دلالات وتداعيات فوز نتنياهو بالانتخابات.. بقلم: د.خلود أديب

دلالات وتداعيات فوز نتنياهو بالانتخابات.. بقلم: د.خلود أديب

تحليل وآراء

السبت، ١١ مايو ٢٠١٩

لم يأت فوز بنيامين نتنياهو بالانتخابات التي جرت في 9 نيسان المنصرم مفاجئاً على الرغم من تزعزع موقفه في استطلاعات للرأي العام الاسرائيلي عشية الانتخابات التي انطوت على تحدٍ قويِ تمثل بخصومه في تحالف وسطي. وتمكنه  النتائج من البقاء بولاية خامسة في المنصب الذي يشغله منذ أكثر من عشر سنوات، بالرغم من اتهامات الفساد التي تلاحقه. ويتطلع نتنياهو الآن على ما يبدو لتشكيل ائتلاف حكومي يميني.
وعلى الرغم من أن حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو سيتساوى في عدد مقاعد البرلمان التي سيحصل عليها منافسه الرئيسي في تحالف (أزرق وأبيض) بيني غانتس، إلا أن تحالف الأحزاب اليمينية الصغيرة سيمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي من الحصول على حوالي 65 مقعدا من أصل 120 مقابل 55 مقعداً لكتلة الوسط. وما لم يعدل غانتس، وهو جنرال سابق يبلغ من العمر 59 عاماً، عن تعهداته الانتخابية بالنأي عن نتنياهو، وينضم إليه في ائتلاف واسع في المستقبل، فإنه سيرأس على الأغلب معارضة برلمانية من يسار الوسط.
على أي حال، تراجع عدد المقاعد التي فازت فيها الكتل من حزب نتنياهو اليميني خلال انتخابات هذا العام. فقد أتت نتائج أحد الأحزاب الذي دعا إلى بناء "معبد يهودي ثالث" دون النسبة الحاسمة للانتخابات بكثيرٍ، وكذلك هو الحال بالنسبة للناقد المتشدد البارز نفتالي بينيت، وزير التربية الذي نالت كتلته ثمانية مقاعد في الحكومة السابقة (ويدعو لإعادة فرز الأصوات).  
وللمرة الأولى منذ ثمانينيات القرن الماضي، لم تحصد أي من أحزاب اليمين الأصغر حجماً في إسرائيل مقاعد مزدوجة الرقم. مع ذلك، حصد حزبان متدينان متطرفان، هما "شاس" و"يهودية التوراة المتحد"، مجتمعان 15 مقعداً. ويعتبرهما نتنياهو شريكين مناسبين للائتلاف إذ يركزان أكثر على تمويل مدارسهما ومشاريعهما الخاصة بالرفاه الاجتماعي أكثر منه التأثير في السياسة الخارجية أو المجال الأمني. لكن نظراً إلى قوتهما الانتخابية، فالسؤال هو هل سيدفعان ثمناً لمساهمتهما في فوز الائتلاف؟
في الواقع، فإن التوترات بين الدين والدولة قد تكون هي المجال الوحيد الذي يمكن أن يسود فيه الخلاف في حكومة نتنياهو المقبلة. حيث يُتوقع قريباً، أن يحضّ أفيغدور ليبرمان، رئيس الكتلة الائتلافية "إسرائيل بيتنا"، على سنّ قانون من أجل فرض غرامات مدنية أو أكثر على العديد من اليهود المتشددين الذين لا يخدمون في الجيش كما هو مطلوب من المواطنين الإسرائيليين الآخرين. وستعارض الأحزاب المتشددة بقوة هذا التشريع. كما من الممكن أن تتجاوز الحدود على نحو أكبر من خلال السعي إلى فرض قيود على الاتجاهات الدينية غير المتشددة الأمريكية المنشأ عموماً في إسرائيل (على سبيل المثال، الجماعات اليهودية الإصلاحية أو المحافظة). وإذا حصل ذلك، قد يؤدي الأمر إلى خلاف مع اليهود الأمريكيين غير المتشددين في الدرجة الأولى. كما سيشعر العديد من اليهود بالامتعاض في حال عيّن كبير مساعديه ياريف ليفين في منصب وزير العدل الجديد، نظراً إلى أن هذا الأخير لم يخفِ نفوره الكبير إزاء الاستقلال عن الجسم القضائي في إسرائيل. 
وإذا ظلَّ نتنياهو في القيادة فإنه سيُصبح أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاءً في السلطة، في تموز، ليتفوق بذلك على دافيد بن جوريون مؤسس الدولة العنصرية، لكن هذا قد يفسد إذا واجه اتهامات جنائية وتمت الإطاحة به. وإذا تم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة سيحاول تمرير التشريع المعلق (ما يسمى بـ "القانون الفرنسي") الذي سيمنحه الحصانة من الملاحقة القضائية على خلفية اتهامات فساد تلوح في الأفق ضده. وبدلاً من ذلك، قد يسعى إلى التوصل إلى صفقة مع القضاء.
وكان نتنياهو قد انخرط في خطاب شعبوي، اعتبره النقاد بمثابة شيطنة للعرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص وغيرهم. إذ أطلق تعهدًا مثيرًا للجدل قبل الانتخابات بثلاثة أيام فقط، عندما قال إنه يعتزم ضم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة في حال فوزه. كما أضفى طابعاً شخصياً على الانتخابات من خلال استخدام شعارات على غرار "نتنياهو، تحالف رفيع المستوى"، مشدداً على كفاءته وحزمه. وبدا واثقاً من أن الشعب سيتغاضى عن ادعاءات الفساد إذا ذكّره بقدرته على التحدث بنبرة صارمة وعلى إبقاء بلاده في الوقت نفسه بمنأى عن الحرب.
كما عوّل نتنياهو على حشد الدعم بفضل النجاح الاقتصادي في إسرائيل. فوفقاً لـ "البنك الدولي"، تخطى إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد في البلاد 40 ألف دولار في عام 2017، متجاوزاً بذلك اليابان.
وفي حال وفى بتعهده فإن توسيع السيادة الإسرائيلية على نطاق واسع في الضفة الغربية المحتلة سيؤدي في النهاية إلى إنهاء آمال الفلسطينيين بالفعل بحل الدولتين، وهي خطوة طالما دافع عنها اليمين المتطرف في إسرائيل  وتجاهلها نتنياهو وكانت سبباً بسحب البساط من تحت الاحزاب المتطرفة في الانتخابات.
ويرى مراقبون في هذا السياق أن فوز اليمين في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، من شأنه وأْد ما تبقى من عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، القائمة على خيار "حل الدولتين".  ورأت المصادر ذاتها أن المجتمع الإسرائيلي انحاز لليمين المتطرف، ولبقاء الاحتلال. 
كما علقت صحف غربية على نجاح بنيامين نتنياهو لفترة خامسة قائلة: "لقد أدارت إسرائيل بهذه الانتخابات ظهرها بقوة لعملية السلام، ولحلم حل الدولتين في الصراع مع الفلسطينيين".
بصرف النظر عن أسباب فوز نتنياهو، فقد كان الفلسطينيون هم الخاسر الأكبر من الانتخابات الإسرائيلية التي كانت بمثابة استفتاء لم يشاركوا به على مصير أراضيهم.
وتعليقاً على النتائج، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات «صوّت الإسرائيليون ببقاء الحال على ما هو عليه». 
وأضاف: «لقد قالوا لا للسلام، ونعم للاحتلال».
وفي تغريدةٍ له عبر موقع تويتر قال عريقات: «صوت الناخب الإسرائيلي للتفرقة العنصرية، من الاستطلاع الأولي، هناك فقط حوالي 18 مقعداً من الـ120، يؤيدون مبدأ الدولتين على حدود 1967».
في المقابل، قال حليفه المقرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي تبنى سياسة منحازة لصالح إسرائيل وأيد نتنياهو علناً، إن فوز الأخير بولاية خامسة يمنح عملية السلام التي طال انتظارها في البيت الأبيض "فرصةً أفضل".
وسلط نتنياهو في سباقه المحموم للفوز الضوء على علاقته الوثيقة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أظهر دعمه غير المشروط عندما أصدر قرارات مثيرة للجدل وتخدم السياسات اليمينية المتطرفة في إسرائيل والذي أسعد الإسرائيليين وأثار غضب الفلسطينيين عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في عام 2017، ونقل السفارة الأمريكية إليها في أيار 2018.
وقبل أسبوعين من الانتخابات، وقّع ترامب إعلاناً، ونتنياهو يقف بجانبه في البيت الأبيض، يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة التي انتُزعت من سورية في حرب عام 1967. 
وفي حين اعتبر المحللون على نطاق واسع أن وعد نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة لا يعدو كونه محاولة لجذب أصوات ناخبي تيار اليمين وليس تغييراً في السياسة، إلا أنه وبالنظر ألى قرارات ترامب حيال القدس والجولان، فقد يتجرأ رئيس الوزراء على الدعوة لضمّ المستوطنات في الضفة... يتبع