«خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء».. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

«خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء».. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣٠ أبريل ٢٠١٩

كثيرة هي الساعات في المنطقة التي راحت تضبط منبهاتها قبل حين لكي تذكر أصحابها بصبيحة يوم الثالث من أيار القادم، اليوم الذي ستدخل فيه العقوبات على إيران مرحلتها الثانية الأعتى، فقد بات من الواضح أن واشنطن قد اختارت معالجة «الورم» الإيراني عبر طب «السنطه» الشعبي الذي يقوم على شد شعرة ذيل الحصان حول الورم لقطع الدم الوارد إليه ما يؤدي إلى تساقطه تلقائياً، في مسار يرجح ابتعادها عن استخدام الحل العسكري تجاه طهران مما تؤكده مؤشرات عديدة، إلا أن ذلك لا يعني أن هذا الخيار الأخير هو عند مؤشر الصفر، وخصوصاً إذا ما تدافعت التطورات في اتجاهات تشنجية يبدو أن تراسيمها تشير في بعض محطاتها إلى هكذا منحى، فالمنطقة تبدو وكأنها تستعيد مناخات الستينيات من القرن الماضي، وفي ذاك يمكن لحظ ملمحين اثنين دالين على ما سبق ذكره، أولهما التركيز على الصورة التي أرادت واشنطن إبرازها لقائد الحرس الثوري الإيراني الجديد الجنرال حسين سلامي، وفي متابعتها يحاول القيمون على الرسم إبراز تصريحات لهذا الأخير كان قد هدد فيها بمحو إسرائيل عن الوجود إذا ما هاجمت إيران، ثم يضيف الرسامون إن سلامي سبق له أن نصح الإسرائيليين بتعلم السباحة لكي يتسنى لهم الهرب مما سيلحق بهم، هذا الخطاب يذكر بشبيه له كان قد ساد منتصف الستينيات من القرن الماضي وفيه نسب إلى مسؤولين مصريين تصريحات تتوعد الإسرائيليين بإلقائهم في البحر في أي حرب مقبلة، وعلى الرغم من أن تحقيقاً موسعاً كان قد فتح لأجل التحقق من هكذا تصريحات وفيه لم يثبت صدور أي تصريح ولو قريباً إلى هذا المعنى على لسان أي مسؤول مصري، إلا أن تلك الحالة كانت قد أفضت إلى مناخ غربي شكل مدخلاً أساسياً لعدوان حزيران 1967، فـ«الشائعة» تلعب في لحظة من اللحظات دور الحقيقة وهي تؤدي الغرض المطلوب منها تماماً، ومن المؤكد أن المناخ العالمي المحيط بأي صراع شديد التأثير فيه بل من الممكن له أن يحسم نتيجته حتى قبل أن تبدأ جولاته الميدانية، وثانيهما التصريح الذي أدلى به قائد القوات البحرية الإيراني علي رضا تنكسيري الذي هدد فيه بإغلاق مضيق هرمز إذا حرمت بلاده من الاستفادة منه في خطوة تذكر بقرار الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر إغلاق مضائق تيران أمام الملاحة العالمية في أيار من عام 1967 الأمر الذي شكل الذريعة الكبرى لعدوان حزيران سابق الذكر.
في إدارة أي صراع سياسياً كان أم عسكرياً تكمن المهمة الأولى الملقاة على عاتق صانع القرار السياسي في تحديد، والتعميم أو الإبهام هنا شديد الخطورة، أي مشكلة أو أزمة عليه مواجهتها، وهو، أي التحديد، يجب أن يستوعب أصول وجذور المشكلة ويرصد حركتها المستقبلية، بينما المهمة الثانية تتمثل في أن يكون هناك عداد حساب لا يدركه الخطأ لجميع الأطراف الداخلة في الصراع، وما أهدافهم منه، ثم ما قدراتهم على التدخل فيه.
لا يمكن بأي حال من الأحوال فصل المواجهة الأميركية الإيرانية المرتقبة عن المواجهة الأميركية الصينية الصامتة إلا في بعض فصولها التجارية والتي لا تزال المحاولات جارية لإبقائها في هذا السياق، فواشنطن ترامب، وكذا كانت واشنطن أوباما لكن مع اختلاف في الأدوات والمعالجة، ترى أن الجغرافيا الإيرانية تمثل مفتاح T يمكن له أن يلعب دور الوصل عندما يكون في وضعية الفتح، ودور الفصل عندما يكون في وضعية الإغلاق بوجه التمدد الصيني الطموح الذي يمثله مشروع «الحزام والطريق» النسخة الجديدة من طريق الحرير القديم، ولذا فإن من المستحيل اليوم، وفق رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إيجاد تسوية مع طهران إلا في نطاق تسوية كبرى مع بكين لا تزال بعيدة حتى اليوم ما دام المطلوب أميركيا هو تراجع الصين إلى المواقع التي لا تستطيع فيها تهديد الهيمنة الاقتصادية الأميركية على العالم أو إبطال مفعول هراوة الدولار.
دون أدنى شك كانت حماوة «3 أيار» ضاغطة على محادثات أستانا 12 التي لم تكن بحاجة أصلاً لعوامل ضاغطة عليها، فقد كان من غير المتوقع أن تأتي بنتائج يمكن أن تصب في خانة التقدم خطوة ولو واحدة إلى الأمام، والشاهد هو أن بيان الجولة الختامي كان قد سجل خلافاً حول إدلب بل حتى فيما يخص تشكيل اللجنة الدستورية التي تم ترحيلها هي الأخرى إلى اجتماع لاحق لم يحدد موعده وأن تحدد مكان انعقاده في جنيف، والجدير بالذكر هنا في هذا السياق هو أن المبعوث الروسي الكسندر لافرنتييف كان قد عزا إخفاق التوافق فيما يخص اللجنة الدستورية إلى «نقاط غير واضحة» قال إنها أعاقت ذلك التوافق، وإذا ما كان مثل هذا التصريح مبرراً إعلامياً فهو بالتأكيد غير واضح في دوائر السياسة، والراجح هو أن ثمة رهاناً روسياً كان قائماً على أساس أن لحظة 3 أيار ومعها كل ضغوط الاقتصاد سوف تدفع بطهران نحو تقديم تنازلات كبرى بشأن التسوية السورية.
هناك في الأفق مؤشرات عديدة على وجود محاولات حثيثة لربط التسوية السياسية في سورية بالتسوية المفترضة للصراع السوري الإسرائيلي، الأمر الذي يمكن لحظه عبر ملمحين اثنين أولهما زيارة لافرنتييف الأخيرة إلى دمشق قادماً من الرياض التي التقى فيها ولي عهدها محمد بن سلمان، وفيها كانت تقارير قد ذكرت أن المبعوث الروسي قد حمل رسالة إيجابية إلى الرئيس بشار الأسد، بينما قالت تقارير أخرى إن ما حمله يرقى إلى مبادرة سعودية تجاه دمشق جديدة في مضامينها، والراجح أن لافرنتييف كان قد حمل صيغة معدلة عن تلك التي جاء بها الرئيس السوداني السابق عمر البشير إبان زيارته الأخيرة لدمشق أواخر العام الماضي بإيماءة سعودية أكيدة، ولا يبدو أن لافرنتييف قد عاد برد أفضل من ذاك الذي عاد به البشير والذي كان الدافع الأهم في تحشيد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ضد دمشق لمنعها من حضور قمة تونس المنعقدة أواخر آذار الماضي، وثانيهما ما قاله مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد لوفد لبناني التقاه مؤخراً في بيروت عندما أشار إلى أن حل أزمة اللاجئين السوريين مرتبط بالتسوية السياسية، وعلى الرغم من أنه أوضح أن المقصود بذلك هو التسوية السورية إلا أن محضر الاجتماع الذي نشرته الأخبار اللبنانية 12 نيسان الجاري يشي بغير هذا المعنى.