الأمّ معلمٌ ...أملٌ وبناء...بقلم: سامر يحيى

الأمّ معلمٌ ...أملٌ وبناء...بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٥ مارس ٢٠١٩

مهما كان الوضع إيجابياً أو سلبياً، فإنّنا نحتاج لضوءٍ ينير الطريق، وشمسٍ ترسل أشعتها الذهبية فجراً بعد ظلامٍ دامس، وجرعة أمل تنبئ بأن القادم أجمل، تستنهض الجهود وتشحذ الهمم للرقي معا كلّنا دون استثناء، وصولاً لتحقيق ما نطمح إليه، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
لم يكن موفّقاً المخرج القدير أيمن زيدان، في فكرته، رغم الأداء الإيجابي للفنانين لا سيّما المتألقة نادين، التي تمثّل في فيلم "أمينة" وطناً بحدّ ذاته، فهي ليست مجرّد أم عادية، إنّما تمثّل العطاء والإبداع والتألق والسعي لتأمين عيشٍ كريمٍ لأبنائها، والدفاع عنهم، والبحث عن سعادتهم، وزرع الأمل لدى الآخرين من حولها، ولكن في النهاية تستحق أن تنتصر مهما تعرّضت لانتكاسات وخسارة، ومهما تعرضّت لاستغلال ومحاولات التسلل من ثغرات أو نقاط ضعفٍ موجودة لديها، لتحقيق أهدافٍ شخصية، يُقدّم لها بعض الفتات لكنّه سيتحوّل لوحشٍ كاسر بعد تحقيق غايته، مع احترامي للفنان المبدع "قاسم ملحو"، فكان من الأجدر أن تنهض "أمينة" أقوى وأكثر قوّة وشكيمة وتحقّق كل أهدافها مهما اعتبرها الآخر معجزةٌ أو خرافة، لأنّ الحياة فيها الأمل، وكما قال الشاعر: ضاقت فلّما استكملت حلقاتها فرجت وكنت أظنّها لن تفرجِ.. فكيف بالأم التي تبذل كل ما تستطيع من أجل تحقيق هدفها وعودة ابنها لوضعه الطبيعي بل أقوى قوّة وحكمةً وحنكةً وشجاعة، لا سيّما أنّ إصابته ووالده أثناء دفاعهم عن وطنهم وقدسية ترابه.
"أمينة" ليست مجرّد أمّاً عادية، إنما هي الوطن، تعطي أبنائها بلا قيود، وبالتأكيد عليها أن تحصد ثمار تعبها ومحصول زراعتها واستثمارها أرضها، وتلقائياً سيكبر الأولاد وتقوى شوكتهم، ويكونون قادرين على العمل والعطاء والإنتاج والإبداع، لأنّ تلك الأم هي التي كانت لهم المثال الذي يحتذى بالتربية السليمة، والتنشئة والتوجيه والنصح والإرشاد والعطاء، ليكونوا خير مثالٍ يحتذى لأبناء الوطن، كلّ في مجاله وضمن نطاق عمله ومنطقه لنكون يداً واحدةً دون استثناء إلا من استثنى نفسه وخان وطنه وعقّ لوالديه.
الوطن هو الأم والمعلّم والمرشد، ينصح أبنائه، يقدّم لهم المعلومة الصحيحة، والتوجيه السليم، ويضعهم في الإطار الأنسب، ويدعمهم ويساندهم ليقوى عضدهم، ويسيرون في الطريق الصائب، مخلصين لوطنهم، مستثمرين موارده أفضل استثمار، ولدى الوطن الأم المؤسسات المتخصصة بكل شأنٍ من شؤونه، وواجبها القيام بالدور المنوط بها للوصول للهدف المنشود، وتحقيق التوازن والسير بخطى متوازية بين كافّة أبنائه، دون تمييزٍ أنّى كان نوعه، فكلٌ له دوره وضرورته في الحياة المجتمعية الآنية والمستقبلية.   
المؤسسات الحكومية هي الأم والمعلّم والمرشد الذي يغرس في قلب أبنائه حب الوطن والولاء له والانتماء لترابه المقدّس، واحترام كل أبنائه، فليس الأم دورها الإنجاب فقط، ولا دور المعلّم تلقين الطالب ما بين دفّات الكتب، ولا الصراخ أو المجاملة، المكافأة أو العقوبة، بل أن تكون الأمٌ كما المعلم القدوة التي توجّه أبنائها لا سيما الطلبة، باحترام قدسية الوطن والمواطن، والبحث عن المعلومة واستثمارها بالطريقة الأنسب للحصول على العلامة، وعكسها على أرض الواقع، بما ينعكس مادياً ومعنوياً ومجتمعياً ومعرفياً على كل مجالات الحياة دون استثناء، ولا أظن أن مؤسسات التربية والتعليم بكلّ توزّعها وانتشارها عاجزة عن عقد لقاءات واجتماعات عملية علمية نوعية، وإقامة دورات تأهيل تربوي وعلمي وأكاديمي، في أيام العطل لا سيّما الفترة الصيفية، بعيداً عن التنظير الممل، أو المجاملات الاستثنائية، وتلقائياً سوف نرى تقدّماً في المناهج الدراسية إلى المستوى الذي نطمح إليه، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ أولى خطوات مؤسسات التربية والتعليم أن يبدأ المدرّس من ذاته، بعدم تحميل المسؤولية للآخر، والقيام بالدور المنوط به، وأكبر مثالٍ أن يلتزم المدّرس والإداري بأن يكون الأسبوع الإداري في بداية العام الدراسي أسبوعٌ جدّي لتنظيم أمور الطلبة، وعندها يشعر الطالب بضرورة الالتزام واحترام الوقت، والانضباط واحترام الآخر بعيداً عن الصراخ والعقوبة والمكافأة، بل بالحكمة والحنكة واحترام قدسية العمل التربوي والتعليمي، لا مجرّد وظيفةً عاديّة، وعندها تلقائياً سيتحقق الدخل المادي المرتفع لكل أبناء الوطن دون استثناء، وتلقائياً سيكون للمعلّم والمربي الجزء الأكبر.
إن استقطاب المواطن لصالح الوطن، وتعزيز الانتماء والولاء الوطني والوظيفي، وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع أبنائه، والتصدّي لكل محاولات التفلّت الداخلي والتدخّل الخارجي، بالتأكيد لن تأتِ من خلال النصوص والتنظير، ولا من خلال برامجٍ ترفيهية لا منطقية، ولا عن طريق القسوة والعنف والشدة والتخويف والتهديد والوعيد، أو المكافأة والترغيب والتأييد القسري والخوف الضمني، إنّما من خلال التوجيه السليم والإعداد الجديّ المنطقي، والاستثمار الحقيقي لكل موارد وإمكانيات وقدرات أبناء الوطن ومقدّراته.
 لم يبالغ الشاعر العربي الكبير حافظ إبراهيم عندما دمج الأم بالتعليم بقوله الأمٌ مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت جيلاً طيّب الأعراق، وليس مصادفةً أن شهر آذار جمع بين فصل الربيع وثورة بعثٍ غيّرت مسار التاريخ وأعادت البوصلة التوجيه السليم، وأعطت للمرأة دورها الحقيقي، وقدسية المعلّم القدوة والمثل، لنهوض كلّ أبناء الوطن واستثمار جهودهم والمحافظة على تقدّم بلدهم، أوفياء لدماء شهدائه، ونضال أبنائه كل في مكانه ومكانته، في كل قطاعٍ من قطاعات الإنتاج والعطاء والإبداع والاستثمار، لتبقى سوريتنا قلب العروبة النابض، ومهد الإنسانية جمعاء، ومثالاً يحتذى لكلٍ دول العالم، وتتصدّى لكل المؤامرات التي لم ولن تنتهِ لأن سوريتنا هي الفاعل والمحرّك والأساس لكلٍ المنطقة ومن يؤمن بإنسانية الإنسان وقدسيته بعيداً عن المصالح المادية والمعنوية.