القمة العمياء.. بقلم: نبيه البرجي

القمة العمياء.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الخميس، ٢٣ مايو ٢٠١٩

يسألنا الفرنسي أوليفييه روا ما إذا كنا قد استشعرنا حدوث اختلال في دوران الكرة الأرضية. قال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ«الضحالة السياسية الفذة»، يحاول أن يدفع الكرة الأرضية، بكلتا قدميه، إلى خارج النظام الكوني.
لم يكتف بزعزعة السياق الدولي الذي شهد مفترقات كثيرة (مؤتمر فيينا عام 1815، مؤتمر فرساي عام 1919، مؤتمر يالطا عام 1945، مؤتمر هلسنكي عام 1975). لعله يسعى إلى زعزعة النظام الكوني.
في أروقة الكونغرس لا يتوقف الجمهوري جاستن آماش عند الدعوة إلى عزله. يعترض على تحويل البيت الأبيض إلى «مزرعة للثيران».
الغريب (أين الغرابة؟) أنه لا يتقن اللعب إلا بذلك النوع من العرب الذين سقطوا حتى من رقعة الشطرنج. يغازل بيونغ يانغ، بالرؤوس النووية التي على رمية حجر من لوس أنجلس وسان فرنسيسكو، يجلس تحت سقف واحد مع الملّا هبة اللـه أخونزاده الذي يصر على التصعيد العسكري ضد الاحتلال الأميركي في أفغانستان، حتى حين يتفاوض الطرفان تحت الثريات.
هذا هو منطق الأشياء، بحسب الجنرال فونغوين جياب إبان مفاوضات باريس بين الأميركيين والفيتناميين، وقد انتهت بالهروب تحت جنح الظلام من سايغون. الجنرال نورستاد قال «كما لو أننا نغادر جثثنا»!
الرئيس الأميركي بلغ ذروة الفظاظة، ذروة الفظاعة، في ازدراء الحلفاء العرب. الإذلال الفضائحي أمام جمهور يرى في الإله الأبيض إله الآلهة. أليس هذا ما دعا إليه برنارد لويس الذي، وبمنتهى الصفاقة، قال «لا نضرب رؤوس حلفائنا في الشرق الأوسط كي لا يرفعوها ثانية، نفعل ذلك لأنهم ترعرعوا على ثقافة العصا»!
إهانات دونالد ترامب المتلاحقة تبدو وكأنها قطرات الندى على تلك الوجوه الزجاجية (الرخامية). تماثيل الرخام أم تماثيل الشمع؟
على قرع الطبول دفع بالأرمادا البحرية، والأرمادا الجوية، إلى المنطقة. اضطر للإصغاء إلى ما يقوله البنتاغون لا إلى ما يقوله جون بولتون، ولطالما اعتبر أن إقامة معمارية إستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط (في اطارها يتم تسويق صفقة القرن) تقتضي سلسلة من العمليات القيصرية في التاريخ، وفي الجغرافيا.
بالأذن المجردة يتناهى إلينا صراخ (أم أنين؟) عظام آبائنا، هذا هو زمن الجدران الناطقة.
هذه المرة لم نر قناع المهرج بل خوذة المهرج، الخوذة التي ما لبثت أن وقعت أرضاً، الجنرالات ذكّروه بالتوابيت التي عادت، من ضفاف الميكونغ، كما من ضفاف دجلة، الأميركيون لا يريدون للتوابيت أن تعود من ضفاف الخليج.
من أطرف التعابير المتداولة «الانتقال من عواء الضباع إلى زقزقة الضباع». هذا الذي حدث. ذلك الطراز من العرب الذين لم يدركوا ما التداعيات المروعة للحرب، صدموا من تقهقر الإمبراطور. الآن، دعوة فولكلورية إلى القمة للبحث في تفجير مضخة النفط، هؤلاء الذين احترفوا إدارة طواحين الدم، وطواحين الهباء، على امتداد القارة العربية.
أليست بهلوانيات الرئيس الأميركي هي التي استدعت الرقص على أبواب جهنم؟ إذا كان للقمة أن تلتئم، وكانت هناك ذرة من العقل، ذرة من الضمير، يفترض أن يكون عنوان القمة: طرد دونالد ترامب من الشرق الأوسط.
ندرك، تماماً، ما يتردد في الغرف الداخلية في الخليج، رفض التماهي الميكانيكي مع مصاص الدماء، دعوة إلى وقف «أوديسة الخراب». كان ثمة خوف هائل من خطأ مبرمج، وينفجر الصراع.
أميركا اعتادت إستراتيجية الوحول، واستراتيجية القبور، لماذا يفترض أن يكون العرب الوحول، وأن يكونوا القبور؟ هذا السؤال إلى قمة عرجاء، إلى قمة عمياء!