إدارة الأزمة... وأزمة الإدارة.. بقلم: د. خلود أديب

إدارة الأزمة... وأزمة الإدارة.. بقلم: د. خلود أديب

تحليل وآراء

الخميس، ١٨ أبريل ٢٠١٩

سأتوقف في مقالي مؤقتاً هذا عن إتمام السلسلة التي كنت بصدد بحثها والتي تتمحور حول وجعنا الوطني المزمن وهو جولاننا السوري وصراعنا الطويل والمستمر مع العدو الاسرائيلي لأتعرض إلى وجع المواطن العادي والذي فرضته الظروف التي تعصف به حالياً. 

لا يمكن نكران حجم الأزمة التي فرضت على سورية في خضم الحرب عليها بكل أبعادها العسكرية والجغرافية والدويمغرافية والسياسية والاجتماعية والفكرية، ناهيك عن أبعادها الإنسانية والاقتصادية وغيرها. سلسلة من الأزمات الصغيرة تجمعت بحاوية الأزمة الأم. وكأنه قد ألقي على سورية قنبلة عنقودية هائلة الحجم لتنتشر في أرضها قنابل صغيرة منها ما قد انفجر مخلفاً أضراراً تم احتواء جزء منها، وكمية أخرى قد انفجرت ولا نعلم حجم الأضرار بعد والقسم الأخير مخبأ بانتظار تفعيل فتيلها الصاعق. والطامة الكبرى تكمن في أننا في إدارتنا لهذه الأزمات الصغيرة - إذا صح التعبير- ننزع فتيل الأمان بوعيٍّ وإدراكٍ أو بجهلٍ مدقعٍ أو بمزيجٍ من الاثنين معاً. الأمر سيان بالنظر إلى النتائج ولكن التفريق بينهما يحدد مستوى المسؤولية والمحاسبة. 

فن إدارة الأزمة يحتاج إلى علمٍ ومعرفةٍ ومهاراتٍ وخبراتٍ وقدراتٍ على مع التواصل والتفاعل مع الجمهور أثبتت التجربة أن الإدارة تفتقر إلى عناصرها جميعاً. وليس أدل على الفشل في إدارتنا للأزمات من ترحم السوريين على أيام انعدام الأمن واعتبار زمن انهمار القذائف أرحم مما نمر به الآن في حياتنا اليومية. وكأن القيمين على الإدارة يدفعون بمن تمسك بالبقاء بهذا الوطن الجريح في زمن الخطر إلى الندم على قراره والتدافع على أبواب السفارات من جديد بغرض الهجرة؛ رغم اضمحلال الفرصة بالحصول على تأشيرات الدخول لأسبابٍ عديدةٍ لسنا في معرض بحثها هنا. 

وإذا شئنا التركيز على الأزمة الاقتصادية، لكونها حديث الشارع بكل أطيافه حالياً، نجد أن أسلوب التعاطي معها زاد من حدتها فعلياً وذلك خلاف الشعارات التي تتحدث عن الخطوات التي تتخذها الحكومة بغية التوصل إلى علاجها. وقبل المضي في حديثنا لا بد لنا من الاعتراف بحجم الحصار الاقتصادي الذي يمارس على سورية والذي تفاقمت حدته وخطورته بعيد بشائر النصر الساحق الذي لاحت في الأفق.

وخير مثال على ما تقدم أزمة الوقود التي نعاني منها منذ أسبوع خلا. بدايةً، وفي وقتٍ سابقٍ على الأزمة الأخيرة ابتدعت البطاقة الذكية التي تم التسويق لها على أنها وسيلةٌ لحماية الاقتصاد الوطني والحد من تهريب الوقود للدول المجاورة وترشيد الاستهلاك المحلي وما إلى ذلك من الشعارات الرنانة. وإذا بنا ندخل في دوامةٍ جديدةٍ من الفساد. فمن منا لم يعمد إلى منح "الإكرامية" لتجاوز الكمية المحددة بالبطاقة الذكية؟ وزادت حدة الفساد والفوضى العارمة خلال شح الوقود خلال الأسبوع الماضي. فمن اختناق مروري لا يحتمل إلى انتظار لساعات جاوزت الثماني ساعات في أحيانٍ عديدةٍ، مروراً باستغلالٍ وقحٍ من أصحاب سيارات الأجرة لواقع الحال لرفع الأجرة إلى أضعاف مضاعفة تجاوزت القيمة الحقيقية بعشرة أضعاف أحياناً وخاصة في اليومين الأخيرين (حيث باتت مخصصات أصحابها عشرين لتراً كل يومين) وصولاً إلى بيعٍ للوقود في السوق السوداء وصل إلى ألف ليرة سورية للتر الواحد. ولا يفوتنا ذكر الشجارات بين اصحاب السيارات على محطات الوقود واصطدام السيارات والتأخير في الوصول إلى مواقع العمل والدراسة وغيرها من القصص التي يندى لها الجبين. كل ذلك والتصريحات تتوالى عن الجهود الكبيرة المبذولة من قبل الحكومة العتيدة لعلاج التداعيات. 

وتفتق ذهن الإدارة على حل عجائبي بالوعد بطرح ما يسمى بالوقود الحر في الأسواق في خطوةٍ تحضيريةٍ للمستفيدين دون تحديد سعره بحجة أنه يتم دراسته وفقاً  "للسعر العالمي يضاف إليها النفقات الإدارية والشحن". ولم يفوتها الوعد بانفراج الأزمة بنهاية الشهر" ولكن فاتها بالتأكيد مقارنة متوسط دخل الفرد في سورية بالدخل العالمي أو حتى بالدخل في البلدان المجاورة. 

وأخيراً وليس آخراً، تم إطلاق محطة وقود في المزة لبيع الوقود الحر على مدار أربع وعشرين ساعة بسعر اللتر ستمائة ليرة سورية بنجاحٍ نحسد عليه، وطبعاً بسعر يجاوز الأسواق المجاورة ليقارب الضعف. وكانت ردة الفعل المطلوبة: تقبل السعر على أنه أفضل من غياب المادة والمشاكل المرافقة لغيابها والتي أشرنا لها سابقاً. وما قيل على أزمة الوقود ينطبق بطبيعة الحال على أزمة الغاز باختلافاتٍ طفيفةٍ لا داعي للتعرض لها ثانيةً. 

واستغلت أزمة الوقود لتمرير الحديث عن إضافة سلعٍ أخرى للشراء على البطاقة الذكية وأولها الخبز في الشهر القادم ومرةً أخرى بحجة التهريب إلى البلدان المجاورة واستخدامه علفاً للحيوانات وأولاً وأخيراً لكون الدولة تتحمل في دعمها له خسائر تتجاوز ثلثي سعر بيعه. لا ننكر الخسائر التي تتحملها الدولة في دعمها للخبز ولكن هل فاتها مرة أخرى أنه قوت معظم العائلات اليومي الرئيسي وقوت البعض الآخر اليومي الوحيد تقريبا؟ وهل تفتق ذهن الإدارة مرة أخرى عن كيفية التعاطي مع التوزيع في هذه الحالة وما هو معياره بالنظر إلى اختلاف عدد أفراد العائلة وغير ذلك من العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار؟ وهل سنشهد أزمة خبز خانقةٍ مماثلةٍ لأزمة الوقود يجعل لساننا يلهج بالتقبل والقبول وبل بالشكر والحمد مرةً أخرى خوفاً من غيابه؟ 

والسؤل الأهم بانتظار الإجابة عليه: متى نتوقف عن استغباء المواطن السوري؟