دلالات وتداعيات فوز نتنياهو بالانتخابات 2.. "صفقة القرن".. بقلم: د.خلود أديب

دلالات وتداعيات فوز نتنياهو بالانتخابات 2.. "صفقة القرن".. بقلم: د.خلود أديب

تحليل وآراء

الجمعة، ١٧ مايو ٢٠١٩

لا تكاد افتتاحية أو مقالة سياسية تتناول الشؤون السياسية للشرق الأوسط تخلو من إشارة أو تلميح أو غمز من قناة ما يسمى بـ "صفقة القرن". وعلى الرغم من هذا الكم من التلميحات والغمزات واللمزات وحتى التسريبات فلا وضوح في الرؤيا تسهم في إدراك كنه هذه الصفقة التي يسوق لها ترامب وحلفائه ويخشاها المتأثرين بها أو بعضهم (المتآمرين من العرب مهتمين باحتفاظهم بملكهم وأموالهم فقط) التي تطال بالدرجة الأولى حسب معظم التسريبات الفلسطينيين.  
ويرفض الجانب الفلسطيني وبعض الدول العربية الصفقة قبل أن تبدأ، لكن بات من المسلم به أن الإدارة الأمريكية تعلن مشروعاتها دون أن تضع في اعتباراتها المواقف الأخرى للدول العربية، التي لا تعدو كونها شعارات جوفاء إن أطلقتها أصلاً. فعلى سبيل المثال أعلن البيت الأبيض القدس عاصمة موحدة لإسرائيل دون أن يكون هناك موقفًا عربياً مقابلاً، كما قام بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس دون أن يكون هناك مناقشة أو حتى طرحاً. الإدارة الأمريكية تتابع تنفيذ استراتيجياتها رغم أنف الجميع.
تبرز هذه الصفقة عمق الانقسامات بين الدول العربية في الوقت الراهن تجاه العلاقة مع اسرائيل.
فقد جمع مؤتمر وارسو الذي عقد في فبراير/شباط 2019 الدول الحليفة للولايات المتحدة، والتي تقبل إجمالاً بجهود التطبيع مع إسرائيل وتقبل، سراً أو علناً، بمساعي ترامب لإقرار صفقة القرن. وتضم أساساً دول الخليج، علاوة على مصر والأردن. 
وعلى الجانب الآخر عقد مؤتمر للفصائل الفلسطينية في موسكو بالتزامن مع مؤتمر وارسو، وكانت أبرز المواقف فيه تأكيد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، رفضه لصفقة القرن. ولخص لافروف موقف موسكو بقوله "إنّ الولايات المتحدة الأميركية تحاول فرض حلول أحادية الجانب، من شأنها أن "تدمر كل الإنجازات في القضية الفلسطينية". 
هذا علاوةً على أن الفصائل الفلسطينية التي اجتمعت في موسكو توافقت على رفض صفقة القرن، ومن بينها حركتا فتح وحماس. وأكدت هذه الفصائل على حق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضي المحتلة عام 1967، وعلى ضرورة ضمان حق العودة على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي.
وها هو مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، يصرح في 10 نيسان 2019، أن خطة الرئيس دونالد ترامب بشأن السلام في الشرق الأوسط، المعروفة إعلامياً باسم " صفقة القرن| باتت قريبة جداً.وأضاف بولتون في تصريحات لشبكة "إيه بي سي" الأمريكية: "أعتقد أنه سيُكشف عن خطة ترامب للسلام قريباً جداً". وتابع: "نحن في المراحل النهائية لجعلها جاهزة". 
وأوضح المسؤول الأمريكي أن الكشف عن الخطة سيتم فور الإعلان رسمياً عن فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في الانتخابات العامة. وقال: "إن إعادة انتخاب نتنياهو تفتح المجال أمام جميع الآفاق". 
من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في ذات التاريخ، إن إدارة الرئيس دونالد ترامب ستطرح "قريباً" اقتراحاً بشأن حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وقال بومبيو في جلسة بمجلس الشيوخ: "نعكف حالياً على إعداد مجموعة من الأفكار التي نأمل تقديمها قريباً".
وكان ترامب قد اعتبر في تصريحات صحفية بالبيت الأبيض، ومرة أخرى في ذات التاريخ، أن فوز نتنياهو بالانتخابات "مؤشر جيد للسلام". 
ووفق النتائج الأولية للانتخابات العامة الإسرائيلية التي جرت في 9 نيسان 2019، فإن حزبي "الليكود"، وخصمه تحالف "أزرق-أبيض"، حصلا على عدد مقاعد متساوية، لكن كتلة أحزاب اليمين المتحالفة مع نتنياهو حصدت أغلبية مقاعد البرلمان. وهذا المؤشر ينتظره ترامب لضمان موافقة اسرائيل على خطته التي يراها تصب في صالح اسرائيل بالدرجة الأولى ولكون ترامب يتوقع أن يرد نتنياهو جميله في دعمه لموقعه في الانتخابات وصولا ً إلى الفوز. فترامب يحتاج هو الآخر إلى إرث سياسي أو قصة نجاح يسوق لها لدى الرأي العام الأمريكي وتجعل من انتخابه لولاية ثانية أمراً ممكناً.
وفي وقتٍ سابقٍ، أعلن غاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي، في منتصف شباط 2019، أن واشنطن ستقدم خطة صفقة القرن للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، و"سيتعين على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تقديم تنازلات". ويبدو أن التنازلات من الجانب الفلسطيني- لتاريخه - غير كافية من وجهة نظره وقد يتطلب الأمر التنازل من قبل الفلسطينيين حتى لا يجدون شيئاً يتنازلون عنه. وعلى الأرض السلام. 
وفقاً لكتاب جديد يتحدث عن عائلة كوشنر، فإنَّ خطة كبير مستشاري البيت الأبيض للسلام في الشرق الأوسط، وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غاريد كوشنر، في صفقة القرن تضمَّنت في مرحلة ما، أخْذ أراضٍ من الأردن تضاف إلى الأراضي الفلسطينية، في مقابل حصول الأردن على أراضٍ من السعودية، التي حصلت على جزيرتين من مصر.
هذا الكتاب المثير للجدل والمعنون: "Kushner, Inc: Greed. Ambition. Corruption. The extraordinary story of Jared Kushner and Ivanka Trump" (مؤسسة كوشنر: الجشع والطموح والفساد، القصة الاستثنائية لغاريد كوشنر وإيفانكا ترامب) من تأليف الكاتبة البريطانية فيكي وارد، تم تشره في 14 آذار 2019. تفصّل صفحات الكتاب، البالغ عددها 300 صفحة، الطريقَ الذي سلكه غاريد وإيفانكا للمشاركة في كل جانب من جوانب شؤون البيض الأبيض، وخططهما المزعومة لاستخدام نفوذهما لتحقيق مكاسب شخصية.
استشهدت الكاتبة وارد بـ "كثير من الأشخاص الذين رأوا مسودات هذه الخطة" التي وضعها كوشنر، والتي لا تتضمن إسرائيل والفلسطينيين فحسب، وإنما تشمل أيضاً السعودية والأردن ومصر والإمارات.
وأشار الكتاب تحت عنوان "قضايا الحدود| إلى صفقات عجيبة لتبادل الأراضي. كتبت وارد: "إنَّ ما أراده كوشنر في صفقة القرن هو أن يقدم السعوديون والإماراتيون المساعدة الاقتصادية للفلسطينيين. كان ثمة خطط لإنشاء خط أنابيب من السعودية إلى غزة، حيث يمكن بناء مصافٍ ومحطة للشحن. وسوف تمكّن الأرباح من إنشاء مصانع لتحلية مياه البحر، ليتمكن الفلسطينيون من العثور على عمل، ومعالجة معدل البطالة المرتفع".
وقالت وارد إنَّ هذه الخطة شملت أيضاً تبادلاً للأراضي، يمنح بموجبه الأردن أرضاً تُضاف إلى الأراضي الفلسطينية، و "في المقابل، يحصل الأردن على أرض من السعودية، التي سوف تستعيد جزيرتين في البحر الأحمر كانت قد منحتهما لمصر لإدارتهما عام 1950".
وكان كوشنر، قد قال في حديثه لقناة Sky News Arabia، بوارسو، في شباط 2019، إنَّ خطة البيت الأبيض، صفقة القرن المتوقع تقديمها في وقت ما بعد انتخابات الـ 9 من نيسان 2019 بإسرائيل، سوف تركز على "قضايا الحدود".
وصرح كوشنر في حديثه أنَّ الخطة سياسية واقتصادية على حد سواء، وإنها "فعلاً متعلقة بإنشاء الحدود وحل قضايا الوضع النهائي… سوف يكون للخطة تأثير اقتصادي واسع، ليس على إسرائيل والفلسطينيين فحسب، وإنما على المنطقة بأَسرها أيضاً"، وضمن ذلك مصر والأردن ولبنان.
 
وكشفت متابعة نسق الحملات الانتخابية في إسرائيل وتزامنها مع تسريب بعض ملامح صفقة القرن بأنها ستجعل نتنياهو أمام عقبة رفض المعسكر اليميني المتحالف معه بحجة أن الصفقة لا تختلف كثيرا عن مقترحات سابقة قدمتها الإدارات الأميركية أو حتى المبادرة العربية.
وتزامناً مع وجود تقديرات بأن الخطة الأميركية ستواجه رفضا في إسرائيل، اتهمت حكومة نتنياهو أيضا السلطة الفلسطينية بالتدخل في الانتخابات الإسرائيلية من خلال تحريك وساطات بين النواب العرب والقوائم التي يجري الإعداد لها بهدف إسقاط صفقة القرن الأمر الذي أنكرته السلطة تماماً معلنةً أنها باقيةٌ على موقفها من عدم التدخل في الشؤون الداخلية الاسرائيلية.
 
ويؤكّد تقرير نشره مركز ستراتفور للدراسات الأمنية والإستراتيجية الأميركي أن قائد الحكومة الإسرائيلية المقبلة سيواجه تصاعدا في التوتر بين غزة والضفة الغربية وسوريا التي تهدد بالتحول إلى عنف واسع النطاق وصراع بين إسرائيل وإيران.
ويشير التقرير الأميركي إلى عمق الصراع السياسي بين اليسار واليمين المعتدلين، فعمق الفجوة بينهما انطلق منذ تأسيس إسرائيل عام 1948. فقد كانت الخلافات بينهما متجذرة وخاصة في كيفية التعامل مع السلام العربي- الإسرائيلي، حيث تبنى يسار الوسط سياسة تبادل الأراضي للحصول على اعتراف جيرانهم العرب، إلى يفضل اليمين المعتدل توظيف القوة السياسية والعسكرية كوسيلة لكسب الاعتراف الإقليمي.
كما يشير تقرير ستراتفور إلى أن قائد الحكومة المقبلة سيضطر إلى اعتبار تهديد برنامج إيران النووي المتنامي، والرغبة في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية هدفا أسياسيا.
 وتدعم هذه الفرضية ظهور تقارير تفيد بأن إيران تستخدم وكلاء في العراق لتسليح حلفائها في الميليشيات هناك بالقذائف والصواريخ. ويمكن أن يدفع التهديد القائد الإسرائيلي القادم لتكرار جوانب من استراتيجية الغارات الجوية الهجومية على سوريا في رد على الوجود الايراني فيها والذي يعتبره بحد ذاته تهديداً للكيان الاسرائيلي.
 
وستضطر الحكومة الإسرائيلية المقبلة إلى التعامل مع الكونغرس الذي لا يتعدى موقفه انتقاد سلوك إيران العسكري، مما يعني أن إسرائيل قد لا تكون قادرة على الاعتماد على دعم أميركي أوتوماتيكي في التصعيد ضد إيران في مناطق مثل سوريا أو العراق.
ويخلص خبراء ستراتفور إلى أن إسرائيل في السنوات القادمة لن تتمكن من الاعتماد على الطرق القديمة التي استخدمتها في الماضي، بمعنى أنه على كل من يقودها مستقبلاً محاولة إيجاد طرق جديدة للحفاظ على موقع البلد في الشرق الأوسط.
 
 وحتى في حال فشل صفقة القرن فهناك بدائل ومسارات لها - كعادة الساسة الأمريكيين - يمكن تنفيذها على الأرض دون الحصول على موافقة من أي طرف من الأطراف، من خلال بعض الإجراءات الأحادية من قبل سلطة الاحتلال الاسرائيلي مثل تعميق فكرة أن القدس عاصمة لإسرائيل من خلال إغلاق مناطق في القدس بصورة كاملة، وطرد آلاف الأسر الفلسطينية منها وطرح مدينة العاذرية بديلاً، وعمل استيطان أفقي في منطقة شرق القدس، فكل ذلك من إجراءات سياسة الأمر الواقع، وهم قد بدأوا بالفعل بتنفيذ مثل هذه الاجراءات.