أستانا القادمة نسخة مكررة عن سابقاتها.. إلا إذا!.. بقلم: محمد نادر العمري

أستانا القادمة نسخة مكررة عن سابقاتها.. إلا إذا!.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣١ يوليو ٢٠١٩

يبدو أن مؤشرات التفاؤل التي برزت في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بتشكيل وانطلاق عمل اللجنة الدستورية خلال محادثات أستانا القادمة مطلع شهر آب لن تجد طريقها نحو الإعلان والتنفيذ، في ظل عدم نضوج «الظروف الموضوعية» وتصاعد السلوكيات العدائية بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الأزمة السورية، إلا إن كانت هذه السلوكيات تأتي في سياق التجاذبات المتعلقة بالتأثير على ما تبقى من نقاط خلاف حول تسمية اللجنة وجدول أعمالها وشكل التصويت، بمعنى آخر أن تكون هذه السلوكيات جزءاً من الكباش السياسي لفرض الرؤى والأجندات لكل طرف على حساب الطرف الآخر.
فبالرغم من أن منسوب التوتر على المستويين الإقليمي والدولي بدأ يتراجع ويتهاوى وتنخفض معه مؤشرات الاشتباك المباشر وخاصة بين إيران والولايات المتحدة، إلا أن ذلك لم ينعكس على الساحة السورية بشكل مباشر، بل ربما تتحول هذه الساحة كمثيلاتها من رقع الصراع إلى حلبة يرتفع بها منسوب الاشتباك غير المباشر لتصفية الحسابات أو لتحسين التفاوض السياسي أو لتقطيع الوقت والدخول في مرحلة «عض الأصابع» بعد تراجع جميع الفاعلين السياسيين عن حافة الهاوية، وإدراكهم خطورة عدم القدرة على احتواء آثار أي حرب أو التحكم بضبطها وعدم ضمان نتائجها الكارثية.
وما يؤكد هذا السيناريو، أي عدم تحقيق أي تقدم ملموس في محادثات أستانا القادمة، توافر عدة معطيات ممزوجة مابين الدبلوماسية والسياسية والعسكرية، أهمها:
1- من المعروف ضمن قواعد العمل الدبلوماسي أن أي شخصية دبلوماسية رفيعة كالمبعوث الدولي لأي أزمة دولية، يكون له مساعدون أو نواب يتولون مهامه في حال حصول أي مانع صحي أو غيره يمنعه من استكمال جهوده التوافقية لحل أي أزمة أو صراع على مستوى الدولي، هذا فضلاً عن أن يكون المانع مقنعاً ويشكل عائقاً حقيقياً يمنعه من استكمال مهامه بشكل مؤقت أو مستمر.
وهذا ينطبق على المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسون الذي أعلنت الأمم المتحدة منذ أسبوع في بيان لها أن مبعوثها الخاص تعرض لإصابة في العين، وأنه سيحد من نشاطه لفترة من الزمن، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات: الأول متعلق بالتوقيت الذي حد من نشاط بيدرسون بعد جولة دبلوماسية وصفت بالناجحة والإيجابية وقطعت شوطاً جيداً وفق المبعوث الدولي ذاته، وثانياً هل إصابة بيدرسون، التي لا نشكك بها، هي فعلاً سبب مقنع لوقف نشاطه في ظل وجود نماذج سابقة من الإصابات التي تعرضت لها سابقاً شخصيات مهمة تمنعها من الحركة في بعض الأحيان لكنها لم تمنعها من ممارسة جهودها؟ التساؤل الثالث وهو الأهم: لماذا لم توكل الأمم المتحدة أو مبعوثها مهمة استكمال جهوده عبر أحد نوابه أو معاونيه لقطف ثمارها في محادثات أستانا المقبلة كما كان المأمول منها ولاسيما أن الأمم المتحدة تدرك تماماً حجم الدماء والدمار الذي ينتج عن أي حرب يومياً؟ أفلا يستحق الشعب السوري اهتمام الأمم المتحدة التي يتباكى أعضاؤها عليه في بياناتها بأن تولي أي نائب مهمة غير بيدرسون بشكل مؤقت؟ أم إنها خضعت لضغوط من المجموعة المصغرة في استثمار إصابة بيدرسون لتعطيل مخرجات أستانا للضغط على محور دمشق في سبيل إحياء مسار جنيف؟
2- الضغوط التي تمارسها واشنطن عبر المجموعة المصغرة حول سورية لتعطيل أي إنجاز يمكن التوصل إليه في أستانا، وهذا برز في إعلان ما يسمى هيئة التفاوض المعارضة على لسان رئيسها نصر الحريري أثناء اجتماع الهيئة في الرياض عن تعليق مشاركتها بالمباحثات السياسية مع الجانب الروسي وإيقاف العملية السياسية بناء على ما دعاه عن فشل التوصل إلى حل سياسي يحيد إدلب ومشترطاً توقف العمليات العسكرية في إدلب لعودة التواصل مع موسكو، ودعوته أن يتخذ من أسماهم وفد الفصائل إلى مباحثات أستانا الموقف ذاته. بالتوازي مع ذلك اعتبر رئيس ما يسمى «الائتلاف الوطني لقوى المعارضة» أنس العبدة أن العملية السياسية في غرفة الإنعاش حالياً.
3- مضمون وتوقيت الرسالة الخطية التي نقلها الكاردينال بيتر تركسون رئيس المجلس الحبري لتعزيز التنمية البشرية المتكاملة من البابا فرنسيس بابا الفاتيكان للقيادة السورية، فمن غير المعقول من الناحية الأخلاقية والإنسانية والواقعية أن يعنى الفاتيكان بحل سياسي لمدينة إدلب في ظل خضوع ما لا يقل من 65 بالمئة من مساحتها لجبهة النصرة ليشرعن وجودها ويبرئها من جرائمها، رغم أنها تهدد أوروبا وتدعو لإقامة ما يسمى «الخلافة الإسلامية» وفرضها بالقوة في كل أرجاء الكرة الأرضية.
4- التطورات العسكرية المتسارعة التي تشهدها الخارطة الجغرافية السورية، والمتمثلة:
• استمرار تنصل تركيا وهي الطرف الضامن للمجموعات الإرهابية من التزاماتها بتنفيذ مخرجات أستانا وسوتشي فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب في منطقة خفض التصعيد الرابعة، بل واستمرار تزويدها للنصرة وغيرها من المجموعات الإرهابية المترابطة معها بأسلحة نوعية وفق ما كشفته معلومات صحفية ومجريات المعارك في إدلب وحماة، هذا فضلاً عن استمرارها بمسعى اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية في الشمال وتتريكها بعد إحداث تغيرات ديموغرافية فيها، وإعلان نيتها بشن عدوان على شرقي الفرات بما يجعل اتفاق أضنة من الماضي المستحيل.
• المسعى الأميركي لإحياء مسار المشاريع القديمة الجديدة، تتضمن العودة لبناء قوات مسلحة تتخذ من التنف قاعدة انطلاق وتجمع لها ومن الأردن نقطة تدريب وإدارة لعملياتها عبر إحياء غرفة «موك» لتنفيذ المشاريع الأميركية وفق وصف أحد قادة ميليشيات ما يسمى الجيش الحر سابقاً في الجنوب السوري، أبو أنس الحريري، وفي مقدمة هذه المشاريع تعويم ميليشيات «قسد» وفكرها الانفصالي ضمن قوات وهيئات عربية لتخفيف حدة الاحتقان الشعبي من سلوكيات الأولى تجاه مواطني المناطق، وتوحيد هذه الميليشيات بمختلف قومياتها وأعراقها لاستهداف القوات التابعة لمحور المقاومة وخطها البري وخاصة في ظل رغبة واشنطن بالانتقام من إيران بعد فشل حسم صراعها معها عسكرياً، وللقيام بعمليات من شأنها إحداث خروقات أمنية لها الكثير من الدلالات في الجنوب السوري كما حصل مؤخراً من تصاعد وتيرة استهدافات نقاط للجيش السوري غرب مدينة درعا، هذا فضلاً عن ابتزاز دول الخليج لدفع المزيد من الأموال للإدارة الأميركية الحالية التي تحتاج إلى رفع مستوى النمو الاقتصادي الداخلي لها بما ينعكس إيجاباً من تموضع الرئيس دونالد ترامب الانتخابي.
لا يبدو أن أستانا القادمة سيتمخض عنها أي إنجاز يمكن ذكره وخاصة فيما يتعلق باللجنة الدستورية، إلا إن استطاعت موسكو إقناع تركيا بالإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، وهذا السيناريو مطروح وقد تقدم عليه تركيا ليس انطلاقاً من قناعتها بالحل السياسي للأزمة بل للهروب خطوة للأمام في معركة التجاذب التي تشهدها علاقتها مع واشنطن التي ترغب في فرض عقوبات عليها على أثر تسلمها منظومة «إس400» والموقف من القوى الكردية، وبذات الوقت ممارسة سياسة المراوغة لكسب ود روسيا من خلال اللجوء إلى أنصاف الحلول عبر إعلان تشكيل اللجنة ثم تعطيل عملها، وهذا يعيدنا للمقاربة القائمة على المزاوجة بين زخم العمليات العسكرية للجيش السوري ضد التنظيمات الإرهابية مع إبقاء الخيار السياسي مطروحاً بأوسع أبوابه لكل من يريد دخوله.