العرب غائبون عن الصراع الدولي على إدارة «أمنهم»!.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

العرب غائبون عن الصراع الدولي على إدارة «أمنهم»!.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٦ يوليو ٢٠١٩

يشعر المتابعون بأن الخليج يقع على بعد عشرات آلاف الأميال عن المنطقة العربية التي تتعامل دولها مع الصراع الدولي عليه بتجاهل حيناً او باستتباع كامل للمشاريع الغربية حيناً آخر.
وهذا يشمل أيضاً كامل بلدان الجانب العربي من الخليج الذي لا يرى في هذا الصراع إلا خطراً إيرانياً يمنياً أوكل للغربيين مهمة القضاء عليه، ونام بأمان على وسادة الأحلام وسط انهمار كثيف لمقترحات تطرح حلولاً لإدارة الامن في الخليج.
لقد وصلت هذه المقترحات حتى الآن الى أربعة، لكنها قابلة للازدياد وهي اميركية اساساً تطرح حلفاً مع دول الخليج ومصر والاردن و»إسرائيل».
وبريطانيا تريد جذب اوروبا بزعم استقلالية أوروبية تنتهي وكعادتها في احضان الاميركيين.
اما الاقتراح الثالث فهو روسي يتعامل مع الموضوع بعمق يُلبي حاجات الصراع الروسي الاميركي الى ثنائية دولية من جهة وأمن الخليج العربي الإيراني من ناحية ثانية ويذهب في الوقت نفسه الى مبادرات تطمئن الدول العربية في الخليج على مستقبلها السياسي من جهة ثالثة.
هناك أيضاً مبادرة إيرانية عملية، لكنها موجهة الى اطراف لا تريد ان تسمع وتبدو كمن ألصق الاميركيون سدادات في فتحات آذانها لمنعها من السمع، حتى إشعار لم يحن وقته بعد.
هذه المبادرة تتعامل مع الدول العربية في الخليج على أساس أنها قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة وربما تريد المزيد من كشف ارتباطها بالأميركيين الى درجة إلغاء حركتها السياسية خارج ممالكها.
تطرح المبادرة الإيرانية معاهدة عدم اعتداء بين دول الخليج على أساس تشكيل قوة بحرية من الجانبين العربي والإيراني ترعى الامن الخليجي من شط العرب في العراق الى رأس البحر الاحمر قبالة الحدود البحرية للسعودية مع الاردن ومصر. وهذا يشمل الامن المشترك في مضيق هرمز وبحر عدن بفرعيه نحو المحيط الهندي او البحر الاحمر مروراً بباب المندب.
ان هذه المبادرة تجمع بين سياسة إلغاء العداء الإيراني الخليجي وسياسة خلق أمن بحري محلي يعيد لدول الخليج مكانتها في العالم بما يوازي جزءاً من اهمياتها الاقتصادية.
فإذا كانت قلقة على ممالكها وإماراتها، فإن هذا الاقتراح أكثر من اعلان إيراني بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للقسم العربي من الخليج تاركاً لتفاعلاته الداخلية تحديد مصالح الشعوب وإداراتها السياسية.
كما ان حرصها على تصدير ثلث نفط العالم العربي الإيراني يتأمن بحراسة خليجية صرفة قادرة بقوارب بحرية صغيرة على تأمين ملاحة سليمة من أي أذى. المهم هنا ان تكون النيات موجودة والاهداف سليمة والمصالح متوفرة.
لذلك تبدو هذه المبادرة منطقية في الحسابات العلمية لدول تمتلك حرية قرارها، وهذا ليس متوفراً عند بلدان الخليج المنصاعة للنفوذ الأميركي والدليل أنها ردت على هذا الاقتراح بمطالبة الغرب بالقضاء على الارهاب في اليمن ومراقبة إيران.
هل هناك مبادرات أخرى؟
يعتقد الاوروبيون بأن فرصتهم للعودة الى الخليج الاقتصادي أصبحت وشيكة ما يجعلهم يحاولون إعداد ورقة بأمن خليجي ترعاه أوروبا بشكل كامل انما بتنسيق مع دول المنطقة الخليجية وليس معادياً لإيران.
لقد تلقف الأميركيون هذه الجهود الأوروبية ساعين وبسرعة الى إفراغها من خصوصيتها كمشروع استقلالي أوروبي طامح للعودة الى العالم بمحركات القارة العجوز.
فها هو رئيس الحكومة البريطاني الجديد بوريس جونسون يستقرّ في إدارة انجلتره باستسلام كامل للسياسة الاميركية يصل الى حدود المزايدة عليها ومع احتمال نجاح رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي نتنياهو بالانتخابات المقبلة، فإن حلفاً اميركياً يضم الى حلقاته رؤساء بوزن جونسون ونتنياهو كفيل بتحويل التصعيد في العالم الى مشاريع حروب فعلية لا تحتاج الى أمن خليج او حرية ملاحة.
ألا تندرج في هذا الاطار محاولات القيادة المركزية للجيش الاميركي التي تعكف حالياً على تشكيل قوة متعددة الجنسية بقيادة أميركية لادارة الامن الملاحي قبالة إيران واليمن حصراً. وهذا ما جاء حرفياً في تصريح رئيس أركان القيادة المركزية الاميركية جوزيف دانفور الأمر الذي يوضح ان مهمة هذه القوة هي خنق إيران واليمن كتتمة للعقوبات المفروضة عليهما والإمساك الكامل بمضيق هرمز الإيراني وباب المندب قبالة الساحل الغربي لليمن.
والمضحك أن دانفور يؤكد أن بلاده لا تستهدف بهذه التدابير اثارة حرب مع إيران، التي يجب عليها كما يرى الأميركيون ان تسكت على مشروع خنقها ومحاولة افتراس اليمن.
هناك اذاً صراع مشاريع لن يبقى منها في الميدان إلا الاقتراح الروسي المتكامل والمشروع الاميركي الذاهب الى المزيد من التوتير والاحتراب، انما مع حروب فعلية مرجأة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في 2020 من جهة والاستمرار في ابتزاز دول الخليج من جهة ثانية، من دون نسيان ما ذكره ترامب حول ضرورة أن تدفع الصين واليابان للأميركيين مقابل حماية صادراتهم الخليجية من النفط من ناحية ثالثة.
يتسم هذا الصراع بغياب كامل لدول المنطقة التي تنافس عليها المحاور العالمية.
فأين السعودية والامارات والكويت وعُمان والبحرين وقطر والعراق من مشاريع تزعم أنها تريد تنظيم امنهم الملاحي؟ ولماذا تقاوم إيران هذا الاستعمار الغربي الجديد بمفردها وهم نيامٌ غافلون؟ وكيف تتمكن سورية من الصمود في وجه هذه الاحلاف الدولية وهم عاجزون حتى عن مجرد إبداء الرأي؟ ويستعملهم الاميركيون تغطية لمشاريعهم.
الخليج الى اين؟ يرتبط استقراره بمدى الصمود الإيراني على أن تزيد روسيا من ايقاعها البطيء وتترك نظريات العلاقات الحسنة مع جميع الأطراف والتروي، لان دعم إيران هو إسناد كبير للتقدم الروسي الصيني نحو مراكز القرار العالمي، الامر الذي يدفع نحو تراجع اكبر ومطلوب للأحادية الاميركية.