ألمانيا وقيادة أوروبا.. بقلم: د .خليل حسين

ألمانيا وقيادة أوروبا.. بقلم: د .خليل حسين

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٩ يوليو ٢٠١٩

ظهرت مؤخراً أسئلة محيرة حول القيادة الأوروبية ولمن ستؤول بعد الخروج البريطاني، واللافت أن هذه الأسئلة المثارة هي أمريكية المنشأ وليست أوروبية، فعلى الرغم من رمزية الموقف الأمريكي المعلن بعدم الرضا عن الخروج البريطاني، باعتباره يفقد واشنطن ورقة قوية في توجيه السياسات الأوروبية من خلال لندن، إلاّ أن القراءة الدقيقة ، تظهر حاجة واشنطن الدائمة لحليف أوروبي موثوق، قادر على فرملة أي قضية تتباين أو تتعارض مع المصالح الأمريكية أوروبياً ودولياً. 
ظهرت مؤخراً مؤشرات واضحة وقوية عبر مستشارين وأصحاب قرار في السياسات الأمريكية الخارجية، تحبذ دفع ألمانيا نحو أخذ القرار بقيادة أوروبا ، ذلك من منطلق الحاجة الأمريكية لشريك قادر على التأثير في باقي القوى الأوروبية، رغم أن ذلك يتعارض مبدئياً وعملياً مع البرجماتية الأمريكية ، التي عادة ما تبحث عن حلفاء ليسوا بالضرورة أقوياء ، بقدر ما يكونون مطواعين، وتاريخياً لم تكن ألمانيا من ضمن الخيارات الأمريكية المتاحة، إلا أن ثمة جوانب كثيرة تدفع واشنطن في هذا الاتجاه حتى نهاياته المحتملة ، بصرف النظر عن حجم وكمّ ونوع الاستثمارات الناجحة في هذا السياق. 
فألمانيا التي تمتلك وحدها حوالي 26 في المئة من الناتج الإجمالي الأوروبي، تكاد تنفرد كذلك بحجم الفوائض المالية التي بلغت في العام 2018 ما يفوق 350 مليار يورو، وهو رقم يُعتد به في سياق الأزمات الاقتصادية وحتى المالية التي عصفت بالعديد من دول الاتحاد الأوروبي ، ما مكّن ألمانيا من البقاء كواحة اقتصادية لافتة وسط تدهور اقتصادي دولي واضح حتى في الاقتصاديات التي يُعتد بها عالمياً. ومهما يكن هذا الأمر الذي يعتبر أيضاً من متطلبات الزعامة والقيادة، إلا أن السؤال الأهم الذي يُطرح ، هو هل تريد ألمانيا القيادة والزعامة؟ أم أنها تفضل كما ظهر سابقاً في عدة مجالات ، أسلوب القيادة الخلفية لأسباب واعتبارات ألمانية وأوربية خاصة؟. 
في المبدأ ، ثمة محطات ومظاهر ووقائع من الصعب تجاوزها والقفز عنها، أولاً معرفة رأي أصحاب القرار الحاليين في ألمانيا ، وهل باستطاعتهم المضي لاحقاً في أي مشروع من هذا القبيل؟ 
من حيث المبدأ: إن تتبع مواقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميريكل مؤخراً، تظهر الميل نحو الزعامة والقيادة الأوروبية ، لكن الأمر مرتبط بالتركيبة الداخلية، ليتقرر من سيكمل اتخاذ مثل تلك القرارات، رغم صعود التيارات القومية في ألمانيا المناهضة للانغماس أكثر فأكثر في مشاريع الاتحاد الأوروبي ، وثانياً: ثمة أسباب موضوعية داعمة تعزز مثل تلك التوجهات من بينها مثلاً لا حصراً، الانزلاق العسكري الألماني كما تسميه تلك الجماعات في بعض ما يطالب به حلف الناتو، ومن بينها زيادة الموازنة العامة الألمانية لمتطلبات الدفاع ، وهو يعكس رغبة أطلسية متزايدة في مواجهة روسيا شرقاً ، وهو أيضاً ما ترجمته ألمانيا عملياً بدخول أول دبابة ألمانية إلى بولندا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي مؤشرات لا تخلو من النزعة الألمانية المقموعة منذ الاتفاقيات المبرمة بعد الحرب العالمية الثانية ، والتي جعلت من ألمانيا نمراً من غير أسنان ومخالب. 
وبذلك ثمة من يقول في ألمانيا ، بأن الزعامة الألمانية المتاحة حالياً، هي مناسبة من الصعب أن تتكرر، وهي بمثابة المخرج الذي ينبغي استغلاله لإعادة تموضع الحضور في الكيفية التي تليق بالوزن الألماني ، وسط فراغ محتمل بعد الخروج البريطاني. 
في أي حال من الأحوال ، ثمة ثابتة متعارف عليها، أن الفراغ لا يحتمل في التوازنات الإقليمية والدولية، وأن كثيراً من الأسباب الوجيهة التي تدفع أية قوة لملء الفراغ، فهل ستكون ألمانيا، الجواب بيد الألمان وحدهم بصرف النظر عن رغبة الآخرين بذلك أم لا، إلاّ أن الواضح تاريخياً، أن النزوع الألماني نحو الريادة أمر شائع وثابت في العقل الجمعي الألماني ، فهو يبدأ بأصغر تفصيل ، ولا ينتهي بالضرورة بالزعامات الإقليمية والدولية، إذ إن التدقيق في الكثير من أسباب الحروب، كان دافعها النزعة نحو القيادة والتملك والسيطرة ، وأن الألمان ليسوا بعيدين عن ذلك، بل ربما يعتبرون أنفسهم قدراً لذلك وليس خياراً.