«تحدي الشيخوخة.. يتحدى».. بقلم: لينا كيلاني

«تحدي الشيخوخة.. يتحدى».. بقلم: لينا كيلاني

تحليل وآراء

الجمعة، ١٩ يوليو ٢٠١٩

في هذا الأسبوع انشغل الناس بتطبيق جديد قديم نبت هكذا فجأة على صفحاتهم الإلكترونية وهواتفهم الذكية كما نبات فطر ضل تربته.. إنه تطبيق (تحدي الشيخوخة) الذي يستخدم الذكاء الصناعي ليضيف خطوط الزمن الى صورتك الحالية فتبدو معه وكأنك وصلت الى أرذل العمر وأنت في هيئة مزرية.. فهل تضحك من توقعات ذلك الذكاء، أم تبكي أسفاً على نفسك لما سيؤول بك الحال؟
هذا البرنامج الذي وصل مؤخراً الى العالم العربي، ولقي رواجاً كبيراً هو ليس بالحديث المستحدث بل إنه ظهر كتطبيق خاص لدى بعض شركات الهواتف المحمولة منذ سنوات قريبة، وبات متاحاً الآن للجميع لينتعش من جديد بعد أن كان قد أفل نجمه.
ومن المستغرب أن يلقى هذا التطبيق الذي يصف نفسه بالمرح كل هذا الرواج في توقيت يتزامن مع مشكلات تسريب البيانات الشخصية للأفراد من خلال البرامج والتطبيقات التي لا يرف لها جفن وهي تنتهك خصوصية مشتركيها، ولا تحترم ميثاق الشرف، وهي صادرة أصلاً عن دول يُفترض أنها أول من أسس ما يُعرف بـ (نظام الشرف) عندما أوكل الى طلاب الجامعات أن يقوموا هم بمراقبة أنفسهم بأمانة لكي يستغنوا عن دور المراقب.
واختلفت الآراء حول التطبيق الطارئ، وأصبح الحديث عنه على القنوات، والصفحات تماماً كما حصل مع ظهور لعبة، أو بالأصح صرعة، (البوكيمون).. ووصل الاختلاف الى رجال الدين بين مَنْ يعارض ويحرّم، ومَنْ يبرر، ولا يؤيد.. بينما الأمر لا يتعدى أن يكون شبيهاً بفن (الكاريكاتير) في شطحاته كفن ساخر يجيد المبالغة في تحريف الملامح الطبيعية للوجوه.
صور يظهر فيها أصحابها في طور الشيخوخة المتقدمة، فإذا ببعضهم يصدق أن هكذا سيؤول به الحال فيكتئب، وقد يبكي بدل أن يضحك، بينما التطبيق أصلاً يعلن عن نفسه أنه للمرح، وأنه للدعابة لا أكثر.. وقد نسي الذين أصيبوا بالاكتئاب نتيجة الصور المريعة التي رأوا أنفسهم عليها بعد عمر طويل، أقول نسوا ما وصل اليه طب التجميل، بل ماذا سيكون عليه هذا الفرع من الطب من تقدم، وتطور جديدين قبل بلوغ هؤلاء سن شيخوخة تنهار معه كل ملامح الجمال.
أما التطبيق نفسه فقد تناسى أن عمليات التجميل التي تنتشر بين النساء، والرجال على حد سواء، وبوتيرة غير مسبوقة تستطيع أن تنسف فكرته من أساسها لأن بإمكان تلك العمليات أن تعيد الى الوجوه نضارتها، وجمالها، وكأنها تُوقِف الزمن لتظل الملامح شابة، ومقبولة، وبعيدة عن مآسي الشيخوخة التي افترضها تطبيق استحوذ على اهتمام الملايين رغم سذاجته، وإمكانية خداعه ببساطة عندما تبدل صورة لك بأخرى التقطت في أجواء إضاءة مختلفة ليرتبك البرنامج، ولا يعود ذكياً، أو قادراً على أن يحدد موقفه من شيخوختك المفترضة. ومع ذلك فهو يجبر بخاطر زبائنه بعد دخوله الميسر الى ملف، أو محفظة صورهم الشخصية فيجود عليهم بصور تظهرهم أصغر سناً، وأجمل مما هم عليه.. بل لعله يدرك نقاط ضعفه فيغريك بمزيد من الاختيارات للصور.. ولكن هذه المرة مقابل مبالغ تدفعها له بعد أن تكون قد دخلت لعبته، وانسجمت مع خدعته.. وهو لا يتعدى أن يكون حيلة ذكية تستسلم لها بطواعية لسرق بياناتك الشخصية من هاتفك الخاص.. أو هو ليس أكثر من استبيان لسبر أمزجة الشعوب، وما يثير اهتمامها.. بينما ببساطة بإمكان أي أحد منا أن يلتفت الى عجائز أسرته ليرى كيف سيكون مظهره إذا ما وصل الى ما وصلوا اليه من تقدم في السن مستغنياً بذلك عن تطبيق التحدي الذي تحدى مقاومة الناس في جعل بياناتهم مستباحة، ومتاحة.
وأما المشاهير الذين قام الناس باستخدام صورهم لاختبار مظهرهم إذا ما وصلوا الى الشيخوخة فإن هؤلاء لا يعدمون الوسائل التي تحافظ على مظهرهم حتى لكأن أعمارهم أصبحت تتناقص ولا تزداد.. ففي زمن التجميل تُهزم الشيخوخة، ولا تجد لها مكاناً.
ثم مّنْ قال إن الشيخوخة مرعبة، وغير مرغوب فيها مادامت هي التطور الطبيعي للإنسان.. أو أنها تحرم المرء من الاستمتاع بالحياة؟.. وطالما أن أمرها يجري على كل البشر دون استثناء فلا أقل من أن يتقبلها المرء برضا، وثقة في النفس، وبنظرة إيجابية الى الحياة.. فالإشراقة تأتي من الداخل، وليس من المظهر.
فهل سيتحدى الناس ملامح الشيخوخة.. أم أن صورتها قد هزمتهم؟
الثورة