كيف يمكن أن نسامح؟.. بقلم: زياد غصن

كيف يمكن أن نسامح؟.. بقلم: زياد غصن

تحليل وآراء

الاثنين، ٥ أغسطس ٢٠١٩

غداً ستنتهي الحرب، وتطوى صفحة أليمة في تاريخ سورية.
آنذاك ستكمل الدولة ما بدأته، وتنجز ما هو مطلوب منها لوضع البلاد على طريق التسامح وإعادة التماسك إلى النسيج الاجتماعي الوطني، سواء أكان ذلك متعلقاً بإصدار تشريعات العفو وغيرها، أو خاصاً بمعالجة بعض ملفات الحرب العالقة.
لكن ماذا عن السوريين المتضررين كأفراد؟
هل سيكونون قادرين نفسياً واجتماعياً على اتخاذ قرار شخصي بالمسامحة والصفح؟ وما المطلوب من الدولة والمجتمع لمساعدة هؤلاء على السير قدماً في مشروع التسامح؟ وماذا فعلت مؤسسات الدولة والمجتمع في هذا الملف؟
ليست سورية أول بلد يخوض هذه التجربة أو لنقل هذا الامتحان الصعب، فقد سبقتها دول كثيرة في هذا الأمر.. منها من نجح، وكان نجاحه سبباً في إنجاز نهضة عمرانية واقتصادية لافتة، ومنها من فشل، وكان فشله سبباً في «خراب البصرة»..!
لذلك ليس هناك ما يمنع من الاطلاع على تجارب الدول الأخرى، لنرى ماذا فعلت.. وكيف تصرفت لتجاوز مرحلة الحرب المدمرة، رغم أن بعض هذه الدول كان يعاني من انقسام اجتماعي حاد وعميق، وهذا ما ينتفي في الحالة السورية، الأمر الذي يجعل من المهمة لدينا أسهل بكثير مما كانت عليه في تلك الدول.
في بلدنا، هناك ألم كبير يعتصر قلوب كثير من السوريين، الذين تضرروا بشكل أو آخر من الحرب.. ألم إما قد يفجّر لدى البعض براكين من الغضب والحقد على المجتمع، وإما قد يفتح باباً للمصالحة لا يمكن لأحد إغلاقه، طالما أن صاحب الألم فتح ذلك الباب.
هنا تكمن مسؤولية الدولة والمجتمع في تحويل الألم إلى مدخل للتسامح والمصالحة لدى الكل، وفي تحويل مجريات الحرب إلى مجرد ذكريات سيئة، يجب ألا تستدعي أقوالاً أو أفعالاً تضر بالنسيج الاجتماعي الوطني، أو تعيد إنتاج جزء من مشاعر الحقد والكراهية والتعصب..
وقلت الدولة أولاً، لأنها وحدها القادرة على طرح مشروعات بنّاءة..
ليس المطلوب بالضرورة في ثقافة التسامح أن تصفح عائلة الضحية عن المذنب، أو أن ينسى المواطن آلامه وأحزانه، فالغاية أنبل من ذلك، إذ إنها تتعلق بإعادة تشكيل وعي الإنسان السوري وثقافته وقيمه، ليكون جزءاً من مسار جديد لإعادة بناء ما خربته الحرب مادياً ومعنوياً.
وإذا كانت مسؤولية الدولة في بناء عقل الإنسان المتسامح معروفة، تبدأ من المدرسة إلى الجامعة مروراً بالعمل، والعدالة في تطبيق القانون والتنمية وغير ذلك، فإن المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص لم تعد محصورة بأعمال الإغاثة أو تقديم التبرعات هنا أو هناك، وإنما بات جزء مهم من تلك المسؤولية متعلقاً بمدى نشر مؤسسات هذا القطاع لثقافة التسامح، والإسهام في بناء عقل المواطن المتسامح.
ربما يكون ما تقدم كلاماً نظرياً جميلاً بنظر البعض، وهذا حقه.. لكن يمكن لمؤسسات كثيرة، عامة ومجتمعية، أن تحوّل ذلك الكلام إلى برنامج وطني، واضح الرؤى والخطوات، يتكاتف الجميع لتنفيذه وتحقيق أهدافه..