الأحزاب الأوروبية... الكبار يتساقطون.. بقلم: د.أيمن سمير

الأحزاب الأوروبية... الكبار يتساقطون.. بقلم: د.أيمن سمير

تحليل وآراء

السبت، ٦ يوليو ٢٠١٩

يحتدم النقاش في أوروبا الآن، حول المخاطر التي تحدق ببقاء الاتحاد الأوروبي، بل امتد النقاش حول مدى بقاء «الدولة الوطنية الأوروبية» نفسها، وسبب هذه المخاوف، أن الأحزاب الكبيرة التي قامت عليها الدول الأوروبية، الممثلة ليمين الوسط، ويسار الوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، انصرف عنها الناخبون، فما حدود الأزمة التي تعاني منها الأحزاب الأوروبية التي كانت كبيرة؟ وما خريطة الطريق لاستعادة الجمهور والناخبين؟ وهل التراجع الحاد لهذه الأحزاب يهدد النظام العالمي، وربما يعيدنا لمرحلة ما قبل عصبة الأمم؟.
 
يوماً بعد يوم، يتعزز الشعور لدى القيادات الحزبية في الأحزاب الأوروبية العريقة، أن الجمهور ينصرف عنهم، وكل المؤشرات تدل على ذلك، فالحزبان الكبيران الذان قادا ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، وهما الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي يمثل يمين الوسط، والحزب الاشتراكي الاجتماعي، الذي يمثل يسار الوسط، تكبدا خسائر غير مسبوقة، سواء في الانتخابات التشريعية، أو في انتخابات البرلمان الأوروبي، ونفس الخسارة تكبدتها الأحزاب الإيطالية والفرنسية التاريخية، لصالح أحزاب شعبوية حديثة، مثل حركة الخمس نجوم، وحزب الرابطة في إيطاليا، أو حزب التجمع الوطني، الذي تقوده مارين لوبن في فرنسا، والذي حصل على المركز الأول في الانتخابات الأوروبية، متفوقاً على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون.
 
المشكلة الكبرى التي تواجه الأحزاب الكلاسيكية في أوروبا، أنها غير متفقة على نهج واحد، من أجل إعادة ثقة الناخبين والجماهير في أحزابهم، فالحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، الذي تنتمي له المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، منقسم على ذاته، فهناك تيار يقول إن ناخبي الحزب اتجهوا أكثر إلى اليمين، نحو حزب «البديل من أجل ألمانيا»، الذي دخل البرلمان عام 2017 لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وأن السبيل لاستعادة الجماهيرية، هو مزيد من الاتجاه يميناً برفض المهاجرين، واستعداء مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وأن تكون ألمانيا «للألمان فقط»، لكن هذا الأمر فيه خطورة شديدة، وأيضاً حساسية مفرطة، لأن الاتجاه يميناً، يعنى أن الحزب يستسلم للأفكار المتطرفة، وهناك اتجاه آخر يقول إن على الحزب أن «يحافظ على استراتيجيته»، لكن عليه فقط أن «يغير من تكتيكاته»، بمعنى أن يبدى الحزب مرونة تجاه الأفكار التي تدعو لفرض شروط للهجرة، وانتقاء المهاجرين، بل والموافقة على قانون جديد للجنسية الألمانية، مع التمسك بمؤسسات الاتحاد الأوروبي، والعمل على تقويتها.
 
نفس المشكلة، لكن بشكل أعمق، يعاني منها الحزب الاشتراكي الاجتماعي الألماني، الذي أنجب المستشارين الكبار في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، أمثال غيرهارد شرودر، حيث كان هذا الحزب تاريخياً يدافع عن العمال وحقوق المهاجرين، ولم يستطع الحزب التكيف مع طبيعة العمال الجدد، أو يتبنى قضاياهم، فمثلاً في ألمانيا أكثر من مليون عامل في قطاع الخدمات الإلكترونية والاتصالات، وبتحليل تصويت الانتخابات التشريعية الأخيرة، كان الحزب بعيداً عنهم، كما أن الحزب، وفى سبيل كسب بعض المتطرفين ضد المهاجرين، تخلى عن الدفاع عن قضية شكلت دوماً زخماً وحضوراً للحزب بين المهاجرين القادمين من شرق أوروبا وإيطاليا، والذين كانوا يعتبرون الحزب الاشتراكي الاجتماعي بيتهم، وحائط الصد الأول عن قضاياهم، فالحزب الذي نجح يوماً ما في منح الجنسية لأطفال المهاجرين، يقف بعض أعضائه ضد منح اللاجئين حق العمل، قبل الحصول على أوراق اللجوء، والسيناريو نفسه في فرنسا، التي خسرت فيها الأحزاب القديمة من يمين الوسط «الجمهوريين»، ويسار الوسط «الحزب الاشتراكي»، وتكررت المعاناة في بريطانيا، التي خسر فيها أكبر حزبين، وهما المحافظين والعمال، لصالح حزب «البريكست»، الذي نشأ حديثاً، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل من طريق لبقاء هذه الأحزاب واستعادة عافيتها؟.
 
المؤكد أن هذه الأحزاب لها رصيد كبير في تجنب الحرب، وتحقيق الرخاء للشعوب الأوروبية، وبداية الطريق هو التحالف مع أحزاب ليست شعبوية، مثل الأحزاب الليبرالية وأحزاب الخضر، وهى أحزاب حصلت على نسبة كبيرة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، كما أن تبني الأحزاب الكبرى في أوروبا، أجندات البيئة والليبرالية، تجعلها قريبة من هذه الشريحة الهامة، كما أن تصحيح بعض الأخطاء كفيل بعودة الناخبين إليهم، فالحزب الاشتراكي الألماني، هو أكبر الأحزاب الأوروبية من حيث عدد الأعضاء، حيث يصل عدد منتسبيه إلى 450 ألف مشترك، كما أن كرامب كارينباور، خليفة المستشارة أنجيلا ميركل، لديها فرصة لاستعادة الشعبية، من خلال وضع رؤية للحفاظ على الهوية الألمانية، دون الدخول في مزاد التنازلات للمتطرفين.