ترامب يُهدي «إسرائيل» «بوشاراً» لهدفين اثنين.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

ترامب يُهدي «إسرائيل» «بوشاراً» لهدفين اثنين.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ مارس ٢٠١٩

يُجيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فنون ترويج «البوشار» مستعيناً بشكله الأبيض المنتفخ والطري ومتكتماً على عدم فائدته الغذائية التي تقتصر على تحريك الفم وطقطقة الأسنان.
 
«بوشار» ترامب هنا، هو اعلان اطلقه منذ يومين حول استعداده للاعتراف بهضبة الجولان السوري المحتلة جزءاً من الكيان الإسرائيلي، بما يناقض عشرات القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تطالب «إسرائيل» بالانسحاب منها وأعادتها لسورية.
 
قد يتنطح قائل للتأكيد بأن الأميركيين لا يأبهون بالقانون الدولي والدليل أنهم اجتاحوا كثيراً من البلدان من دون موافقة دولية، واستناداً لمصالحهم الصرفة.
 
الإجابة هنا تؤكد اجتياحهم للدول استناداً لمصالحهم، لكنها تؤكد أيضاً أنهم خرجوا منها استناداً لمقاومات شعوب من هذه الدول. ففي افغانستان يفاوضون الآن للخروج منها والعراق بعد 16 عاماً على احتلالهم له يختبئون في الجزء الصحراوي منه، وسورية يغادرونها بالهرولة، وفيتنام لقنتهم دروساً صعبة النسيان، فلم تكتفِ بالانتصار على الغازي الأميركي بل أسقطت دولة فيتنام الجنوبية التي كانت تشكل كانتوناً أميركياً خالصاً وتوحّدت معه في فييتنام واحدة وكذلك الصين وبلدان أخرى كثيرة.
 
لذلك لا يجسد إعلان ترامب حول «إسرائيلية» الجولان المزعومة قدرة الأميركيين على تأمين موافقة أممية لها، او جذب تأييد من حلفائهم الأوروبيين، قد يعثرون في زوايا الارض على بلدان مجهولة نائمة في الحضن الاستعماري الأميركي يأمرونها بالاعتراف فتطيع صاغرة، لكن هذه الألاعيب لن تسحب من الجولان عروبته وسوريته.
 
للإشارة فقط فإن الجولان محتل منذ 1967.
 
وشنت سورية حافظ الأسد حرباً ضخمة لتحريره في العام 1973 فكادت أن تصل الى التحرير الكامل لولا أن الرئيس السابق أنور السادات أوقف الحرب على الجبهة المصرية بعد اتفاق بدأ سرياً مع الأميركيين وانتهى بانسحاب مصر من الصراع العربي الإسرائيلي بعد اتفاق كمب ديفيد في 1979 الذي تلا طرد المستشارين الروس من مصر والبدء بالعصر الأميركي الإسرائيلي المنسحب حتى اليوم.
 
أدت هذه الاستدارة المصرية المتواكبة مع انهيار أردني فلسطيني- خليجي إلى اختلال موازين القوى بين سورية المستفرَدة و»إسرائيل» برعاية أميركية أوروبية، بحيادية من مجمل الدول العربية كانت تصل أحياناً حدود التواطؤ والتحالف في بعض الأوقات.
 
هذه هي المناخات التي اتاحت لـ»إسرائيل» احتلال هضبة الجولان منذ 1967 ولم تسمح للدولة السورية بتحريرها حتى الآن.
 
لكن السؤال هنا يتعلّق بتفسير اختيار ترامب هذا التوقيت بالذات للإعلان عن استعداده للاعتراف بـ»إسرائيلية» الجولان.
 
لا شك في أنه يرتبط بمحاولة أميركية للاستفادة من مناخات الانهيار العربي في الخليج ومصر وشمالي أفريقيا والسودان، فيردّ بذلك على تراجعه العسكري في الميدان السوري متسبباً بمزيد من الانقسامات العربية العربية والدليل أن هذه الدول تتعامل بشكل حيادي مع إعلان ترامب وتسخر من سورية حتى أن بعضها يذهب بعيداً في مناقشة إعلان ترامب ويعتبره وسيلة لمكافحة إيران وحزب الله والاتفاق النووي.
 
هناك أيضاً هدفان أصليان هما اللذان دفعا ترامب نحو هذه الوجهة:
 
أولهما ما يتعلق بتجديد ولايته الرئاسية في 2020 وهذا يتطلّب تأييد الإعلام والمصارف والطبقات الوسطى والشعبية.
 
وترامب رجل الأعمال يعرف أن اللوبيات اليهودية هي التي تسيطر على الإعلام والمصارف.
 
فكيف يخطب ودّها؟ إنها الآليات التي تدعم «إسرائيل»، ألم تقل النائبة الأميركية ذات الأصول الصومالية الهان عمر أن السياسيين الأميركيين من اليهود يعملون من أجل «إسرائيل»؟ وقامت قيامة ترامب عليها وطالب بطردها من الكونغرس؟
 
لذلك وضع ترامب خطة لكسب تأييد اللوبيات اليهودية وخصوصاً الآيباك الكثير من القوة والنفوذ بدأها بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ »إسرائيل» ساعياً لـ»صفقة قرن» تنهي قضية فلسطين ومحاولاً سرقة الجولان من سورية ومشتتاً العرب بافتعال خلافات داخلية بين دولهم وممتصاً الدور التاريخي للسعودية بإثارة خلافات داخل آل سعود حول نظام الملك فيها، مُنصباً محمد بن سلمان ولياً لعهدها، الى درجة أنه استغلّ تصفية ولي العهد للإعلامي الخاشقجي لإلغاء كامل الدور الإقليمي السعودي.
 
هذه الألاعيب منحت ترامب تأييد اللوبيات اليهودية والمصارف، لكنه لا يزال يعمل بأساليب شعبويّة على جذب الطبقات الوسطى والفقيرة، لكن استطلاعات الرأي كشفت عن تراجع معدل مؤيّديه الى أقل من 40 في المئة ما يرغمه على المزيد من القرارات الشعبويّة المؤيدة لـ »إسرائيل» ومنها مسألة الجولان المحتل.
 
وهذا التوغل الترامبيّ في الإسرائيليّات يفرض عليه الاستعانة باليمين الإسرائيلي المساوي سياسياً وفكرياً للحزب الجمهوري الأميركي الذي ينتمي اليه ترامب.
 
فتصبح معادلة اللعبة الترامبية كالآتي: ترامب واللوبيات اليهودية الأميركية والمصارف والإعلام بالإضافة الى القرارات الشعبوية مثل جدار المكسيك وخفض الضرائب و»إسرائيلية» القدس والجولان ليست إلا وسائل لإنجاح نتنياهو في معركته الانتخابية الوشيكة.
 
وهذا يؤدي تلقائياً الى التجديد لترامب في ولايته الرئاسية المقبلة في 2020.
 
وهنا لا يعتدي ترامب فقط على الفلسطينيين والسوريين والعرب، بل على بلاده أيضاً، ففي 1981 أيّد المندوب الأميركي الدائم في مجلس الأمن القرار رقم 497 الذي يطالب «إسرائيل» بالانسحاب من الجولان السوري المحتل. كما سبق لهذا المجلس وطالبها أيضاً بالانسحاب من الاراضي التي احتلتها في 1967 وذلك بعشرات القرارات الصادرة في سبعينيات القرن الماضي.
 
إن القرارات الأممية إثباتٌ لحقوق لا يمكن نكرانها لكن بناء موازنات قوى كافية لتحريرها في حالات الاستعصاء القانوني، هو ما تعمل عليه سورية منذ حرب 1973 في ما يعمل الأميركيون والعرب على إجهاض مساعيها، ولن تربح إلا سورية التي هزمت بين 2011 و2019 تحالفات دولية وإرهابية كانت تريد تفتيتها.