خطوط «أستانا» الأيادي على الزناد.. بقلم: سيلفا رزوق

خطوط «أستانا» الأيادي على الزناد.. بقلم: سيلفا رزوق

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ مايو ٢٠١٩

وفقاً لكل المؤشرات والتحليلات والدلالات، أخرجت أنقرة ما في جعبتها، وأعلنت عن خيارها الأميركي في المنطقة، رغم كل محاولات التعمية والمماطلة التي قادتها طيلة فترة «أستانا»، لتكريس أمر واقع تركي شمال سورية، يفرض شروطاً جديدة للتفاوض في لحظة سياسية ما، وفقاً للحسابات التركية.
عودة إدلب إلى دائرة الضوء الميداني، مع تواتر الأنباء عن قرب إطلاق الجيش السوري عملية عسكرية كبيرة في تلك المنطقة، فتح الباب واسعاً أمام سيل من التساؤلات والتكهنات حول طبيعة ومستقبل العلاقة القائمة بين أطراف «أستانا» الضامنة، وتحديداً العلاقة بين تركيا وروسيا، مع مجاهرة الطرف الروسي بعدم تنفيذ أنقرة لالتزاماتها بخصوص «سوتشي»، وانفتاح تركيا على خيارات أميركية المنشأ «شرق الفرات»، شكل اجتماع «عين عيسى» أول نتائج هذا الانفتاح، خصوصاً أنه أعقب زيارة غامضة النتائج قام بها المبعوث الأميركي جيمس جيفري إلى أنقرة قبل أيام.
اللحظة التركية المتوقعة، «على الأقل سورياً»، وذهاب الخيار التركي صوب قلب المعادلات باتجاه واشنطن، استدعى رداً ميدانياً سريعاً، ستشكل فيه إدلب العنوان الرئيسي للفترة القادمة، فيما سيشكل «شرق الفرات» العنوان الأخطر له في المرحلة التالية، على ما تحمله تلك المنطقة من تعقيد وتضارب في المصالح، وحاجة سورية ماسة لاستعادة الأرض والثروة، وقطع الطريق على آخر الأحلام الأميركية التركية، وأيضاً الانفصالية «الكردية» هناك.
الجانب الروسي والذي حرص طويلاً على محاباة أنقرة في مفاصل ميدانية عديدة، قرر بدوره خلط الأوراق، وتوجيه أول إنذار للمصالح التركية، معلناً دعم عملية استئصال أدواتها من مناطق الشمال، وإخراج ملف إدلب من اليد التركية، الساعية بكل ما أوتيت من قوة للاستحصال على دعم أميركي يجيز لها تنفيذ باقي أحلامها شمال حلب والحسكة والحصول على « منطقة آمنة» تكرس احتلالها لأجزاء جديدة من الأراضي السورية.
ما يجري شمالاً وعلى سخونته، والتحرك الأميركي للتقارب مع أنقرة، وأيضاً محاولة استجماع ما تبقى من عشائر لتحريك الميدان شرق الفرات، تزامن مع مشهد لا يقل سخونة يجري اليوم في البادية السورية وتحديداً على الحدود السورية العراقية، حيث السعي الأميركي المستميت لا يزال قائماً لقطع الطريق على أي محاولة لاستعادة الحدود المشتركة بين البلدين، وبالتالي الانفتاح برياً على طهران، وما يحمله ذلك من نتائج ليست من مصلحة واشنطن بطبيعة الحال.
التحركات الميدانية الأميركية الأخيرة إذاً، ومحاولات واشنطن المتجددة لخلط الأوراق استدعى رداً مقابلاً، تحتاجه وتطلبه دمشق منذ زمن، عبرت عنه التصريحات الأخيرة لنائب وزير الخارجية فيصل المقداد بقوله: إن دمشق «لن تسمح لتركيا بالسيطرة ولو حتى على سنتيمتر واحد من الأراضي السورية»، و«على الجانب التركي أن يعلم أننا لن نقبل ببقاء الجماعات المسلحة في إدلب».
المعطيات السياسية الإقليمية المتغيرة سريعاً، تنبئ وبما لا يدع مجالاً للشك، بأننا على أعتاب صيف ساخن، سيحسم الكثير من الملفات والمواقف العالقة، فرضه الأداء الأميركي التصعيدي في سورية، والحاجة التركية الداخلية الماسة للهروب صوب الخارج، والاستحصال على الرضى الأميركي المطلوب، ومعه رفع واشنطن لسقف التصعيد أيضاً مع إيران، والتحضيرات الجارية لإعلان «صفقة القرن»، كلها عوامل تضع المنطقة والإقليم على حافة خطيرة، يبدو فيها الانتصار الميداني في إدلب ضرورة، لتسجيل نقطة ميدانية سورية روسية جديدة على حساب السعي الأميركي المتجدد، لتكريس أمر واقع يتناسب مع ما يجري الإعداد والتحضير له على غير صعيد.
خطوط التماس «شمالاً» بدأت بالاشتعال، والمآلات القريبة للحل وكيفية الوصول له، يبدو من الصعب التنبؤ بها، لكن لغة النار والبارود هي أحد أوجه السياسة وكما يعرف الجميع.