تركيا.. نقطة تحول.. بقلم: حسني محلي

تركيا.. نقطة تحول.. بقلم: حسني محلي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ أبريل ٢٠١٩

بعد 25 عاماً على الانتخابات التي جرت في 29 آذار/ مارس 1994، وحقق فيها رجب طيب أردوغان انتصاره الأول، بسبب فشل أحزاب اليسار الثلاثة في الاتفاق على مرشح مشترك، ليصبح رئيساً لبلدية إسطنبول بعدما حصل على 25٪ من الأصوات، هُزم أردوغان في المدينة نفسها، وأمام مرشح «الشعب الجمهوري» أكرم إمام أوغلو، المدعوم من «الحزب الجيّد». وبعد الحرب النفسية بين الطرفين، التي بلغت ذروتها بعقد مرشح «العدالة والتنمية» بن علي يلدريم، ليلة أول من أمس، مؤتمراً صحافياً أعلن فيه انتصاره، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أمس تقدّم مرشح «الشعب الجمهوري» بفارق 24408 أصوات. في الوقت ذاته، تستمر مساعي «العدالة والتنمية» لعرقلة إعلان اللجنة العليا رسمياً فوز إمام أوغلو، بعد الانتهاء من التدقيق في طلبات الطعن التي سيتقدم بها الأول. وتوقعت أوساط الحزب أن يعترض يلدريم على نتائج الانتخابات بحجة العدد الكبير من الأصوات الملغاة (وصل عددها إلى 270 ألفاً من أصل 10.5 ملايين ناخب في إسطنبول). وردّ أكرم إمام أوغلو على هذه المساعي، وقال إن الأصوات الملغاة لم تكن أبداً مبرراً لإلغاء الانتخابات، فقد كان عدد الأصوات الملغاة في انتخابات 2014 البلدية أكثر من 470 ألفاً!
وأشارت الأوساط السياسية إلى مساعي الرئيس أردوغان في الضغط على اللجنة العليا للانتخابات من أجل إلغاء نتائج إسطنبول فقط، وتكرار هذه الانتخابات خلال فترة أقصاها 60 يوماً. وقالت إن اللجنة لن ترضخ لهذه الضغوط بعدما نجحت أحزاب المعارضة في اتخاذ تدابير لمنع أي عملية تزوير في عموم البلاد، وخصوصاً في إسطنبول، العاصمة التاريخية و«النفسية» بالنسبة إلى أردوغان الذي يتغنّى بأمجاد الإمبراطورية العثمانية بملامحها الإسلامية والقومية. كما كان التحدي في العاصمة السياسية أنقرة مهماً جداً أيضاً، لأن مرشح «الشعب الجمهوري»، منصور ياواش، قد فاز في انتخابات 2014، ولكن اللجنة الانتخابية آنذاك لم تعترف بانتصاره، وأقرّت فوز رئيس البلدية مليح كوكجاك، الذي كان يحكم المدينة منذ 1994 وطرده أردوغان العام الماضي بسبب قضايا الفساد المتّهم بها. وازدادت أهمية انتخابات الأحد بانتصار «الشعب الجمهوري»، ليس فقط في إسطنبول وأنقرة، بل أيضاً في 18 ولاية أخرى، ومنها أنطاليا وأضنة ومرسين وإزمير وهاتاي، وهي جميعها ولايات مهمة جداً لإمكانياتها الصناعية والتجارية والسياحية والاجتماعية والثقافية، التي لا يمكن مقارنتها بالولايات التي انتصر فيها «العدالة والتنمية» أو حليفه «الحركة القومية».
وفشل «حزب الشعوب الديمقراطي» في تحقيق انتصاره المتوقع جنوب شرق البلاد، وفاز في 7 ولايات من أصل 11 ولاية فاز فيها في انتخابات 2014، ليقوم وزير الداخلية قبل عامين بإقصاء ممثليه من مناصبهم بحجة علاقتهم بـ«حزب العمال الكردستاني»، ويعمد الأمن إلى اعتقالهم مع عدد آخر من رؤساء بلديات الأقضية الكردية، بعدما تم اعتقال الرئيسين المشتركين لـ«حزب الشعوب الديمقراطي» صلاح الدين دميرطاش، وفيكان يوكساك داغ، و 9 من أعضاء البرلمان نهاية 2013. وتعرض الحزب، خلال الفترة الماضية، لهجوم عنيف من الرئيس أردوغان، الذي اتهمه بالإرهاب بسبب علاقته بحزب «العمال الكردستاني»، كما اتهم جميع أحزاب المعارضة بالإرهاب والخيانة بسبب علاقتها بـ«الشعوب الديمقراطي». لكن انتصار «الشعب الجمهوري» في إسطنبول وأنطاليا وأضنة ومرسين وهاتاي واسكي شهير وجاناقلعة جاء بفضل دعم «الشعوب الديمقراطي»، الذي سبق له أن حصل على حوالى 12% من أصوات الناخبين في إسطنبول في انتخابات حزيران/ يونيو الماضي، في مقابل 24% لـ«الشعب الجمهوري»، و8% لـ«الحزب الجيد»، حليف «الشعب الجمهوري». أما المفاجأة المثيرة في الانتخابات، فكانت فوز مرشح «الحزب الشيوعي» الذي كان ممنوعاً منذ قيام الجمهورية التركية عام 1923 في مدينة تونجلي وسط الأناضول.
وبدأ الرهان مبكراً على مستقبل الرئيس أردوغان، الذي سيبقى رئيساً للجمهورية حتى حزيران/ يونيو 2023 وبكامل الصلاحيات المطلقة، وهو الذي يسيطر على مؤسسات الدولة ومرافقها كافة، خصوصاً الجيش والأمن والاستخبارات والقضاء، كما يسيطر على 95% من الاعلام الخاص والحكومي. كذلك، بدأ الحديث مبكراً عن احتمالات أن يتحول أكرم إمام أوغلو إلى منافس جدي لأردوغان في انتخابات الرئاسة عام 2023، وسط تقديرات تتوقع له فوزاً أكيداً ليكرر التاريخ نفسه، بحيث يعيد تجربة أردوغان الذي أصبح رئيساً للحكومة عام 2003، ثم رئيساً للجمهورية في آب/ أغسطس 2014.
وتتوقع مصادر مقرّبة من الرئيس السابق عبد الله غول أن يبدأ الأخير تحركات من أجل إنشاء حزب سياسي ينضمّ إليه عدد من أعضاء البرلمان عن «العدالة والتنمية»، بعدما بدأ الحديث عن ردود فعل على سياسات أردوغان الداخلية والخارجية داخل الحزب الحاكم، إثر الهزيمة التي لحقت بالحزب في المدن الرئيسة الكبرى. ويتوقع المراقبون لهزيمة الحزب الحاكم في إسطنبول وأنقرة بالتحديد، أن تنعكس بشكل سلبي على سمعة أردوغان وشعبيته وقوته في علاقاته الخارجية، مع أحاديث الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية والأوروبية عن عدم ارتياحها لسياسات أردوغان الداعمة للإسلام السياسي في المنطقة وأوروبا بشكل خاص. وتتوقع الأوساط المذكورة لتراجع شعبية أردوغان أن تضع علاقاته مع القوى الإسلامية في سوريا والمنطقة في وضع حساس، مع استمرار الضغوط الروسية والإيرانية عليه للقبول بالشروط الروسية في إدلب وسوريا عموماً.