قبلات لن تصل أبداً!.

قبلات لن تصل أبداً!.

تحليل وآراء

الاثنين، ١٥ أبريل ٢٠١٩

يقول أحد المتصوفين أن لا تصلح المحبة بين أثنين حتى يقول أحدهما للأخر يا أنا..
لكن جيل اليوم الذي يقضي ساعات أمام شاشته الالكترونية يتحدثون مع فتيات يرفضن تسميتهم بالحبيبة باعتقادهم أنها أقل من أن تكسب هذا الشرف الرفيع لا يؤمنون بقول المتصوفين، ويعتبرون الكتب موضة قديمة وهم الذين يحملون كتبهم المدرسية مرغمين.
فشعار اليوم (يا أنا يا بلا) أو (أنا ومن بعدي الطوفان)..
حتى فيروز التي غنت (يا أنا.. يا أنا.. أنا وياك) تلتها فوراً ب (صرنا القصص الغريبة).
مع أنني لم أولد في زمن الرسائل الورقية، وطائر الحب الذي يحمل الرسالة بين شفتيه ثم يلقي بها على سطح بيت المحبوبة، إلا أنتي لست من مؤيدي الحب الالكتروني الذي يفضي بكتابة رسالة بثوان معدودة لتصلك باردة، جافة، ومليئة بالأخطاء اللغوية، ومتبوعة بسمايلات قبل. قبل لن تلمس الشفاه أبداً.
وقلوب بمختلف الألوان لن تغني أبداً عن نبضة قلب حقيقية تسمعها وأنت دافن رأسك في صدر من تحب.
وأحاديث جميعها شهوانية لا تتضمن كلمة حب واحدة، وخصام يكون مفاده (بلوك)، أو ربما يظلوا أصدقاء من دون الضغط على زر (اللايك) أو التعليق على صوره من باب التجاهل.
فاليوم صرنا نعبر عن سعادتنا عن الطريق الضغط على هاءات مطولة تدل على أننا نضحك، أو إرسال سمايل متحرك تسيل الدموع من عينيه دليل على أننا نبكي وغير قادرين على الكلام، دموع لن تجد يداً خانية تمسحها لو ظلت تسيل شهراً.
دموع ستجف وحدها قهراً، ولن تمسح أبداً..
كثيراً ما أتمنى ألا أكون من جيل التكنولوجيا اللاذعة، فأنا على مستوى شجار لا يصلح معي من خلف شاشة إلكترونية، فكيفما بالحب؟!
تصلك الكلمات بادرة، و ربما كاذبة، لكن هذه الشاشة لا تعنى أبداً بإرسال الأحاسيس. لذلك يجب على المخترعين الذين يخرجون لنا كل يوم بنوع هاتف جديد بتقنيات خارقة أن يخترعوا لنا أجهزة تكتب ببصمة القلب حتى نستطيع أن تستشعر صدق المشاعر ومقدار اللهفة في إرسال تلك الكلمات لنا.
فكم أحسد جدتي، أحسدها كثيراً أنها من الجيل البسيط والصادق، جيل حليم. من جيل الرسائل السرية ولهفة وصولها محمولة بعطر ودمع من كتبها، منتظرة اللحظة المناسبة بفارغ الصبر حتى تقرأها وتشعر برجفة قلب الحبيب وهو يكتبها.
بينما اليوم تصلك الرسالة بكبسة زر خالية من حرارة الحب ولهفة الوصول وبإمكانك قرائتها وأنت على طاولة السفرة.
نزار وقع في هيام جارته عندما رمت إليه بوردة من شباكها وكتب فيها عدة قصائد وتزوجها، وفيروز طلبت من المرسال أن يعطي منديلها لحبيبها (خدلي بدربك هالمنديل وعطيه لحبيبي).
لكن للأسف حتى بطريقة الحب اختلفت الأجيال. فجيل اليوم لا يدري أبداً بمعارك نزار الغرامية، ولا يقدر قيمة منديل فيروز. فقد اختار الأغاني الصاخبة لأشخاص يدعون أنفسهم فنانين بمجرد وقوفهم أمام الميكروفون وإلقاء أغاني هابطة بسرعة رهيبة لا يفهم مستمعها حرف منها لكن مجرد (بريستيج).
لكم نحتاج اليوم إلى ألة زمن تعيدنا قرن إلى الوراء حتى تستعيد الأوراق المهترئة قيمتها، ويستعيد القلب رعشته الأزلية، حتى يصل منديل فيروز لحبيبها، وتصل القبلات إلى الشفاه المتشققة فتعيد توردها..

                                 منور توفيق اسماعيل!.