قراءة موضوعية للواقع العربي.. بقلم: حياة الحويك عطية

قراءة موضوعية للواقع العربي.. بقلم: حياة الحويك عطية

تحليل وآراء

الجمعة، ١٩ أبريل ٢٠١٩

في نشأة الحركة الصهيونية كتب جابوتنسكي في”جدار الفولاذ” الذي يعتبر مانيفستو اليمين الإسرائيلي : ” سيظلّ هؤلاء الفلسطينيون يقاتلوننا، كما يقاتل كل السكان الأصليين المحتلين ، الاحتلال، إلى أن نتمكّن من القضاء على آخر بارقة أمل لديهم”.
كما يمكن أن تستفزّ العقل قراءات “نعامية” للواقع العربي، كذلك تستفزّه أيضاً قراءات تيئيسية لا تصبّ في النهاية إلا في المخطّط الصهيوني للمنطقة.
في نشأة الحركة الصهيونية كتب جابوتنسكي في”جدار الفولاذ” الذي يعتبر مانيفستو اليمين الإسرائيلي :”سيظلّ هؤلاء الفلسطينيون يقاتلوننا، كما يقاتل كل السكان الأصليين المحتلين، الاحتلال، إلى أن نتمكّن من القضاء على آخر بارقة أمل لديهم”.
وقبل حوالى ربع قرن نشرَ بنيامين نتنياهو كتابه :”أمن وسلام – استئصال الإرهاب”وكان بمثابة مانيفستو المرحلة التالية من الحرب الإسرائيلية – الغربية ضد الدول العربية والاقليمية الداعمة لمبدأ المقاومة ضد إسرائيل.
بين هذين التاريخين سيلٌ من الحروب النفسية التي تتكىء – فيما تتكىء على قاعدة التيئيس التي تشكّل حجر الزاوية في المشروع الصهيوني .
وباستعراض تراتُبي لما أورده نتنياهو في هذا الكتاب (وهو أهم بكثير استراتيجياً من ” مكان تحت الشمس”) نجد أن واقع العالم العربي والإسلامي قد تدحرج خلال هذه السنوات بشكلٍ مأساوي وفق ما خطَّطت له الأنتلجنسيا الصهيونية، التي لم يكن نتنياهو إلا ناطقاً بإسمها ، وقد اعترف بنفسه في هذا الكتاب بتتلمذه على آخرين من مثل موشيه أرينز .
من هنا تنشأ المُعضلة الصعبة في الخطاب السياسي والإعلامي حول كيفية تناول هذا الواقع. فلا إخفاء الرأس في الرمال ، على طريقة النعامة، ينفع في مواجهة الكوارث التي حلّت بنا. ولا تناول هذه الكوارث بطريقةٍ استعراضيةٍ تهويليةٍ دعائيةٍ بجائز لأنه يصبّ في خدمة سياسة التيئيس التي لا يريد الإسرائيلي شيئاً أكثر منها. حتى ولو أن المُيئسين شتموه ليل نهار، طالما أنهم يخدمون حربه النفسية على قاعدة : إن كنت تدري …….
الحل الصعب، بين الخيارين، هو اللجوء إلى العقل التحليلي والخطاب الذي يفرز السلبي من الإيجابي ، ويُفسّر كلاً منهما ، ويُدلّل في النهاية إلى كيفية المحافظة على هذا، والتخلّص من ذاك. وهذا ما يناقض تماماً الخطاب الوَصفي الذي لا يتعدّى قراءة عناوين الصحف.
نتنياهو خصَّص كتابه المذكور لعنوان عريض:”ليست التنظيمات غير الحكومية هي المسؤولة عن الإرهاب الذي يُمارَس ضد إسرائيل والغرب بل الدول. ( إسرائيل والغرب : هم لا يكرهون الغرب بسبب إسرائيل، بل يكرهون إسرائيل بسبب الغرب – يكتب ويكرّر) ، وهم لا يمارسون الإرهاب لأنهم ظُلموا بل لأن ثقافة العرب والإسلام هي ثقافة إرهابية. والنتيجة أنه على الدول الغربية أن تقوم بأمرين : الأول ، الحد قانونياً من الحريات الفردية في المُعتقد والرأي والتعبير والحركة.
الثاني، على الولايات المتحدة والغرب أن يساعدا إسرائيل، بالقضاء على الدول الراعية للإرهاب . وهنا يكمُن بيت القصيد ، حيث يُخصّص الكتاب فصلاً لكل من هذه الدول: العراق ، السودان، ليبيا، سوريا وإيران . أما فلسطين فالمطلوب بحسبه ، إسقاط أوسلو وحَشْر المقاومة في ما أسماه “جيب غزّة” والانتهاء من مشروع الدولة الفلسطينية التي تضمّ الضفة والقطاع ، عبر التسريع في الاستيطان وضمّ القدس ومن ثم إلحاق الضفة.
في كل من هذه الفصول يناقش الرجل المشروع بالتفصيل، ويُحدّد الخطط ويضع المُهَل الزمنية، بحيث يتوقّع الانتهاء من المشروع كله عام 2000
بمراجعة تيئيسية ، نقول، لقد تحقّقت الاستراتيجية الإسرائيلية كلها ، احتّل العراق بقيادة فعلية من بول وولفوتز ورتشارد بيرل (صهيونيان) وقسّم السودان ، وبعد أن دمّره البشير جاءت ” الثورة” لترميه في أحضان ضباط مرتبطين أميركياً، إما مباشرة وإما عبر الإمارات العربية المتحدة. دُمّرت ليبيا بقيادة الصهيوني برنار هنري ليفي، والصهيوني نيقولا ساركوزي، وأخيراً تم تدمير سوريا بمؤامرة لا تقلّ عن المؤامرة على العراق. وها هي المرحلة الأخيرة : إيران تنفذ بشتّى أنواع الحصار والضغوط والتآمر الإسرائيلي الأميركي .
وإذا ما مضينا إلى العلاقات الخارجية ، لقلنا ها هو رئيس الأرجنتين يزور إسرائيل ، ومثله الرئيس الهندي . إذاً خسرنا الداخل والخارج . وما علينا إلا دبّ الصوت والبكاء على الأطلال ودعوة الجميع إلى الانبطاح والزحف إلى القبر.
غير أن مراجعة نقدية لكل هذا المأتم تهمل أمرين أساسيين : الأول وجود النقاط المُضيئة في الواقع العربي والاقليمي . والثاني ، مناقشة أسباب الضعف وكيفية تحويل النضال الوطني إلى مكافحتها والانتقال إلى وضع أفضل . فهل وضعنا أسوأ من وضع اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ؟ وهل الحصار أسوأ من حصار كوبا طوال نصف قرن ؟ أو حتى من وضع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؟
في البُعد السياسي البحت : توقّع نتنياهو استكمال مشروعه عام 2000 فكان عام 2000 عام تحرير جنوب لبنان، تلته حربان لإنهاء المقاومة وفشلتا. توقّع انفجار لبنان من جديد، وها هو لبنان يتراجع عن التفجير بحكمة كلما بلغ حافة الهاوية، توقّع وخطّط لإلحاق العراق بإسرائيل بعد الاحتلال وها هو العراق يتّجه بحيِّزٍ كبيرٍ من قواه باتجاه سياسة المقاومة، وباتجاه إعادة بناء نفسه بعد أن أخرج الأميركي بنسبةٍ كبيرةٍ منه. حتى مشروع فصل كردستان أُفشل. ( من دون أن يعني ذلك تجاهل التفكّك والفساد والمُحاصصة الطائفية ).
توقّع سقوط إيران عام 2000 وقال حرفياً ، إنه إذا تركت هذه البلاد بعد هذا التاريخ فسيصبح من المستحيل القضاء عليها. فوصلت بعده إلى عقد الاتفاق النووي. ( من دون أن يعني ذلك تجاهل الحصار والمخاطر المُحدقة).
توقّع تدمير سوريا بدءاً من تدمير الدولة للسقوط في فوضى ما قبل الدولة، وتدمير الجيش في بلد يتمتّع بجيش عقائدي تاريخي على تخوم الاحتلال، وتدمير الاقتصاد في بلد كان يتمتّع باستقلال اقتصادي، وتدمير البنية الاجتماعية في مجتمع نظام حُكمه مدني بعيد عن المُحاصصة الطائفية والعرقية، وكاد ينجح، بعد أن حشدت الصهيونية والأمرَكة نصف دول العالم لتحقيق هذا المشروع. لكنه فشل … نعم فشل بخسائر هائلة ، وفشل بمساعدة أجنبية ، ولكن : هل انتصر الفرنسيون على هتلر من دون مساعدة الحلفاء وإنزال النورماندي؟ وهل خرجوا من الحرب إلا مُدّمرين؟ وهل صمد وقاتل الفيتناميون من دون دعم خارجي؟
يبقى البُعد الآخر : الدول التي لم يتناولها نتنياهو لأنها دخلت في معاهدات استسلام ، أين شعوبها من التطبيع ؟ هل تمكّنت إسرائيل من المشاركة في السوق أو في فعالية ثقافية أو فنية في مصر أو في الأردن ؟
تبقى فلسطين . نعم وضعها هو الأسوأ. ومناقشته تطول . ولكن ألا نرى شيئاً في هؤلاء الشباب الذين يُصرّون على التصدّي رغم كل هذا الإحباط؟
أخيراً . التركيز على زيارة رئيسين ، هندي وأرجنتيني، هي مسألة سطحية ، فمعروف أن كلاهما يمثل اليمين النيوليبرالي في بلاده ، ونجح في الوصول إلى السلطة بدعمٍ أميركي صهيوني. فلا هما نهرو ولا دي سيلفا.
المقلب الثاني من النقاش ، وهو عرض وتحليل الأسباب الداخلية، الكامِنة فينا، نحن دول الهلال الخصيب ومصر ، وفي دول العالم العربي الداعمة، إنه أمر يدخل في باب مناقشة شروط قيام نهضة في أية أمّة من الأمم . ما غاب ويغيب عنا من هذه الشروط، وما يشكّل خطورة السوس الذي ينخر قوانا، وما أثبت نفسه من إيجابيات هائلة مُقارنة بصعوبة المواجهة، كل ذلك لا بد من تحليله والدعوة إلى التصدّي لإحلاله. بدلاً من الاكتفاء بالحديث عن الجانب العسكري والآخرين. باختصار ما هو مشروع النهضة الذي سيمكّننا من الخروج‏‏ من محنتنا؟ إلى التالي.
الميادين