حقّقتها مؤسساتنا وصمود شعبنا في وجه الإرهاب ومموّليه بكلٍ أشكاله وتسمياته، فنجلد أنفسنا بدلاً من الانطلاق بقوّة للنهوض بوطننا، ويتخذّها البعض مطيّة لتبرير تصرّفاته السلبية.
علينا قراءة ذلك جيداً لنتمكّن من النهوض بالوطن، فنهوض الوطن بنهوض كل أبنائه، بينما المصلحة الشخصية على حساب الوطن تدمير للوطن وحتى لأبنائه، مهما حاول وضع شعارات رنّانة، وهنا على سبيل المثال يطرح تساؤل "من أين لك هذا؟ بهدف مكافحة الفساد، ولكن أليس في هذا الوقت الذي تمرّ به سوريتنا يوجد طريقٌ أسهل وأسلس لمكافحة الفساد ومضاعفة الإنتاج، وتلقائياً نصل لمرحلة من أين لك هذا؟! أليس الأجدى البحث عن سؤال لماذا فقط هذا؟ لا سيّما تساؤل من أين لك هذا قد يحتاج عدّة سنوات، بينما  تفعيل دور الجهات الرقابية السابقة واللاحقة يمكن معالجة الموضوع فورياً، وبحدٍ أقصى كل ستةّ أشهرٍ، أليس القادر على التلاعب بالمال العام وسرقته بأيّة طريقة كانت دون أن يدع ورائه إثباتاً، قادرٌ على تفادي تساؤل من أين لك هذا الذي سيكون إعلامياً عاطفياً أكثر منه جديّاً حقيقياً، في منتصف شهر حزيران ومنتصف شهر كانون الثاني من كل عام مرحلة مراجعة موازنة كل مؤسسة، أليست بحاجة للتفكير بما قدّمه المسؤول من استثمارٍ وتوفيرٍ وإعادة تدوير وتجاوز عقبات وتحديات للنهوض بمؤسسته، لا مجرّد أرقامٍ لا تتجاوز الورق المكتوبة فيه، وبدلاً من انتظار الترهيب والتخويف، فيصبح من يعمل يخطئ ويعاقب، ومن لا يعمل لا يخطئ ولا يعاقب وإن كانت مؤسسته خاسرة ونتاجه سيء، على الأٌقل أقل من الممكن بكثير، وإن تحدّث البعض بعكس ذلك..
كل مؤسسة كفريق كرة قدمٍ، فيها كل التخصّصات والنجاح مسؤولية الجميع دون استثناء، بما فيها دوائر رقابية قبيل وأثناء وبعد أي مهمّة موكلةٌ إليها أو عملٌ مسؤولةٌ عنه، أليس تفعيل هذا الفريق سيؤدي نتائج مباشرةً وبشكلٍ فوريٍ أجدى وأنفع من أيّ شعارات مستقبلية مذهّبة، ويبني المستقبل الأقوى والأمتن الذي لن يعطي لأحدٍ ثغرة يتسلّق من خلالها لتبديد المال العام وخلق فجوةٍ بين المواطن ومؤسساته؟! أليس التساؤل المفترض طرحه ما الذي قدّمه كل منا كلّ في نطاق عمله وضمن المهام الملقاة عليه للنهوض بدوره وتطوير أدائه وزيادة إنتاجيته وابتكاره أفضل وأسرع الحلول ضمن إطار القانون والمصلحة الوطنية العليا والمبادئ الوطنية؟!
بكل تأكيد لا دخان بلا نار، ولا يمكن للثمار أن تنضج دون أن تمرّ بمراحل ملموسة، والعمل الإداري لا يمكن له أن ينجح إن لم يأخذ بحسبانه الخطوات التكتيكية الآنية والمستقبلية بآنٍ معاً، والمدير الإداري الناجح هو القادر على استيعاب عمله وموظّفيه أنّى كانت رؤيتهم، فكلٌ له رؤيته والاختلاف سر النجاح للوصول للهدف الأسمى، فالذي لن يستطع إرضاء موظّفيه أنّى كان موقفهم وتصرّفهم وتوجّهاتهم، كيف سيتمكّن من بناء مؤسسته في عالمٍ متغيّر في كل يومٍ يوجد جديد علمي وتكنولوجي وعقبات وتحديات إلى ما هنالك.
المسؤول الوطني يجب أن يضع في حسبانه أن دوره إيجاد علاجٍ للمشكلات, وليأخذ ـ وكلٌ منا ينطبق عليه ذلك ـ العبرة من الجندي الذي يقاتل لدحر الإرهاب، فهو يعمل لتأمين دخلٍ شريفٍ لأسرته، وبنفس الوقت يقدّم روحه فداءً لوطنه رغم كل الظروف التي يمرّ بها، بينما المسؤول يجلس في غرفٍ مكيّفة، وبإشارةٍ من يده تلبّى طلباته أنى كبرت أو صغرت.