مشروع خليجي لنزع التوتر… هل يسمح الاميركيون به؟

مشروع خليجي لنزع التوتر… هل يسمح الاميركيون به؟

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٣ أغسطس ٢٠١٩

 تتسارع مؤخرا محاولات نزع فتيل التوتر من منطقة الخليج، والتي إنطلقت من التواصل الامني الايراني – الاماراتي تحت عنوان تفعيل عمل خفر سواحل الدولتين المشتركة، الى التصريحات غير العدائية كما في السابق بين طهران والرياض، لناحية الترحيب السعودي باي تواصل ديبلوماسي مع ايران بشرط أن يكون مجدياً، الى تقدير ايران للاهتمام السعودي فوق العادة بحجاج مكة المكرمة لهذا العام، الى الحراك الديبلوماسي الذي يقوده وزير الخارجية الايراني في بعض عواصم المنطقة، واهمها زيارته للكويت، وما سرب عنها من نية جدية مشتركة لوضع مسار عملي للدخول في معاهدة عدم اعتداء، تجمع وتُلزم جميع الدول الخليجية، وعلى رأسها ايران والسعودية.
بالمبدأ، هذا الحراك يجب أن يقود الى نتيجة كما يبدو، لأنه لم يتعرض لاي تصويب او تشكيك علني من اي طرف اساسي خليجي، وطبعا المقصود هنا بالسعودية وبايران، ولكن، اين الولايات المتحدة الأميركية من هذا الحراك ؟ وهل يحفظ لها مصالحها لكي توافق عليه و ترعاه بالخفاء وتدفع باتجاه اكتماله ؟ ام انها تنتظره على الكوع كما يقال وكما عودتنا دائما، لكي تنقض عليه وتوَجِهُهُ بشروطها وبتعقيداتها المعروفة ؟
لناحية مصالح الاميركيين، من الطبيعي ان اي تقارب خليجي، وخاصة بين كل من ايران من جهة، والسعودية والامارات العربية المتحدة والبحرين من جهة اخرى، لن يكون في مصلحة واشنطن، والسبب ان مصالح الاخيرة في المنطقة وخاصة في الخليج، قامت دائماً على نقطيتين مهمتين وهي : التخطيط والعمل والسعي الى كل ما يؤمن مردودا ماليا ضخما لخزانتها ولشركاتها، والتخطيط والعمل الى كل ما يبقي التوتر الهادف لزيادة عوامل الضغط على ايران.
لناحية المردود المالي
مع التقارب بين دول الخليج، والذي سوف يؤسس حتما لنزع فتيل التوتر، وبالتالي لاستبعاد امكانية الحروب او الاعتداءآت المتبادلة، لن تكون هذه الدول المصدِّرة للنفط باغلبها، زبونا فوق العادة لشراء اسلحة الولايات المتحدة الاميريكة، والتي تتجاوز أثمانها سنويا مئات المليارات من الدولارات، وخاصة من الاسلحة القديمة المكدسة، وغير الصالحة لمواجهات العصر الحالي، كما يؤشر عجز وضعف منظومات بطاريات الصواريخ الدفاعية الاميريكة من نوع باتريوت، او رادارات الرصد وكشف الاهداف التي تبدو عمياء بالكامل امام صواريخ اليمنيين الباليستية المتواضعة، او امام طائراتهم المسيرة الفعالة .
ايضا مع التقارب الخليجي لن يكون هناك من ضرورة لكي تدفع دول المنطقة ” الغنية ” مبالغ طائلة بدل استشارات عسكرية واستراتيجية للخبراء الاميركيين، والذين يمولون تقاعدهم من الجيش الاميركي على حساب ممالك النفط والغاز الخليجية، حيث تفيد اغلب المعطيات عن تجاوز تلك المبالغ ميزانيات دفاع دول متوسطة القدرات، وذلك بشكل دائم يشبه الى حد ما عقود عمل طويلة الأجل، هذا بالاضافة الى بدل اتعاب شركات الامن الخاصة الأميركية ، مثل بلاك واتر وغيرها، والتي تقبض من الدول التي تتنصت عليها وتستعلم عنها .
لناحية الضغط على ايران
ايضا بوجود تقارب في الخليج، وبغياب التوتر وحالة العداء بين دوله، سوف تكون ايران متحررة من الاستهدافات الديبلوماسية والاعلامية والسياسية الى حد ما، الامر الذي يخفف او يلغي بنسبة كبيرة منسوب الضغط الدولي على طهران، وبالتالي ينزع من الغرب، وخاصة من واشنطن، وبشكل خاص اكثر من الرئيس ترامب، الحجة او المبرر الذي استند اليه بشكل كبير للانسحاب من الاتفاق النووي، حيث كان عنوان ” النفوذ الايراني الخبيث ” كما يدَّعي، عنوانا مهما لاستعماله كبند خالفته ايران في الاتفاق النووي تحت عنوان : ” مخالفتها روحية الاتفاق النووي “، وذلك عبر تطويرها لقدراتها الباليستية والصاروخية على خلفية التوتر الذي اوجدته واشنطن بتسليح الدول الخليجية بقدرات مؤذية، مما أجبر ايران على تطوير برنامجها الصاروخي الدفاعي .
من هنا، ولهذين السببين على الاقل، من المستبعد أن تسمح واشنطن بسلوك اي اتفاق تقارب او تخفيف توتر بين الدول الخلييجة، وهي ( واشنطن ) تملك طبعا الكثير من الوسائل لافشال كل تقارب من هذا النوع، وبعض المعطيات غير المؤكدة ولكنها تحمل نسبة كبيرة من الصحة، تفيد ان واشنطن وبتوقيع رسمي من الرئيس ترامب، ارسلت الى المملكة العربية السعودية مؤخرا – خلال الايام القليلة الفائتة – لائحة بمبالغ ضخمة ( حوالي 9 تريليون دولار أو9000 مليار دولار ) يجب تسديدها للولايات المتحدة الاميريكة بعنوان : حساب تسديد عملية 11 ايلول 2001 حسب قانون ” جاستا “، لمسؤولية الرياض الاعتبارية ،حسب القانون المذكور ، عن 15 ارهابيا يحملون الجنسية السعودية من أصل 18 نفذوا العملية.
فهل تنتفض هذه المرة الدول الخليجية على سياسة واشنطن المُدمِّرة لها، ام انها سوف ترضخ وتستمر في جلد انفسها، بحجة الحلف ” الوهمي طبعا ” مع الاميركيين ، وخوفا من إغضابهم ؟.