الأمة على فوهة ..حرب الإلغاء الأميركية الصهيونية والغرب عدوّها بحكم الموقع والثروة

الأمة على فوهة ..حرب الإلغاء الأميركية الصهيونية والغرب عدوّها بحكم الموقع والثروة

تحليل وآراء

الجمعة، ٣١ مايو ٢٠١٩

بهيج حمدان
لطالما شغل العراق بال الإدارات الأميركية بسبب موقعه الجغرافي الذي يطلّ على شط العرب، وقوة جيشه كأكبر قوة تستطيع ان تحتلّ الظهران في 24 ساعة، فكان ضربه وتمزيقه وتسريح جيشه أولى مهمات «بريمر» في بداية احتلال العراق عام 2003! بعد استدراجه إلى الفخ الكويتي، وقدّمت له إغراءات ومكاسب سريعة تحت وطأة حاجته الى المال، وعندما لاذت الأسرة الحاكمة بالفرار وتركت البلاد غنيمة سهلة أثار ذلك مخاوف السعوديين من الجيش العراقي، وهكذا توفرت أفضل الأجواء الإقليمية والعربية والدولية لغزو أميركي تحت رايات الأمم المتحدة لنصرة دولة ضعيفة سطا عليها جار قوي.
وكانت الولايات المتحدة تعتبر غزو العراق وبمبرّرات واهية يستحق كلّ هذا الانكشاف البلطجي واللا أخلاقي خلافاً للمواثيق بين الدول وخروجاً على العلاقات الدولية ولشرعة الأمم المتحدة، لا سيما انّ هذا العراق يمتلك أكبر مخزون نفطي لمئة عام آتٍ ويتفوّق على الإمارات والسعودية والبحرين وقطر، ولا يوازيه إلا نفط الكويت وإيران بينما لا تملك الولايات المتحدة ايّ مخزون! ويحتلّ العراق المرتبة الأولى في دوام نفطه 142 سنة والكويت 141 سنة والإمارات 118 سنة والسعودية 86 سنة وإيران 74 سنة وفنزويلا 74 سنة وأذربيجان 63 سنة وليبيا 59 سنة وقطر 58 سنة ونيجيريا 33 سنة. وهذه الإحصائية وضعت عام 2002.
لذلك تعتبر الإدارات الأميركية أنّ مصلحة الأمن الاقتصادي والاستراتيجي محوره حاجة الولايات المتحدة لنفط الخليج لدرجة ترتبط مباشرة بالكيان الأميركي بنيانياً ووظيفياً.
وإذا كانت الامبريالية الأوروبية القديمة البريطانية الفرنسية قد التزمت إخراج المشروع الصهيوني إلى النور وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين منذ حملة نابليون على مصر 1798-1801 مروراً بوعد بلفور 1917، فإنّ الامبريالية الجديدة تعهّدت حماية هذا «المخلوق» وضمان تفوّقه الاستراتيجي في مجالات القوة والقدرات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية وبحيث يصبح على الدوام نقطة الارتكاز للمصالح الأميركية، ما يستدعي تدمير الجيوش العربية، وتمزيق الحكومات الربيع العربي وإغراق العواصم العربية بالفوضى والدماء وإشاعة الفتن الطائفية والمذهبية عن طريق «العمامات» المأجورة وقوى ظلامية كداعش واخواتها من جمعيات مشبوهة وجماعات شرهة، وكما حصل في سورية والعراق تحت عناوين كاذبة ككذبة أسلحة الدمار الشامل واستعادة الحرية والديمقراطية وهي الذرائع نفسها التي تطلقها اليوم ضدّ إيران ما يعرّض الأمن الإقليمي لخطر كبير في الوقت الذي يتمّ فيه تجاهل الترسانة النووية لـ «إسرائيل» والتي احتلت فلسطين.
ولذلك نرى هذه الزيارات الأميركية المعلنة وغير المعلنة للعاصمة العراقية وآخرها لوزير الخارجية بومبيو، ومن ثم زيارة وزيرالخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حيث أكد نظيره العراقي محمد الحكيم انّ العراق يرى الإجراءات الأميركية الأحادية غير صحيحة، وانّ بلاده تقف الى جانب جارتها إيران، وأن يكون العراق الوسيط المناسب للتوسط بين أميركا وإيران!
ولأنّ الجانب الأميركي لا ينظر باحترام الى حلفائه الخليجيين ولأنّ واشنطن لا تعتمد على حلفائها وركائزها العميلة للدفاع عن مصالحها الحيوية في اللحظات الصعبة، فهي لا تعتمد إلا على قوّتها وأساطيلها وطائراتها، لا سيما في عهد رئيسها المثير للجدل فعلاً دونالد ترامب الذي يضاعف من غرور وغطرسة تنامي القدرات العسكرية، واعتبار العالم الثالث ملكاً لاحتكارات الغرب وللولايات المتحدة خاصة، وعلى شعوب البلدان العربية ان تقبل هذا الواقع، وإذا تمرّدت فهي تهدّد «المصالح الحيوية» لأميركا وعليها ان تتحمّل النتائج.
وما إرسال صواريخ باليستية ومنظومات دفاعية وصواريخ توماهوك على غواصات وسفن بالإضافة الى القوات الأرضية لضرب أهداف بعيدة المدى والمنشآت النووية الإيرانية الى جانب قيام حاملة الطائرات «لنكولن» وقوة المهام القاصفة وسفينة الهجوم البرمائية «كيراساج» في بحر العرب لردع الأعمال المزعزعة التي تهدّد مصالح أميركا في المنطقة ، ما هي إلا استعراضات لم تُخرج الإيرانيين عن هدوئهم واللامبالاة واللاخوف.
أما ان تنفذ أميركا تهديداتها فهل يضمن العرب او بعض العرب ان يبقوا متفرّجين فرحين مهللين سالمين؟
هذا في علم الغيب، أما في علم المؤكد والمضمون، انّ مرحلة جديدة هي قيد «الرتوش» النهائي وانّ بلادنا على فوهة تاريخ يحدّد مستقبل الوجود العربي ولم يعد من وجود فاعل ونهضوي ودحر الفكرة القومية والاعتراف بالوجود الطبيعي للكيان الصهيوني وبحيث تنتهي الدولة القطرية الواحدة وتتحوّل إلى فدرالية من مجموعات متغايرة ثقافياً ودينياً وسياسياً ما يجعلنا في دوائر وصراعات وحروب مفتوحة وبتكاليف باهظة الثمن، ونقص في الأموال والأنفس…
 
وما صفقة القرن ببعيدة عن هذه التطورات. علينا ان نعترف اليوم انّ طروحات فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ» 1992، بالإضافة الى كتاب «صِدام الحضارات» لصموئيل هانتغتون 1993، بلغت مدى بعيداً جعل ملياراً من البشر ذوي الثقافة الإسلامية خمس سكان العالم لا يستطيعون تحدّي الديمقراطية الموجودة في بلادهم على المستوى الفكري او التطبيقي. وقد كشفت طروحات فوكوياما عن مشروع هجومي غربي وهو ما أطلق عليه بوش الابن «مشروع الشرق الأوسط الكبير» الذي يرتكز ليس فقط إلى تحقيق هيمنة أميركية اقتصادية وعسكرية وسياسية على المنطقة العربية الإسلامية، وإنما أيضاً وبأسلوب أكثر استهدافاً إلى ثقافة استهلاكية جديدة تأخذ النمط الليبرالي الغربي، كلّ ذلك بهدف إنتاج ثقافة عربية إسلامية تجعل بلاد العرب والمسلمين، متاهات ضائعة فوضوية متناحرة، فاقدة لهويتها مستسلمة لثقافة الأقوى اقتصادياً وتكنولوجيا بحجة العين لا تقاوم المخرز .
فعلاً هؤلاء الناس «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ «التوبة»
وسواء انتهت الحملة الأميركية الشرسة على إيران إلى حرب أو لا حرب، فإنّ الإدارة الأميركية قد تذهب إلى إغفاءة هدوء قد تطول أو تقصر، ولكنها مستمرة ما لم يطرأ عليها أيّ جديد أفضل.
هذه الرؤية الاستراتيجية في سياسات الغرب برمّتها ترى أنّ وحدة المنطقة العربية أخطر من القنبلة النووية، وهي معنية بإبقاء العرب كيانات قبلية تعلك ذاتها وتاريخها وتستحضر من الماضي السحيق حكايات وتتلهى بروايات وأحداث مضت، وربما لم تحدث حتى تبقى كيانات متصارعة غارقة في جهلها وتخلفها، ويبقى العرب خصم للغرب بحكم الواقع والثروة.
«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ «الفيل»