إلى اين تتّجه العمليات في إدلب ؟.. بقلم: عمر معربوني

إلى اين تتّجه العمليات في إدلب ؟.. بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٨ مايو ٢٠١٩

من المؤكّد أن الأميركيين خسروا الكثير من تأثيرهم في الميدان السوري بعد استعادة الجيش العربي السوري لجغرافيا واسعة تم تحريرها على مدار السنة الفائتة ، لكنهم يقبضون على خزّان النفط الإستراتيجي للدولة السورية شرق الفرات ، وعلى أغلب الأرض الزراعية الإستراتيجية عبر الجماعات الكردية ، ما يمكّنهم من مُضايقة الدولة السورية في مجالين أساسيين وهما النفط والزراعة كسلعتين استراتيجيتين تكلفان الدولة السورية الكثير من الأعباء. .
على مدى أسبوعين تشهد محاور القتال في ريف حماه الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي عمليات عسكرية تبقى حتى اللحظة عمليات محدودة في الجغرافيا وفي الزخم ، ويمكن وصفها بعمليات الاستطلاع بالنار بما يرتبط بالجيش العربي السوري وعمليات المُدافعة والهجمات المُضادّة بما يرتبط بالجماعات الإرهابية .
حتى اللحظة يمكن وصف الموقف التركي بالصامِت باستثناء تصريح يتيم لوزير الدفاع التركي خلوصي آكار ، أعلن فيه تمسّك الأتراك بنقاط المراقبة التركية مُتّهماً الدولة السورية بالعمل على إنهاء اتفاق آستانة ، وهو أمر يُجافي الحقيقة حيث يعلم الجميع أن تركيا هي مَن يُعرقِل تنفيذ مضمون اتفاقية المنطقة منزوعة السلاح ، التي لا تزال الجماعات الإرهابية تستخدمها كمنصةٍ لإستهداف البلدات والقرى في ريف حماه الشمالي وسهل الغاب وبعض المناطق الساحلية ومن بينها قاعدة حميميم الجوية الروسية .
ورغم تصريح وزير الدفاع التركي لا تبدو على النظام التركي تصرّفات تشير إلى إمكانية دخوله المباشر على خط المعارك الجارية ، ويكتفي بتقديم الدعم العسكري النوعي للجماعات الإرهابية ، حيث ظهرت للمرّة الأولى صواريخ جافلين الأميركية الصنع المُضادّة للدروع المُتطوّرة إضافة إلى مئات الدراجات الجبلية والسيارات المُصفّحة رباعيّة الدفع .
تركيا التي رعَت ولا تزال هذه الجماعات تقدّم لها الغطاء السياسي أيضاً من خلال مواقف واضحة لا لُبْسَ فيها عبر تشكيل ما يُسمَّى بالجبهة الوطنية للتحرير ، وهي تضمّ بالأساس فصائل ذات خلفيّة إخوانية تعوّل تركيا عليها كثيراً في تحقيق خرقٍ سياسي يسمح لها بالمشاركة في السلطة مستقبلاً ، وهو أمر ترفضه الدولة السورية جملة وتفصيلاً وتعتبره مخالفاً لأبسط قواعد المشاركة حيث الشعب هو مَن يُقرِّر عبر الانتخابات ممثليه في السلطتين التشريعية والتنفيذية .
 
تحصل هذه المعارك في ظلّ تطوّرات خطيرة تعكس النظرة والموقف الأميركي بما يرتبط بالصراع في سوريا ، وصوغ استراتيجية أميركية جديدة قائمة على ثلاثة بنود من شأنها أن تعقّد الصراع وتُطيل أمده ، وجاء ذلك في رسالة أرسلها 400 من أصل 535 عضواً من مجلس الشيوخ والنواب الديمقراطيين والجمهوريين إلى الرئيس ترامب تحدّد الجهات التي تهدّد مصالح الولايات المتحدة الأميركية ، وهي بحسب الرسالة ( الجماعات الإرهابية وروسيا وإيران وحزب الله ) .
وتضمّنت الرسالة دعوة للرئيس ترامب لتبنّي البنود الثلاثة وصوغ إجراءات وتدابير تنفيذية تضمن أمن ومصالح أميركا والكيان الصهيوني والبنود كما جاء في الرسالة هي :
 
1- ” حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ”
2- الضغط على روسيا وإيران وسوريا سياسياً واقتصادياً
3- الضغط على حزب الله واستكمال خطة ” شيطنته إعلامياً وزيادة الحصار المالي عليه .
ومن ضمن التدابير والإجراءات المُرتبطة بالبنود الثلاثة إبقاء الوضع على ما هو عليه في سوريا من خلال زيادة الدعم للجماعات الكردية في الشمال الشرقي ، واستعادة تركيا إلى الفلك الأميركي عبر تقديم تسهيلات تسمح للتركي بالبقاء في مناطق سيطرته الحالية ، بما فيها مناطق سيطرة ” جبهة النصرة ” و ” الجبهة الوطنية للتحرير ” التي أسّستها تركيا وتعمل على إبقاء نفوذها في مناطق سيطرتها الحالية .
هذه التدابير الهدف منها إعاقة عمل الدولة السورية والجيش العربي السوري وإبقاء الضغط على روسيا وعدم السماح لها ولإيران بتثبيت وضعهما في مجال حيوي لا تزال أميركا تعتبره مجالها .
من المؤكّد أن الأميركيين خسروا الكثير من تأثيرهم في الميدان السوري بعد استعادة الجيش العربي السوري لجغرافيا واسعة تم تحريرها على مدار السنة الفائتة ، لكنهم يقبضون على خزّان النفط الإستراتيجي للدولة السورية شرق الفرات ، وعلى أغلب الأرض الزراعية الإستراتيجية عبر الجماعات الكردية ، ما يمكّنهم من مُضايقة الدولة السورية في مجالين أساسيين وهما النفط والزراعة كسلعتين استراتيجيتين تكلفان الدولة السورية الكثير من الأعباء. .
الأتراك بدورهم يمتلكون أوراق قوّة وإن تراجع تأثيرها عن السابق لكنها لا تزال فاعلة ويمكنها بالحد الأدنى عرقلة وإعاقة خطط الدولة السورية وحلفائها .
 
في ظلّ هذا الوضع السياسي شديد التعقيد تبدو العمليات العسكرية السورية الهادِفة إلى تحرير كامل شمال غرب سوريا ، مسألة ليست بالسهلة لاصطدامها بالكثير من العراقيل السياسية سواء كانت في البُعد الإنساني أو بما يرتبط بفبركات الضربات الكيميائية ، والتي يتمّ العمل عليها إعلامياً بشكل مُكثّف ، ويضع سوريا وحلفاءها دائماً في موقع الدفاع والتبرير ، إضافة إلى التلميح والتهديد الأميركي باستهداف منشآت سوريّة حيوية على غرار ما حصل في نيسان من سنة 2018 خلال معارك تحرير الغوطة الشرقية .
على المستوى العسكري وضعت تركيا إمكانيات كبيرة بتصرّف الجماعات الإرهابية ، وحاولت عبر إستعادة الجماعات الإرهابية لبلدة كفرنبودة توجيه رسالة مباشرة للدولة السورية وللروس أيضاً عبر استهداف قاعدة حميميم بطائرات مُسيَّرة يتمّ إسقاطها ، ولكنها في الحقيقة تستنزف الدفاعات الجوية الروسية وكذلك السورية التي تعمل على التصدّي للطائرات المُسّيرة التي تستهدف منشآت سوريّة كمحطات الكهرباء والمياه والمطارات .
انطلاقاً من الوقائع والمُعطيات القائمة لا يبدو أن الدولة السورية ستتراجع عن الإستمرار في متابعة العمليات العسكرية ، مدعومة من الطيران الروسي حيث تمّ الإعلان من قِبَل مركز المصالحة الروسي عن فتح معبرين إنسانيين لخروج الأهالي من بقعة العمليات الأوسع ، ورمي الحوامّات السورية لقصاصات ورقية تدعو المواطنين إلى الإبتعاد عن مراكز وتجمّعات الجماعات الإرهابية .
هذه الإجراءات في الواقع هي أسلوب سابق استخدمته الدولة السورية والقوات الروسية قبل الدخول في مرحلة العمليات الكبرى ، وهي كإجراءات تدابير هدفها تفكيك العقد القائمة وتسهيل عمل القوات العسكرية في الميدان ، خصوصاً أنه على المستوى العسكري بشكل خاص يستطيع الجيش العربي السوري تنفيذ عمليات واسعة ومرنة ، بالنظر إلى طبيعة تموضع قواته التي يمكنها تنفيذ عمليات إندفاع وتطويق وعزل لمناطق سيطرة الجماعات الإرهابية ، لكن هذا الأمر مشروط بإطلاق العمليات في بُعدها الشامل وهو الأمر الذي لا يبدو قائماً حالياً وبإنتظار تشكّل واقع وظروف أكثر مُلاءَمة تمكّن الجيش من تنفيذ عمليات شاملة .
وحتى تتشكّل ظروف ووقائع ملائِمة أعتقد أن العمليات ستبقى في إطارها المحدود ويمكن أن تنتقل من محور إلى آخر ، لكنها وإن حقّقت تقدّماً في محاور مُحدَّدة فهي لن تؤثّر في بنية وتموضع الجماعات الإرهابية وداعميها .
الميادين