تركيا: بين المطرقة الأميركية والسندان الروسي.. بقلم: حسني محلي

تركيا: بين المطرقة الأميركية والسندان الروسي.. بقلم: حسني محلي

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ يوليو ٢٠١٩

عندما وصل أول سفير يمثل القيصر الروسي إيفان الثالث إلى إسطنبول صيف عام 1497ليقدم أوراق اعتماده للسلطان العثماني، بيازيد الثاني، كان ذلك قبل 279 عاماً من ميلاد الولايات المتحدة الأميركية.
وشهدت العلاقات العثمانية - الروسية بعد ذلك التاريخ سلسلة من الحروب الدموية، وأحياناً فترات من السلام القصير، حتى ثورة لينين الشيوعية عام 1917، وكانت الدولة العثمانية آنذاك على وشك الانهيار بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. وقدم لينين أنواع الدعم العسكري والمالي كافة لمصطفى كمال أتاتورك الذي قاد حرب التحرير عام 1919 ضد الدول المحتلة، وهي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وبشكل غير مباشر أميركا، إلا أنه ابتعد رويداً رويداً عن الاتحاد السوفياتي الشيوعي بعد حصوله على استقلال تركيا في تشرين الأول/أكتوبر عام 1923.
ونجحت أنقرة بعد وفاة أتاتورك في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1938في البقاء على الحياد في الحرب العالمية الثانية، لتدخل بعدها في الفلك الأميركي مع نهاية هذه الحرب.
وجاء حكم عدنان مندرس عام 1950 ليفتح صفحة جديدة في تاريخ تركيا الحديثة، إذ وقّعت أنقرة على الكثير من اتفاقيات التعاون العسكري مع واشنطن، فانضمت إلى الحلف الأطلسي وحلف بغداد وسمحت بإقامة العشرات من القواعد العسكرية على أراضيها، وتحولت إلى خندق أمامي "للدفاع عن الإسلام والغرب معاً"، وضد الشيوعية والاتحاد السوفياتي، "لمنع الدب الروسي من النزول إلى المياه الدافئة في الأبيض المتوسط عبر المضائق التركية وهي البوسفور والدردنيل".
وبقيت إرادة أنقرة طيلة السنوات الماضية مرهونة بيد الأميركيين وحلافائهم في الغرب حتى سقوط الاتحاد السوفياتي واستقلال الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي، وهي كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزيا وتركمنستان وأذربيجان، وأراد الرئيس الراحل تورغوت أوزال توحيدها عام 1991 تحت راية العثمانية الجديدة، وهو ما كان يؤمن به إردوغان أيضاً.
لم تُخفِ موسكو آنذاك، وما زالت، قلقها من هذا النهج العثماني الجديد، الذي يشكل خطراً على أمنها القومي، لأنها ترى في الجمهوريات المذكورة حديقة خلفية لها، كما يعيش ضمن حدود روسيا الحالية ما لا يقل عن 25 مليوناً من المسلمين وفي مقدمتهم مسلمو الشيشان.
وجاء الربيع العربي ليضع العلاقات الروسية - التركية أمام تحديات خطيرة بسبب الدعم الروسي للرئيس السوري بشار الأسد، وتبني أنقرة لكل المجموعات التي سعت لإسقاطه. وأفشل الوجود العسكري الروسي مشاريع إردوغان الذي أسقط طائرة روسية في أجواء سوريا في 24 تشرين الثاني/نوفمبر.
كانت هذه الحادثة بداية "الغرام الروسي التركي الجديد"، بعد أن اعتذر إردوغان من بوتين في 27 حزيران/يونيو 2016 ثم التقيا في 9 آب/أغسطس بعد أن ساعدت موسكو الرئيس إردوغان في تصديه لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو التي قام بها أتباع الداعية فتح الله غولن المدعوم من أميركا حيث هو يقيم هناك.
وشهدت العلاقات التركية - الروسية بعد تلك الأيام تطورات مثيرة إذ سمح بوتين للجيش التركي بدخول الشمال السوري، ووقّع إردوغان بالمقابل مع موسكو على صفقة شراء منظومة أس - 400، التي بوصولها الأسبوع الماضي إلى قاعدة "مرتد" أزعجت واشنطن، ولأن الأميركيين هم من بنوا هذه القاعدة عام 1950. وجاءت أس -400 ورد الفعل الأميركي لتفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية وهذه المرة مع الحليف الاستراتيجي أميركا ولها في تركيا 12 قاعدة ومنها انجيرليك التي تختزن 50 قنبلة نووية.
 
فهذه هي قصة المطرقة الأميركية التي يسعى إردوغان لتحمّل ضرباتها بالغاز الروسي الذي يغطي 60٪ من احتياجات تركيا، و6 مليون من السواح الروس، والمفاعل النووي الذي تبنيه روسيا بـ 25 مليار دولار، وهي أقل بكثير من حجم المشاريع التي تنفذها الشركات التركية في روسيا.
 
ويبقى التحدي الأهم بالنسبة لإردوغان هو تصفية حساباته في سوريا، حيث هو على خلاف مع أميركا التي تدعم الكرد شرق الفرات، فيما لا يتفق مع الروس الذين يدعمون الأسد في غرب الفرات وإدلب بالذات، حيث الإسلاميون الذين كانوا السبب في تغيير سياسات تركيا بالكامل بعد ما يسمى بالربيع العربي وإلا لما كنا الآن نتحدث عن أس -400 أساساً!.