الراقصة والصدر الكرتوني والموظف المسؤول .. بقلم: ميس الكريدي

الراقصة والصدر الكرتوني والموظف المسؤول .. بقلم: ميس الكريدي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ أبريل ٢٠١٩

أثناء انتظار الكهرباء ..ثلاثا بثلاث ..ساعات ثلاث تغذية , وساعات ثلاث انقطاع ..
عادت بي الذاكرة إلى الشمعة فوق الطبلية  , وأنا تلك الطفلة ذات السنوات الخمس, في الصف الأول , ووالدتي معلمة تقوم خطي لتضعني على درب التفوق ..
تلوح الشمعة  وتغيب حركة قلم الرصاص, وحروفي تزوغ مني في زوغان النظر بسبب العتمة ..
و الشيء بالشيء يذكر , بين اللدات والبطارية وبين شمعتي التي تذوب وأمي لا تملك الكثير من الشموع أصلا, فأستحضر مشاهد فيلم عربي أحبه حيث البطلة هي تلك المرأة المثيرة الجميلة نبيلة عبيد وفيلم الراقصة والسياسي ,
وقد مكنتنا القناة الثانية بعد افتتاحها من متابعة الأفلام العربية , حيث كانت تعرض فيلما عربيا بعد مسلسل الاطفال حوالي السابعة مساء كل يوم جمعة .
في قصة فيلم نبيلة عبيد
 تختلف هي الراقصة  مع السياسي فيقرر إزعاجها ويسلط عليها بوليس الآداب  لتقضي ليلة على كرسي في أحد أقسام الشرطة ,
وتقول لخادمها المتأثر على ما حصل لمعلمته ردا على مواساته له وإعلان لتصميمها على الحصول على ما تريد  : ((كده رضا 
كرسي وتفاح ..زمان جعت ونمت ع الأرض وكنت أتمنى خيارة  مش تفاحة ))
واذا كان غريبا أن أستخدم مقارنة بين واقع راقصة وواقع حالنا فهو أولا على سبيل المثال , وثانيا تعبير عن تعاطفي معها واقعا وظرفا وحتى  مع قصة الفيلم لأن مشكلتها مع السياسي سببها إصرارها على فتح ملجأ للأطفال .والرفض فقط لأنها راقصة , مع أن مالها قد يكون أنظف من مال فاسدي الاقتصاد ومهربي المخدرات وتجار الأزمات . 
وتظهر الطريقة التي حاسبها بها موظف تقليدي يرى فيها عهرها تشبه عهر شوارع القهر والتخلف ونفاقها , حيث كونها امرأة فالشرف هو معيار التعامل معها والشرف محصور في فروج النساء , وهذا الموظف كان يرى فيها فقط جسدها وفرجها .
وبما أن الشيء بالشيء يذكر أيضا , فسأعرج على قصة الصدر الكرتوني الذي تسبب في اعتذار رسمي وشغل  مواقع التواصل الاجتماعي بين مع وضد , ولو أن السمة العامة للجدل هو سخافة من جعلوا منه حكاية رأي عام بسبب الاعتذار الرسمي الذي صدر .
والقصة بيسساطة صورة مألوفة في أذهان أجيال نحن منها في مسلسل كرتوني مكرر ومكرر  على شاشة الاعلام الوطني الرسمي منذ أيام القناة الأولى الوحيدة .
حيث ظهر صدر صديقة  ساسوكي وهما طفلان في مرحلة الناشئة حسب ماأذكر من المسلسل الكرتوني.
وعلى الفور التهبت المواقع بغرائز غير مبررة ورفعت الأقلام وجفت الصحف , وتنافحت الغرائز شرفا.
قد يكون الأكثر استفزازا في القصة هي أنها غير مسبوقة لتكشف سلوك مؤسساتي قد يكون غير مقصود إلا أنه يقدم إيحاء كبير على انحياز واضح للتيارات المتخلفة وخوف من غضب تلك التيارات .
وهذا السلوك هو ابتلاع للنصر وإنكار له وقد يكون مجرد ارتجال سببه عقد المجتمع النفسية , إلا أن الأداء الذي يحتمل أي رمزية لسلوك مؤسسات الدولة أو فكرها , سواء ارتجالي أو متعمد لكنه مقلق ومجهض لما نطرحه عن نهاية الحرب لصالح الدولة .
ولشدة الاستفزاز أمام السخافة والغرائزية  التي لاقى لها بيان الاعتذار وهو مبرر من ناحية الظرف الموضوعي وحالة الحصار النقدي لكل شيء والاستهداف المبرمج لمؤسسات الدولة ,
بالمقابل ليس مبررا أن نمشي خلف عقلية طالبان وأن نخاف من مواجهة  مستدامة ,عبر سياسات تفضي إلى شكل الدولة التي نريد , والمقلق أكثر أن يكون شكل الدولة التي نريد هي دولة دينية .أو هذا ما تبدو عليه من خلال الأداء مؤخرا.
الحقيقة القائمة بين الطرحين هي واقع الجهل وصدى الحرب وارتكاساتها وانتكاساتها حيث عم الجهل والتخلف وتراجعت 
أنواع التكنوقراط الذين كانوا يقودون البلاد ودخلنا في شخصيات بمعظمها مفرزات أزمة , وهنا تبرز عقلية الموظف المتخلف الذي يشبه  الموظف الذي ذكرته في فيلم الراقصة والسياسي , ليصبح قادرا على التعطيل وبث السموم في مفاصل الدولة عبر أداء رديء ومتخلف , وقد تكون أبعاده تعاطف مع التيار الاسلامي أو خوف منه .
الذي يجب محاسبته هو هؤلاء الذين بدل أن يقودوا الرأي العام ويوجهونه كما هو واجبهم أصبحوا منقادين خلف هذا الشارع وفي حالة رعب منه.