رفس النعمة” وطقوس صناعة الفقر في الريف السوري..؟؟!!

رفس النعمة” وطقوس صناعة الفقر في الريف السوري..؟؟!!

تحليل وآراء

الجمعة، ١٦ أغسطس ٢٠١٩

بطالة وسائل الإنتاج أخطر بكثير من بطالة القوى العاملة، أي البطالة بمفهومها الشعبي – التقليدي، لكنه كان من المريب أن ننشغل جميعاً على مرّ عقود وحتى الآن بالحديث عن معدلات بطالة القوى العاملة في المشهد الجديد للبلاد، على خلفيات ما نحن فيه من محنة، ويصمت بعضنا –جهلاً أو تجاهلاً– عن الحقيقة الأكثر مرارة وهي بطالة وسائل الإنتاج؟!!. من هذه المفارقة الموجعة يبدو الدخول إلزامياً إلى هذا الملف الموجع بعد سنوات من الاستنزاف، للتنبيه إلى حتمية الخروج من تجليات ملكة الكلام الاستعراضي أو الذرائعي- التي يبدو أنها استحكمت بعدد غير قليل من “ذوي الحقائب”- والتحرّر من خصلة “امتطاء” وسائل الميديا، لتظهير النيات بهيئة إنجازات أمام من يلزم، وهي حالة بغيضة عصفت بثلاث حكومات سابقة، وربما كان من المهم جداً أن هذه العدوى لم تنتقل إلى الوسط التنفيذي بطاقمه الحالي، لأن ثمة إنجازات فرضتها عمليات استدراك آثار الحرب..وكان من أهمها إعادة إنعاش حوالي 90 ألف منشأة وورشة صناعية، بما تحتضنه من عمالة. وبالعودة إلى إشكالية الإصرار على عدم فهم أن بطالتنا هي بطالة وسائل إنتاج قبل أن تكون بطالة قوى عاملة، فإننا ننتظر من أنفسنا – شعبياً ورسمياً – الالتفات فعلاً إلى هذه الحقيقة الكئيبة، والتوجّه نحوها بقرارات فردية شعبية وحكومية أيضاً. ولعله من المهم في مثل هذا السياق أن بعضنا بدأ يتحدث عن زراعة جوانب الأوتوسترادات، بالأشجار والمحاصيل الزراعية، وهو خيار تبدو فكرته أهم من عائداته في حسابات اقتصاد بلد كسورية، ويستحق من بادر الثناء، لكن الحدث مناسبة لإطلاق تساؤل بالغ الأهمية بشأن الأراضي الخارجة عن الرقعة الزراعية في المناطق الآمنة، وبالفعل ستكون مفاجئة أية تصوّرات عن المساحة والأسباب؟…ولن نتحدّث هنا عن الموارد التي من الممكن إتاحتها تنموياً، والواقع هي كثيرة وممتدة أفقياً على مساحة مدننا وأريافنا، وسنبقى في المضمار الزراعي بما أنه الأكثر جاهزية لمعاودة الانتعاش، فبعيداً عن حرم الأوتوسترادات ثمّة مساحات هائلة في أريافنا خارج الاستثمار.. وشاهدنا أراضي قرى بأكملها في مناطق استقرار مطري، لم تُستثمر حتى كمراعٍ للثروة الحيوانية بسبب الغياب التام للأخيرة، وإن استثنينا حالات عدم وجود من يعمل أو انتشار فأر الحقل وذرائع أخرى غير مقبولة عملياً، لا بد أن نصل إلى حقيقة انعدام الجدوى، وهذه مشكلة يجب أن نعترف بها أولاً، ثمّ نتفق على وسيلة الحل، بما أن المكابرة لا تنفع الأدبيات التنفيذية. فمن المعروف أن زراعة القمح غير المروي من أقل الخيارات الزراعية تعقيداً، مع ذلك علينا الاستسلام بحسرة لمشهد الأراضي المهجورة، والغرق في حسابات تكاليف استيراد كيلو القمح، ووسائل الحصول عليه من الخارج، وسرديات طويلة من الأفضل أن ننأى عنها، وننشغل باجتراح سبل تحفيز الإنتاج المحلّي، ومكافحة هذا النوع الخطير من بطالة رؤوس الأموال الثابتة، لأنها السبب القريب لبطالة الأيدي العاملة، بما تحجبه من فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، وعائدات يمكن استرجاعها على شكل وفورات من بدائل استيراد مادة هي الأهم في يومياتنا المعيشية. المهم أن ننفض عن أنفسنا غبار حقبة استرخاء ما قبل الحرب..و النزعات الاستهلاكية التي استحكمت بأريافنا، ” تمدّن الريف”، والسعي بشغف نحو الوظيفة العامة، التي تسببت الحرب طقوس الحصار بتشويهها كمصدر رزق يعتمد عليه السوريون في إعالة أنفسهم و أسرهم. فالأرياف هي الخزّان السخي – الثري بموارده ، له خصوصياته التي يجب أن ننتبه ونتوخّى ألا تضيع وتنحسر أما زحف سمات المدينة وتقاليد الحياة فيها، لأن الأخيرة تنعم بميزات تجارية وخدمية ليست متاحة في الريف..بالتالي كان التمدن الواهي في الأرياف هو خسارة كبرى لمصادر رزق سكان الريف، ولمصادر إمداد سكان المدن..لقد خسر الجميع بسبب فوات استثمار هذه الموارد، وها هي النتائج لا تحتاج إلى طول شرح..الحل بالمبادرات الفردية، والعودة إلى استثمار الخصوصية الريفية بكل ما تحتضنه من ميزات وموارد، وستكون أحوالنا أفضل بكثير، فالأرياف هي موطن الأغنياء المؤجلون لا موطن الفقراء المعذبون ، ولنلاحظ أن أكثر مناطق الإنتاج المفترضة في أريافنا هي الأكثر فقراً، أليست مفارقة قاهرة تحتاج إلى من يقهرها؟؟؟