أزمة الثقافة السورية

أزمة الثقافة السورية

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٠ يوليو ٢٠١٩

الدكتور: إياد يونس

عبر سبعة آلاف عام تركت لنا الحضارة السورية إرث ثقافي غني جدًا في كافة المجالات حيث كانت مدن سورية القديمة مراكز للحضارة، ومما يذكر أن الثقافة أساس يحدد مكانة المجتمع ومدى تطوره والحضارة السورية أغنت التاريخ بأرث ثقافي وحضاري كبير بدأ من التدجين إلى الزراعة الى اختراع الالفبائية التي انتشرت الى العالم ودونت لنا تاريخ مهما كتبنا لن نوفيه حقه.
واليوم في الجمهورية العربية السورية وبمعطيات التاريخ العريق عبر العصور وما قدمته الحضارة السورية على مر العصور في كافة المجالات ومنها الثقافة بكافة أنواعها.
 العديد من مدن سورية القديمة كانت منارات للادب والثقافة ومنطلق للحضارة في ابلا ومملكة اوجاريت وماري وتدمر وشهبا وأفاميا وبصرى ومعلولا ودورا اوربوس وسرجيلا.....الخ
لكن نطرح سؤال أين نحن من الحضارة السورية وماذا قدمنا؟؟؟؟؟؟؟
والاجابة هنا اقول إن الثقافة في سورية تعيش حاليا فى أزمة، وهى فى مفترق الطرق، إما أن تنهض وتتخلص من التقليد والانجرار الأعمى وراء الثقافة الغربية وخاصة مدارس الاستشراق وتتحرر من الأيديولوجية الدينية والسياسية، وإما أنها ستموت، فتصبح بدون هوية ولا حضارة.
فغالبية الأفكار والقيم والسلوكيات أصبحت بالنسبة لنا مستوردة وليست أصيلة، وهذا سببه ضعف الثقافة وتهميش المثقف الحقيقي في سورية والاعتماد على صاعدين او متسلقي الثقافة الجدد الذين يعتمدون اما على النفوذ أو سلطة المال او التحكم بالادارات تبعا لاهوائهم الشخصية فنرى في اياامنا هذه الكثير من الشعراء الجدد وكتاب القصة والرواية الجدد والباحثين الجدد  المتطفلين على العلم والثقافة ينتهكون حرمة الثقافة السورية ويعيدونها الى الحضيض فكل من نثر عددة كلمات أصبح شاعرا وكل من سطر نكتة أصبح روائيا وكل من اعتدى على اختصاص سواء في التاريخ او الاثار او اي تخصص أصبح علامة ونغدق الهبات المالية والمكافأت الكثرة على ما يسمى ابداع لهم في حين الكثير من أصحاب الفكر الثقافي الحقيقي على قارعة الطريق البعض هج خارج البلد والبعض يحارب في دوائرة والعض ينفى خارج عمله الأساسي لاعتبارات حقد وتخلف هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الثقافة السورية في كثير من جوانبها ارتباط بالأيديولوجية، مما يجعلها دائما في خدمة هذه الأخيرة. وعندما تخضع الثقافة لسلطة الأيديولوجية، فإنها تنحرف عن مسارها الأخلاقى والقيمى. وكلما تم تسييس الثقافة، استطاعت تكبيل الإبداع الانسانى.
لكن الخطر الحقيقي الذي يهدد ويدمر الثقافة السورية يتجلى فى التأثيرات الثقافية الغربية التى حملها الكثير ممن يدعون الثقافة من الغرب لما تملكه من سلطة وقوة هائلة على نشر ثقافتها. فالثقافة الغربية تريد محو الثقافة السورية وفرض قيمها وتقاليدها وسلوكياتها لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية واجتماعية، وما العولمة إلا شكلا من أشكال الهيمنة على الثقافات السورية المحلية، وهى أخطر مظهر من مظاهر الغزو الثقافى.
ولكن الكارثة الأكبر الفارق الكبير بين الأجيال المختلفة على الساحة الثقافية في سورية وندرك حجم التفاوت القائم بين ما يسمى اصطلاحا المعلوماتية والجيل التقليدي الذي لا يتحمس كثيراً لثورة المعلومات التي اجتاحت شكل الحياة المعاصرة، وهنا أشير إلى أجهزة الإعلام ومؤسساته المختلفة وفي مقدمها الصحافة لكي أقرر مسؤوليتها جميعاً عن توسيع الهُوة وشيوع الشخصنة وضعف القدرة على إجراء حوار صحي بين الأجيال كبديل للصراع الذي يمكن أن تؤدي إليه.
وما يعتري الثقافة السورية وهو الخطر الاكبر اظهار الكثير من المثقفين والادباء على أنهم رايات فكر ومنابر علم قدموا للقضية الثقافية والعربية الكثير غير ان الحقيقة تنافي ذالك فالكثير ممن ذاع صيته كشاعر أو روائي أو أديب أو غيرة سواء في سورية أو الدول العربية  في الحقيقة فكره كان يتماهي مع الصهيونية ويشهد بتاريخهم الاسود المزدوج بكل بساطة ودلائلة كثيرة وونمجدهم ويتم تدريسهم في مختلف مراحل التعليم على أساس انهم اصحاب نضال وفكر، وهنا كارثة حقيقية إذا استمرينا في ذلك فما المشكلة أذا تمت تعرية هؤلاء ولما دائما نظهرهم كأبطال ونهمش المثقفيين الوطنيين الحقيقين.
وأخيرا لابد من التطرق إلى التعليم في كل مراحله فالعلاقة بين التعليم والثقافة علاقة طردية، فالتعليم السيئ لا ينتج ثقافة جيدة، لذلك فإن تراجع التعليم الحقيقي المعاصر أدى إلى تراجع مماثل في الحركة الثقافية عموماً، ومع إيماننا المطلق بأنه ليس كل متعلم مثقفاً أو العكس، لكن نعتقد أن التعليم الجيد ينتج مجتمعا ناضجا قادر على استقبال ثقافة عصرية تنويرية مؤثرة في مسار الحياة السورية وسياق تطورها، ونعول بذلك على جامعاتنا فبعد ان كانت تقدم ارثا ثقافيا علميا على كافة المستويات واساتذة الجامعات السورية يشهد لهم في كافة الدول ومازالت بعض الدول تعتمد عليهم في جامعاتهم وبعض الدول منذ عشرات السنين الى الان تعتمد على السوريين كأصحاب فكر ثقافي وعلمي متقدم ومتحضر، ولكن أين نحن الان من ذلك وهل التباهي بافكار الغرب والاعتماد على مدارس الاستشراق وتلقينها للطلبة كالسم الزعاف هو الذي سيطورنا.
إننا أمام مرحلة فاصلة في تاريخ سورية الحضارة على الأرض ولا بد أن تتواكب الثقافة تلقائياً مع روح التكنولوجيا الجديدة وهو أمر ما زال يحدث فجوة بين جيل الكمبيوتر وأجيال أخرى سبقته. إنني أقصد هنا أن أسجل تأثير الهوة التكنولوجية في المسار الثقافي برمته وانعكاس ذلك على ما يمكن أن يؤدي إلى ما نسميه صراع الأجيال.

سوريا بأصالتها وتنوع ثقافاتها وغناها وانطلاقًا من ضرورة وضع الثقافة في صميم مشاريع التنمية السورية والعربية وتقريب الثقافات والتواصل والانفتاح لابد من العودة للتفكير مع أنفسنا بانتاج تجارب ثقافة ترتقي باسم حمل من الالف السابع ق.م اسمة الى كافة دول العالم ونشر حضارتة حتى الشواطئ الامريكية  فلنعمل على ثقافة حققية تربط أفراد المجتمع بفكر متنور بعيد عن أي شخصنة أو ايديولوجية أو اي سمة دينية او سياسية وإحلال القيم الإيجابية للثقافة السورية التي اعطت الكثير الكثير.