تحدّي «المركزي»!.. بقلم: زياد غصن

تحدّي «المركزي»!.. بقلم: زياد غصن

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٤ يونيو ٢٠١٩

ما قاله حاكم المصرف المركزي مؤخراً، كان يجب أن يقال وينفذ منذ اليوم الأول للأزمة..
فأي عملة خارج بلدها هي مجرد سلعة، يتحدد سعرها تبعاً لعوامل معينة، أبرزها عامل العرض والطلب، وتالياً فإنه من الخطأ الاهتمام فقط بتثبيت سعر صرف العملة الأجنبية مقابل العملة المحلية، وتسخير كل احتياطيات وموارد القطع الأجنبي لتحقيق ذلك.
وحتى الإجراءات القسرية، التي يجري التهديد باتخاذها بين الفينة والأخرى، ذات تأثير مؤقت لاعتبارات كثيرة.
وللأسف هذا ما فعله المصرف المركزي خلال الفترة الممتدة من عام 2011 ولغاية منتصف عام 2016.
وقد خسرت سورية بموجب تلك السياسة جزءاً لا بأس به من احتياطياتها من القطع الأجنبي، حيث تشير التسريبات الخاصة إلى أنه تمّ ضخ ما يزيد على 5 مليارات دولار في السوق المحلية بحجة تثبيت سعر الصرف، إنما معظم تلك المبالغ وجدت طريقها إلى شركات الصرافة والمضاربين وبعض المتنفذين.
ولهذا يعتقد كثيرون بوجود شبهة فساد كبيرة في هذا الملف..!
والسؤال.. ماذا لو أن ذلك الرقم خصص لتنفيذ مشروعات إنتاجية على مدار السنوات المذكورة بدلاً من منحه لشركات الصرافة؟ ألم تكن نتائجه أفضل وأكثر إيجابية على أسعار السلع في السوق المحلية وتوافرها؟.
مع بدء تصحيح تلك السياسة الكارثية منتصف عام 2016، حيث تؤكد مصادر حكومية أنه خلال السنوات الثلاث الماضية لم يتم التدخل بدولار واحد لمصلحة تثبيت سعر الصرف أو تمويل شركات الصرافة، كان التحدي الرئيس أمام المصرف
المركزي هو في قدرته على قلب الاعتقاد القائل بحتمية التدخل المباشر في كل مرة لضبط اندفاع سعر الصرف من جهة، وإشعار المواطن بأن أولوية تأمين احتياجاته بأسعار مناسبة بعيداً عن تقلبات سعر الصرف تتحقق يومياً من جهة ثانية.
لكن هل الاقتصاد الوطني يملك مقومات الاستجابة لتلك السياسة؟.
بصراحة، كل المؤشرات تدل على أن تلك المهمة تبدو صعبة في الوقت الراهن، وذلك بالنظر إلى أن القطاعات الاقتصادية ومؤسساتها تفتقد المعلومات التفصيلية المتعلقة بعملها، سواء كان ذلك بفعل تأثيرات الحرب أو نتيجة آليات العمل المتبعة على مدى عقود وسنوات. إذ تفتقد وزارة التجارة الداخلية مثلاً آلية عمل تمكنها من الاطلاع على كل تفصيل صغير أو كبير في السوق المحلية، وهو ما يجعل مساهمتها في جهود تثبيت سعر الصرف أو التأثير تبدو معدومة، لافتقارها للمعلومات المناسبة.. وقد يسأل البعض ما هي هذه المعلومات؟
للإجابة عن ذلك نقول: هل لدى وزارة التجارة الداخلية بيانات موثوقة عن قيمة الطلب اليومي على المنتج الوطني والأجنبي في الأسواق المحلية؟. هل تعرف حجم وقيمة ما يدخل ويخرج يومياً من سوق الهال بدمشق وإليه مثلاً؟.
كذلك الحال بالنسبة لباقي الوزارات والقطاعات، فمثلاً.. هل هناك جهة تملك معلومات دقيقة وصحيحة عن قيمة الصادرات السورية الحقيقية، وحجم القطع الأجنبي الذي يحوّل فعلاً إلى البلاد بسبب عملية التصدير؟.
هل هناك جهة قادرة على تقديم معلومات دقيقة عن حجم القطاع غير المنظم وما يستهلكه من قطع أجنبي لتمويل أنشطته؟.
هل تملك مؤسسات الدولة من الشفافية ما يسمح لها بالتحقق من صحة بياناتها ومعطياتها، وإتاحتها تالياً لمؤسسات أخرى لاتخاذ قرارات صائبة؟.
بعد نحو ستة أشهر على تشديد الحصار الأمريكي على الاقتصاد السوري.. هل هناك جهة حكومية فكرت بأن تتقصى خسائر الاقتصاد السوري بسبب ذلك الحصار؟.
يسجل للحكومة الحالية أنها أوقفت منذ اللحظة الأولى لتسلمها مهامها العمل بسياسة التدخل في سوق القطع، وتحقيق استقرار في سعر الصرف امتد لنحو عامين ونصف العام، والأمل اليوم أن تنجح إدارة المصرف المركزي الحالية في استعادة ذلك الاستقرار من دون أن تفرط بالسياسة، التي حفظت ما تبقى من احتياطيات البلاد.. من «التبخر»!.