وجه واحد.. بقلم: يسرى ديب

وجه واحد.. بقلم: يسرى ديب

تحليل وآراء

الاثنين، ١٠ يونيو ٢٠١٩

بمعدل أربع مرات في الأسبوع نتابع عمل جارنا وصوت معوله وهو يفرش سطح بيته بمساحة لا بأس بها من الخبز، وبعد تجفيفه يملأ منه كيساً كبيراً ويأخذه للبيع ربما علفاً للدجاج أو الحيوانات.
هذا المشهد الأزلي في بلادنا، لم يعد مقبولاً، لأنه في السابق كانت محاصيل القمح غزيرة ووفيرة، وسلوك كهذا لم يكن يثير كل هذا الاستياء، برغم أن حصة الحيوانات كانت تصل إلى النصف وأحياناً أكثر من إنتاج الأفران من الخبز، ولكن هل من المقبول أن يستمر هذا الحال بعد كل صعوبات وارتفاع تكاليف تأمين رغيف الخبز؟
مرّت عقود وعقود على رفع شعار «تحسين جودة الرغيف»، ولكن ظل هذا القول عصياً على التطبيق برغم كل الزبد الذي كان يطفو على شفاه مسؤولين يرددون هذه المقولة أمام الطبقات العاملة، في مناسبات أو مؤتمرات أو اجتماعات، وظلت فكرة تحقيق منتج أفضل أمراً صعب المنال، كصعوبة تسويق إنتاج شركة «وسيم» للألبسة الجاهزة!
محصول سورية من القمح كان من بين الثروات التي تم استهدافها في هذه الحرب، وأصبحت ميزة الوفرة و«البحبوحة» غير متاحة حيث يمكن تغطية أو تسويغ هدر أي حبة قمح أو كيلو طحين، فالحرب أجهزت على ميزة اشتهرت بها سورية عبر عقود من بين كل الدول العربية وهي تحقيق سياسة الاكتفاء الذاتي، وأصبح تأمين هذه المواد يتم عن طريق الاستيراد وبالدولار، وهذا الأمر فتح أبواباً من الفساد والغش كنا في غنى عنها سابقاً.
الخلاصة أنه لتأمين الحاجة اليومية من رغيف الخبز، هنالك تكاليف وصعوبات ترهق الاقتصاد الوطني، وبعد كل هذا ماذا يمكن القول فيمن يتسبب بإنتاج رغيف رديء يذهب علفاً بعد الوصول إلى مرحلة صناعة الرغيف؟
وهل هنالك من فارق بين من ينتج رغيفاً سيئاً من دون عذر، وأولئك المجرمين الذين يضرمون النار عمداً في حقول الذهب الأصفر، التي تميزت هذا العام بمواسم وفيرة لم تحصل منذ عقود؟ نيران يشعلها أصحاب مصالح شريرة التهمت عشرات آلاف الهكتارات، وحوّلتها إلى رماد أمام أعين أصحابها الذين يتابعون ما يحصل بأرزاقهم بلا حول ولا قوة، ويتركون مشاهد تحفر في الذاكرة عندما تصلك صور لمن يخلع رداءه ويقف في وجه ألسنة اللهب لعله يتمكن من لجم تلك الشهب الممتدة نحوه.