عن إزالة «إسرائيل» ومعركة إدلب: هل من تمايزٍ روسي إيراني؟

عن إزالة «إسرائيل» ومعركة إدلب: هل من تمايزٍ روسي إيراني؟

تحليل وآراء

الأحد، ٢ يونيو ٢٠١٩

محظوظون نحن لأننا من أبناءِ الجيلِ الذي حباهُ اللـه بنعمةِ الاحتفال باليوبيل الذهبي لمنظمةِ المؤتمر الإسلامي، كيف لا والمنظمة عقدت اجتماعها في مكةَ المكرمة عشيةَ ليلةِ القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، لا لتعلنَ معركةَ تحريرِ ثالث الحرمين، بل لتعطي القادمينَ من خارجِ التاريخ صكَّ براءةٍ لتحريرِ اليمن من شعبهِ، والفلسطينيين من قضيتهم، والعرب من ثرواتهم!
من القمة الخليجية فالعربية وصولاً للإسلامية لم يوفر الداعون لها فرصةً لإثباتِ الوجود بالصراخ أو الخطابات الرنانة، وإن كنا متأكدين أن هناك من أقنعهم بصوابيةِ قممٍ كهذه بهدف التحشيد الإعلامي المطلوب بهذه المرحلة، إلا أننا لا نعرف تماماً إذا ما كانت القمة القادمة مثلاً ستكون بعنوان: قمة زعماء الدول من مواليد برج السرطان لمواجهة الخطر الإيراني!
كما تجري العادة عندما تكون القمم «حاجة تحت الطلب»، لم تخلُ كلمات الحاضرين من التناقضات، ولو ضيقنا البحث لوجدنا أن الدولة الوازنة الوحيدة التي حضرت على أعلى مستوى كانت مصر فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي مثلاً قال بأنه من غير المقبول بعد اليوم تعميقَ لصق تهم الإرهاب بالإسلام والعرب، ولا نعلم إن كان هذا الرفض يشمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لا يوفر فرصة لتكرارِ هذه الاتهامات، أما حديثه عن الإرهابيين الذين يتاجرون بحقوق الشعب الفلسطيني فجوابه بسيط: ماذا عن الذين هم ليسوا إرهابيين ويتاجرون بالقضية وحقوق الشعب الفلسطيني لدرجةِ أنهم بصددِ بيعها بمزاد صفقة القرن؟
لكن في الوقت ذاته هناكَ من أرادَ أن تكون هذهِ القمم قيمة مكتسبة من خلال ظهورها إعلامياً كتكريسٍ للتهديدات الأميركية ضد إيران، تحديداً أن السعودية نجَحت في فرضِ البيانات التي تريدها فلم يُسجل أي اعتراضٍ باستثناء الاعتراض العراقي على ما يتعلق بالحرب على اليمن لا أكثر، أي إن المبالغة في تقزيم ما قد تكون هذه القمم قد حققته هو ربما نومٌ في العسل، تحديداً أن القمم سبقها كلام تصالحي أو تهدوي لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن استعداده لزيارة السعودية وتوقيعَ اتفاقية عدم اعتداء لم تلاق أي ردةَ فعلٍ سعودية.
أما ما يُحكى عن الوساطة اليابانية لتفعيلِ نوع من التهدئة الكلامية للولايات المتحدة تجاه إيران، فتبدو كذلك الأمر إفراطٌ بالتفاؤل أو مبالغة في تعويم أجواء التراجع الأميركي الذي ما زال عملياً يتمسك بفرضيةِ الشروط المسبقة للبدءِ بأي حوارٍ مفترض مع إيران، كما أنه بذاتِ الوقت يرفض رفضاً قاطعاً أي فكرةٍ لتخفيفِ العقوبات أو حتى إعادة تفعيل الاستثناءات السابقة للشركات التي تشتري النفط الإيراني لتأتِ هذه القمم وتضع الجميعَ أمام مسؤلياتهم وبمعنى آخر:
كسبت الولايات المتحدة ولو إعلامياً فكرةَ التحشيدِ الإعلامي ضد إيران، وهذا جلّ ما تسعى إليه الولايات المتحدة بترك الموقف بحالةِ الرمادية أي لا حرب ولا سلم، لأن هذهِ الفرضية تعطيها فرصاً أكثر للمناورة والاستثمار بالفوضى بكل تجلياتها تحديداً أن ملف صفقة القرن تعرض لانتكاسةٍ كبيرة بسبب تراجع فرص إمكانية نجاح نتنياهو بتشكيلِ حكومةٍ صهيونيةٍ جديدة، بل إن الأمر دفع بعدة سيناريوهاتٍ مقترحةٍ منها مثلاً فكرةَ إعادة الانتخابات التي لا تُرجح استطلاعات الرأي فيها إعادة فوز نتنياهو، وهذا يعني أن الجمود الذي سيحكم التعاطي مع صفقة القرن والوضع في منطقةِ الخليج العربي يتطلب إعادة السخونة في ملفاتٍ ثانية، كلمة السر الأساسية فيه هي روسيا، فكيف ذلك؟
بدأ الحديث قبل أيام عن قمةٍ أمنية ثلاثية ستنعقد في الشهر الحالي ستضم كلاً من مستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ومستشار الأمن القومي الصهيوني مائير بن شابات. في الواقع فإن هكذا اجتماع يأتي من خارج إمكانية الكيان الصهيوني للدخول بوساطةٍ بين الروس والأميركيين، بذات الوقت فإن الوجود الإسرائيلي فيهِ تجعلنا نستبعد فرضية أن الروس مهتمون بقضية الوساطة بين إيران وأميركا، تحديداً أن الروس أساساً لا يملكون هكذا إمكانية.
من جهةٍ ثانية يبدو أن القيادة الروسية اليوم قادرة على إدارة اللعبة بشكلٍ مزدوج فهي وإن كانت تعرف أنها لا تستطيع أن تبدل شيئاً في السجال الأميركي الإيراني، إلا أن هذا الأمر بات ممكناً بما يتعلق بإشكالية الوجود الإيراني في سورية والذي يشكِّل هاجساً إسرائيلياً لا يتوقف، لكنه بذات الوقت بات بالنسبةِ للروسي فرصة للمساومة فهل ينجح هذا الاجتماع بتحويل الوجود الإيراني إلى ورقةٍ رابحة يستطيع الروس من خلالها فرضَ تنازلاتٍ أميركية في سورية؟
في واقع الأمر لم يعد خافياً على أحد أننا إذا ما استثنينا الحرب على الإرهاب فإن التوافق الروسي الإيراني يعاني من صداعٍ مزمن حول الأهداف البعيدة المدى في سورية لكلا الطرفين، بما فيها مثلاً شعار «إزالة إسرائيل» الذي حاول يوماً وزير الخارجية الإيراني التبرؤ منه، فيما تتمسك بهِ قيادات الثورة، أي إن هذا الشعار بات ولو ضمنياً لا يُشكل حالة جامعة في إيران ذاتها فكيف له أن يشكل حالة جامعة مع الروس؟! لكن هذا التمايز الروسي الإيراني قد يتعداه في الموضوع الإسرائيلي ليصل باتجاهٍ أعمق، فكيف ذلك؟
انعقد قبل أمس اجتماعَ مجلس الأمن الروسي برئاسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدا واضحاً أن الاجتماع كان ببندٍ واحد وهو مسار معركة إدلب، ولعل التصريحات الرسمية الروسية التي تلت الاجتماع باتت وكأنها شرح لما جاءَ فيه من نقاشات، معَ تأكيد ضرورة القضاء على المجموعات الإرهابية في إدلب وصولاً لتذكير النظام التركي بمسؤولياته وتعهداتهِ التي لم ينفذ منها شيئاً.
هذا الكلام يعني فيما يعنيه أن الروسي بات مدركاً أن التركي يعد عمليةَ انقلابٍ جديدة على التفاهمات، وبصورةٍ أوضح: يبدو التركي اليوم بين فكّي كماشةٍ، تمرير صفقة الـ«إس 400» وبالتالي استعداد تركي لحربٍ اقتصاديةٍ جديدة وضياع التوافقات مع الأميركيين حولَ المنطقة العازلة في شرقِ الفرات، كان آخرها التحذيرات التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من ألمانيا عن الخطر المتربص بـ«الناتو» إذا ما أصرت تركيا على استلام بطاريات «إس 400» الروسية، أو انقلاب الأتراك على الروس وبالتالي ضياعَ التفاهمات معهم حول ذلك، عندها يبدو الروسي مضطراً لطرح تساؤلاتٍ منطقية تتعلق بوجهةِ النظر الإيرانية المعلنة من انقلاب كهذا تحديداً أن التجارب السابقة أظهرت صمتاً إيرانياً طويلاً حيال خروقات كهذه تكاد تذهب بنا لتساؤلاتٍ أعمق: لماذا هناك في إيران أو حتى المنضوون تحت جناحها، من يتجنب ذكر إجرام النظام التركي أسوةً بما يقال عن السعودية؟
بالتأكيد لسنا من يجيب على هذا السؤال تحديداً أن التداخل والتشابك يتيح للحالة الرسمية طرح الكثير من التفهم لخصوصيةِ هذه العلاقات، لكن هذه التفهمات لا تنسحب بالضرورةِ على الحالة الشعبية، فماذا ينتظرنا؟
يعلم أيتام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منطقتنا أن شكاويهم المتكررة من إهاناته لهم لن تجعلَ البنتاغون يشرع بانقلابٍ عليهِ بل عليهم التعايش معه مطولاً تحديداً بعد إعلانه بالأمس نيتهُ الترشح لولايةٍ جديدة، كما أن كلّ القمم التي ينظمونها بالنهايةِ لا تساوي شيئاً لأنها بالمطلق عبارة عن واجهاتٍ لا تعكس مُطلقاً ما يجري من تحت الطاولة، فسورية لا تتخلى عن تحالفاتها ولا عن الذين وقفوا معها كإرضاءٍ لمن رهنوا مشيخاتهم للقرار الأميركي، والرهان على نتائج الخلاف أو التمايز أو أي توصيف يختارونه في أدبياتهم للعلاقة بين الروس والإيرانيين في سورية هو رهانٌ لا طائلَ منه، وليتذكر هؤلاء أنهم بالنهاية سيتراجعون عندما تدور رحى التسويات والتغيرات فهل من متابعٍ كان ليصدق مثلاً أن صفقة القرن الموعودة ستتعرقل لأسبابٍ «إسرائيلية» لا أعرابية ولا إسلاموية؟
نحن في زمن المفاجآت لكن لنتذكر دائماً أن القدر لا يعطي جوائزَ ترضية لمن لا يمتلك الإرادة، قد تكون معركة إدلب هي البداية وقد تتعداها لما هو أبعدَ أبعدَ من شرقِ الفرات، أنها مسألةَ وقتٍ لا أكثر.