أردوغان عارياً حتى من ورقة التوت.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

أردوغان عارياً حتى من ورقة التوت.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٨ مايو ٢٠١٩

يمكن القول إن فتح الجيش السوري لمعبري صوران في حماة وأبو الضهور في إدلب مع استهداف طائرات روسية لمطار تفتناز خلال الأسبوع الماضي يعتبر انقلاباً في المشهد المرتسم منذ أواخر نيسان الماضي عندما بدأت العملية العسكرية في منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تضم أرياف اللاذقية وإدلب وحماة المتلاصقة.
وما يدعم هذا الاحتمال الأخير هو التصعيد الأميركي الذي مثله بيان وزارة الخارجية الأميركية في 19 من الشهر الجاري الذي جاء فيه أن واشنطن لديها شكوك حول استخدام غاز الكلور في بلدة كباني بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وتلك حالة كثيراً ما حدثت خصوصاً في المنعطفات التي يكون فيها الموقف التركي بحاجة إلى دعم في مواجهة نزعة هجومية روسية أو إيرانية، فكيف والحال اليوم هو أن أنقرة تخوض مفاوضات ماراتونية مع الروس بخصوص إدلب التي تتزعزع مواقعها فيها.
سجلت الأيام القليلة الماضية، ولربما كان ذلك سبباً في انقلاب المشهد، سقوطاً لورقة التوت الأخيرة عن النيات التركية، فالمعلومات الواردة من ميادين المعارك تؤكد انخراطاً تركياً مباشراً فيها، وهو لم يقتصر على الدفع بفصائل من «درع الفرات» أو «غصن الزيتون» لدعم «جبهة النصرة» بل ولتنظيمات لم تزل تعلن ارتباطها الوثيق بتنظيم القاعدة مثل «حراس الدين» و«الحزب التركستاني»، وإنما تعداها إلى الدفع بضباط أتراك للإشراف على غرف عمليات تقود المعارك، بل تؤكد العديد من الفيديوهات وجود عربات مصفحة تركية الصنع وكذا صواريخ مضادة للدروع في محاولة مستميتة لكسر المعادلة القائمة.
هذا المشهد الأخير فيه تسجيل لحال من الامتعاض الروسي تجاه أنقره فموسكو وفقاً لمعطيات خاصة بها راكمتها مؤشرات عديدة، بالتأكيد باتت أميل إلى الاعتقاد بأن أردوغان ماض نحو تراصف نهائي في الجانب الأميركي بما فيها نسف صفقة الـ«إس 400» أو تعليقها تمهيداً لذلك، ولم تنفع كل حالات «الغنج والدلال» الروسيين اللتين أحيط بهما.
أردوغان يريد البقاء في إدلب إلى ما لا نهاية والمؤكد هو أنه سمع كلاماً أميركياً مطرباً في هذا السياق، واللحظة الآن أكثر من مناسبة لاقتلاعه منها إلى الأبد وقد يصعب تكرارها إن ضاعت، وإنهاء الوضع القائم فيها سيفقد أنقرة ورقة هي غاية في الأهمية وكذا سيضعف من قبضتها في ملف الشرق أيا تسر التطورات الجارية فيه.
ترصد الرسالة التي وجهها 400 من أعضاء مجلسي الكونغرس الأميركي إلى الرئيس دونالد ترامب مؤخراً، تبعاً للإستراتيجيات الجديدة التي اقترحتها، حالاً أميركية متغيرة تجاه العديد من الرؤى المتعلقة بالصراع القائم على الأراضي السورية، وهي تلحظ المتغيرات الحاصلة سواء أكان في المواجهة مع إيران أو مع موسكو، في العديد من نقاط التماس الساخنة، ومن الراجح أن تلك الإستراتيجيات ستبقى قيد التبلور قبل أن يجري إقرارها ما بعد تموز المقبل، فواشنطن تريد أن تمشي إلى آخر الضوء حتى تبين نهاياته عندما ستظهر على الطريق شارة قرب انتهاء النفق التركي التي ستعني الخروج إلى الضوء حتماً، ولن يكون مجدياً عندها إعلان أنقرة تأجيل صفقة «إس 400» أو أي شيء آخر يصب في السياق نفسه فالمطلوب أميركياً هو فقط إعلان صريح بإلغائها مع تعهد بعدم التفكير بها مجدداً.
الإستراتيجية الأميركية المقترحة في سورية تندرج وفق منحيين كبيرين اثنين أولاهما هو التنسيق مع دول أوروبية عدة، وكذا مع عشائر عربية في الشرق كان أبرزها مؤخراً البيان الصادر عن عشيرة «العقيدات» بعيد اجتماع عقده وجهاء فيها في قرية «الشحيل» بريف دير الزور الشرقي في الثالث عشر من أيار الجاري كرد فعل على المجزرة التي ارتكبتها ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد» فيها قبل أربعة أيام من هذا التاريخ، وفيه كان التوجه الأميركي يسير نحو احتواء غضب المجتمعين عبر وعود بتخفيف البصمة العسكرية لـ«قسد» في مناطق تواجدهم، مع وعود أيضاً بتقديم جزء من ريع النفط السوري المهرب، في مقابل قبول هؤلاء الانضمام إلى التحالف الأميركي، ومعه «قسد»، في مواجهة الجيش السوري والفصائل الحليفة له، والجدير ذكره هنا هو أن الاجتماع قد خرج بمطلب خطير له دلالاته فقد طالب هؤلاء بضم مناطق شرق الفرات إلى غربه وفي ذاك يمكن لحظ الأصابع السعودية التي جاء الاجتماع تكريساً لجهودها ووعودها بالدرجة الأولى.
هذا المنحى الأخير يسعى إلى التأسيس لجسم عسكري جديد في مواجهة الجيش السوري وحلفائه بالتزامن مع تظهير جديد للضوء الأخضر الأميركي المعطى لإسرائيل في استهداف مواقع إيرانية وأخرى لحزب اللـه على الأراضي السورية.
وثانيهما سعي واشنطن إلى تشكيل منصة جديدة تأخذ على عاتقها حمل إنضاج تسوية سياسية للصراع السوري، وهي تضم إلى جانب أطراف أستانا الثلاثة الروسي والإيراني والتركي أعضاء المجموعة المصغرة التي تضم إلى جانب أميركا كلاً من بريطانيا وفرنسا والسعودية ومصر والأردن مع ذكر لمشاركة الصين للمرة الأولى في هكذا سياقات، هذا التوجه يشير أقله إلى تقليص المساحات الروسية المعطاة لموسكو بتوافق أميركي أولاً ثم أوروبي ثانياً في الأزمة السورية منذ أيلول 2015 وكتأكيد له كان إطلاق مسار أستانا الذي ترافق مع غياب أي ذكر لمسار جنيف الذي كان قد ساد في السنوات التي سبقت هذا التاريخ الأخير، وربما تأتي حالة الاستعداد الروسية للذهاب في معركة إدلب إلى نهاياتها المرجوة سورياً تحسباً أو تحصيناً، يسبق هكذا انعطافة.
ترصد رسالة الكونغرس الأميركي السابقة الذكر أيضاً تراجعاً في الاهتمام الأميركي بتفاصيل الشأن الداخلي السوري لمصلحة تكريس جل الاهتمام بأمرين اثنين هما محاربة الإرهاب، وذاك يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، وضرب تواجد إيران وحزب اللـه في سورية، وكلا الأمرين كان من الممكن لحظهما في تصريحات للمبعوث الأميركي الخاص بسورية جيمس جيفري، كان قد أدلى بها في لقاء، أجرته معه صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية ونشرته في 9 أيار الجاري وفيه قال: «ليس لواشنطن سياسة لتغيير النظام بالنسبة للرئيس بشار الأسد» ثم أضاف: «إن الضغوط ستستمر حتى تشكيل حكومة بسياسات جديدة مع شعبها وجوارها»، لكن يمكن تسجيل فارق ما بين رسالة الكونغرس وتصريحات جيفري هو أن الأولى ارتأت أن لا نية لدى موسكو كما يبدو في استبعاد القوات الإيرانية من سورية.
بيان «الشحيل» السابق الذكر وإشارة جيمس جيفري إلى وجوب تغيير سياسات دمشق مع جوارها يرصدان مسعى سعودياً قديماً متجدداً في اللعب على المكونات السورية الداخلية لإحداث تحولات في السياسة السورية تصب في مصلحة الرياض، وهي السياسة عينها التي اتبعتها هذي الأخيرة مراراً وفي مراحل مفصلية مرت بها المنطقة لعله كان من أبرزها مسعاها الناجح في القضاء على دولة الوحدة مع مصر عبر دعم مجموعة العقيد عبد الكريم النحلاوي الانفصالية التي نفذت المطلوب منها في عام 1961، لكن الخطير اليوم في الموضوع هو أن الرياض تدعم مشروعاً انفصالياً يهدد الجغرافيا السورية، وتلك حالة تبدو غير محسوبة العواقب، أو أن حجم الضغوط التي تتعرض لها الرياض قد أفقدها تحديد اتجاه البوصلة الصحيح، إذ لا يعقل أن تكون هناك مصلحة سعودية حقيقية في تشظي الجغرافيا السورية، والخشية هنا أن تكون الحسابات السابقة الذكر هي نتاج لانتقال دفة السلطة إلى جيل الأحفاد الذي ما انفك يمارس سياسات قصيرة النظر، وما من تفسير مقنع لها سوى أن ذلك الجيل يجد نفسه بعيداً عن جذور الصراع الدائر قبل عقود في المنطقة، وهو يرى أن علاقته بها تنحصر في مفرزاتها التي نتجت عنها، وتلك حالة كارثية يمكن لحظها أيضاً في لعب دور «حمالة الحطب» في محاولة إضرام لنار لن تبقي ولن تذر إذا ما اندلعت شرارتها على ضفتي الخليج العربي.