"العرب".. ونصف صفقة القرن.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

"العرب".. ونصف صفقة القرن.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٦ أبريل ٢٠١٩

على الرغم من إنحياز الولايات المتحدة الأمريكية المطلق للكيان الإسرائيلي, وخسارة دورها كوسيط في الشرق الأوسط، إلاّ أنها ماضيةٌ في الإسئتثار بعملية السلام من بوابة الإستسلام، بعدما غزت جيوشها الأصيلة والوكيلة وعملائها معظم دول العالم العربي، وبعدما فرضت هيمنتها وإرادتها على حكومات وعروش التخاذل العربي، وسعيها الدائم لحصار دمشق وطهران، وتضييق الخناق على أحزاب وحركات وفصائل المقاومة ... وبعدما نقلت سفارتها إلى القدس واعترفت بها عاصمة ً ل "إسرائيل"، وبقرار إعترافها بالضم الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، وعبر عشرات المواقف الناسفة لأي حل وأي سلام في المنطقة .... 
وبعد تعويمها ودعمها لفوز نتنياهو وتحالف اليمين، جاء دور إعلانها عن بنود صفقة القرن – كما وعدت -.... ولحينها لا زالت تحافظ على سرية تلك البنود خاصة ً السياسية منها، وكل ما أفصحت عنه، هو تلك العبارات المبهمة التي قدمتها لأدواتها العربية ولخصها غاريد كوشنر بأربع كلمات: الحرية، والكرامة، والأمن، والإزدهار الإقتصادي، دون أي شروحات أو توضيح، إذ فضّل إعتماد السرية "خشية تسرب التفاصيل قبل نضوجها"– بحسب كوشنر-، وبقي للعرب أن يوافقوا على الصفقة الغامضة، التي عُرض عليهم جزءٌ من تفاصيلها الإقتصادية فقط!
أيُّ نفقٍ مظلم يسير فيه العرب خاصة ًممن يعتقدون أنهم شركاء وحلفاء للولايات المتحدة الأمريكية وأنهم أصدقاء الرئيس ترامب وصهره ... وأي صفقةٍ كُلف بها ولي العهد السعودي وجاره ابن زايد وبالترويج لها وبإقناع السلطة الفلسطينية بها، وأيُّ سلامٍ وحقوق سيستعيدها الرئيس الفلسطيني سلما ً! ... وبكل بساطة العرب لا يعلمون شيئا ًعن صفقة القرن، فقد أعلنوا موافقتهم على مبدأ تبادل الأراضي وسال لعابهم على المشاريع الإقتصادية التي تم الحديث عنها على الورق فقط، وأعربوا عن تأييدهم وترحيبهم بالتطبيع وبفوز بنيامين نتنياهو في الإنتخابات، واكتفوا برفضٍ لفظي لقرار ضم الجولان السوري المحتل، ودعموا موقفهم بتأكيد رفضهم عودة الدولة السورية إلى الجامعة العربية – حاليا ً -.
وكيف لهم أن يعرفوا، فبحسب موقع صحيفة "اكسيوس -Axios" الأمريكية "أن هناك ستة أو سبعة أشخاصٍ في أمريكا فقط يعلمون تفاصيل الشق السياسي المتعلق بصفقة القرن، وأن الإدارة الأمريكية لم تطلع "شركائها" العرب سوى على الشق الاقتصادي منها"، وذلك خلال جولة كوشنر الأخيرة في المنطقة، وأنه لم يكشف عن التقسيم المقترح للأرض أو وضع مدينة القدس أو إذا ما كانت (الصفقة) ستدعم إنشاء دولةٍ فلسطينية... 
وهذا يفسر مخاوف وإرتباك بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات والأردن والسلطة الفلسطينية ذاتها .... ويفسر نفي الرئيس المصري وجود مثل هذه الصفقة واعتباره أن التسمية نابعة من أهمية وحجم القضية الفلسطينية، فيما عاد العاهل الأردني من زيارته الأخيرة إلى واشنطن وهو غير راضٍ عن مستوى التشاور ويشعر بالإحباط على الرغم من اجتماعاته العديدة مع كبار المسؤولين في إدارة ترامب، ويقول – بحسب الصحيفة -: أن "البيت الأبيض لم يعطه أي رؤيةٍ حول الجزء الأشد خطورة من خطة السلام"، والكيفية المقترحة لتقسيم الأراضي الإسرائيلية والفلسطينية .... وتوّلد لديه الشعور بأن الصفقة إقتصادية أكثر منها سياسية، وأنه يعتقد أن خطة ً اقتصادية بدون خطةٍ سياسية ليست كافية... في حين أكد مسؤول كبير في البيت الأبيض: أنها "ليست مجرد خطة اقتصادية فقط ونحن نفهم أنه إذا كان الجانب السياسي لا يعمل، فالجانب الإقتصادي لن يخلق السلام"... "لكن، الجانب السياسي لن ينجح بدون خطة إقتصادية مهمة لتعزيز حياة الفلسطينيين وحياة الآخرين في المنطقة".
وبإنتظار أن يعلن قريبا ً الرئيس ترامب عن صفقة القرن والتي يدعوها "خطة السلام"، يتوجس الأوروبيون ويعبرون عن مخاوفهم من أن تسير الخطة بعكس مصالحهم فسيضطرون إلى البحث عنها بعيدا ًعن الركب الأمريكي!... وعلى الحكومات العربية مصارحة شعوبها، بتأكيد أو نفي إطلاعها على كامل الصفقة أو نصفها فقط، فالشعوب لن تتسامح مع كل من يفرط بالمصير والحقوق والأرض، وستكون عونا ً دعما ً لكل من يحافظ عليها. 
إن استبعاد الشق السياسي من التداول يؤكد رغبة واشنطن في الإستئثار برسم خريطة المنطقة والإبتعاد عن أساسها وجوهرها هو الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، بعد جولةٍ حامية من تفكيك الدول العربية ودفع المتخاذلين نحو الحضن والفلك الإسرائيلي. 
كذلك يأتي تأكيد صحيفة ال "واشنطن بوست" بأن: "صفقة القرن" تتضمن تحسين ظروف حياة الفلسطينيين ولا تتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولا تستند إلى حل الدولتين، وأنها تركز على الإحتياجات الأمنية لإسرائيل.
وهذا ما يؤكد نفاق ومراوغة الرئيس دونالد ترامب الذي لطالما تحدث عن حل الدولتين، وعن تنازلات متبادلة من الطرفين، وأن واشنطن لن تسعى لإملاء الشروط لحل النزاع, بل ستدعم أي إتفاق يتوصل إليه الطرفان, فقد وجه بهذا الكلام إشارة ً قوية لإنفتاحه وقبوله بحل الدولة الواحدة التي يطرحها الفلسطينون, وقد سبق للسيد صائب عريقات قوله : " أن البديل الوحيد لحل الدولتين هو دولة ديمقراطية واحدة وحقوق متساوية للجميع، للمسيحيين والمسلمين واليهود" ... لكن الرئيس ترامب لم يتوقف عن المراوغة وأعلن لاحقا ً في الإجتماع السنوي لزعماء العالم في الأمم المتحدة بأنه: "يروق لي حل الدولتين. وأعتقد أنه الأفضل"... ويبقى كلامه الهام ذاك الذي أطلقه عشية إعترافه بالقدس عاصمة ً لإسرائيل:" أعتقد ان إسرائيل تريد فعل شيء والفلسطينيين يريدون فعل شيء".
من الواضح أن الرئيس الأمريكي يسعى للتمسك بجني "الإنجازات"، وعينه على الفوز بولاية رئاسية ثانية، لذلك يلجأ إلى الحفاظ على الدعم والحشد الكامل الذي يتلقاه من التيار المسيحي الإنجيلي والإيباك الصهيوني، ولن يتهاون مع معرقليه سواء من الأدوات أو الأعداء، وقد يستمر بضغوطه وبعقوباته على مصر من بوابة صفقة الطائرات الروسية "سو – 35"، وصفقة ال S400 التركية – الروسية، وإعادة إحياء ملف الخاشقجي. كذلك بقراره ضم الجولان السوري، ومحاصرة إيران والضغط على المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
يا له من مشهد مخجل أن نرى فيه زعماء بعض الأنظمة العربية يجتمعون حول خرائط المشاريع الإقتصادية، ويحلمون بالرضى الأمريكي – الصهيوني، غير اّبهين بحياة ومصير الأرض والشعب الفلسطيني وحقه بالعودة إلى وطنه ووطن اّبائه وأجداه، تلك الأرض التي سُفك ولا زال يُسفك لأجلها الدم المقاوم الطاهر في فلسطين وسورية ولبنان واليمن والعراق وعلى إمتداد محور المقاومة، وبالدم الذي يسري في عروق كل مقاومٍ شريف. 
لن يمر هذا المخطط اللعين، ولم تعد الشعوب العربية تعول على هذه الأنظمة الخانعة، ويبقى الحل الوحيد هو بإستمرار المقاومة طالما هناك من يحملون السلاح، ويواجهون العدو الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية، ومن يرفضون كل تطبيع، ومن يرون أن أمريكا ليست قدرا ً للشعوب العربية، وأن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وأن مصير أوطاننا و"مصير المنطقة تقرره الشعوب مهما تعاظمت التحديات" – بحسب قول وتاكيد الرئيس بشار الأسد.