المشهد يتحدث عن نفسه.. شركاء النصر يلتقون.. بقلم: محمد نادر العمري

المشهد يتحدث عن نفسه.. شركاء النصر يلتقون.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٧ فبراير ٢٠١٩

وسط صخب من ازدحام التصريحات والسلوكيات والمشاريع السياسية المتناقضة حول الجغرافية الشمالية من سورية، وفي ظل ضبابية الانسحاب الأميركي ومساعي صقورها إلى تعقيد المشهد الميداني وعدم التزام تركيا بتعهداتها وتمسكها بحلم المنطقة العازلة، جاءت زيارة الرئيس بشار الأسد إلى طهران لوضع النقاط على الحروف ومواجهة رهانات محور واشنطن والتعبير عن مواجهة الأخطار المشتركة بقرارات مصيرية تتطلب تمثيلاً عالي المستوى، تزامناً مع احتفالات الجمهورية الإسلامية بذكرى ثورتها الأربعين التي شكلت هزة جيوسياسية على مستوى النظام الإقليمي، وبعد أسبوعين من الاجتماع الرابع لزعماء محور أستانا، الذي يبدو أن دمشق غير راضية عن مخرجاته وهذا ثبت واضحاً من خلال تصريح الرئيس الأسد مؤخراً أثناء استقباله رؤساء المجالس المحلية عندما وصف رئيس النظام التركي بأنه أداة صغيرة بيد الأميركي.
مشهد لقاء شركاء النصر الذي ظهر في طهران عبر اجتماع الرئيس الأسد مع قائد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، من شأنه أن يرخي بآثاره على مستوى المنطقة، ومن شأنه أن يرسم معالم مواجهة التحديات المقبلة ويحدد أولوياتها في ظل التدخلات الإقليمية والدولية وتعقد المشهدين السياسي والعسكري، وهذه التحديات تتجلى في:
– أولاً مواجهة التكتيات الأميركية التي تعكس حالة عدم المصداقية في الانسحاب الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسعي صقور الإدارة الأميركية الحالية، وزير الخارجية مايك بامبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، للحفاظ على النفوذ الأميركي في الشمال السوري عبر إيجاد صيغ وآليات وظروف موائمة للتقريب بين حلفاء واشنطن الخصوم وهنا لا نقصد فقط تركيا والقوات الكردية، بل الزج ودفع الدول الأوروبية لإرسال قواتها إلى الشمال السوري، وخدمة لذلك قررت واشنطن الإبقاء على 400 عنصر من قواتها وسعت جاهدة لتوسيع قواعدها في العراق واستخدمت ملف ضرورة إعادة الإرهابيين الأوروبيين إلى دولهم كأداة ضغط لانصياع عواصم القرار في القارة العجوز لأجنداتها.
– التحدي الثاني يتمثل بمواجهة السلوك العدواني المحتمل للكيان الإسرائيلي، فالمتابع لوسائل إعلام العدو وخاصة المقربة من الأجهزة الرسمية، السياسية والأمنية، وكيفية تناقلها للأنباء والصور الواردة من طهران، يدرك التخبط والانزعاج الذي يعصف بمسؤولي الاحتلال وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي أرجأ زيارته المقررة نهاية هذا الأسبوع لموسكو تحت ذرائع داخلية واهية بعد تلقيه رسالة غير مباشرة بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يرغب في سماع مطالبه المتكررة بممارسة الضغط الروسي لإخراج إيران من سورية أو لإيقاف منظومة الدفاع «S300» عن وضعها القتالي، فالوضع الداخلي المتأزم لنتنياهو سياسياً وقضائياً، والبدء باتخاذ الإجراءات لضم الجولان السوري المحتل بعد الحصول على دعم مؤسسات الضغط والقرار الأميركية، وانكفاء الأخيرة عن دورها التأثيري في المنطقة، قد تقود نتنياهو إلى حماقة أو مغامرة خطرة قبل الانتخابات المبكرة لتحسين تموضعه وزيادة شعبيته، دون الأخذ بالحسبان الرد الذي قد يتخذ في أي لحظة وفق ما كشف عنه أمين عام حزب اللـه السيد حسن نصر اللـه في لقائه مع قناة «الميادين»، وما عبر عنه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم أثناء زيارته الأخيرة لطهران «بأن دمشق من واجبها الدفاع عن القوات الإيرانية في سورية»، وتأكيد أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الجنرال علي شمخاني «بأن إيران سترد بشكل حازم ورادع إذا استمرت تل أبيب في مهاجمة أهداف في سورية»، لن يأتي من فراغ ولا يمكن تصنيفه في إطار التصريحات الإعلامية، بل قد يترجم بشكل حازم هذه المرة بعد زيارة الرئيس الأسد لطهران.
– التحدي الثالث فيكمن في السلوك التركي الذي يبدو أنه مستمر في سياسة القفز على الحبال لتحقيق أكبر قدر من المنافع والمكاسب السياسية، ولقاء الرئيس الأسد بنظيره حسن روحاني، في خطوة تحمل أبعاداً ورسائل سياسية متعددة تتضمن أكثر من مؤشر: الأول رغبة الرئيس الأسد في الاطلاع على أدق التفاصيل التي دارت في اجتماع سوتشي مؤخراً، ثانياً التعبير عن حالة عدم ثقة القيادة السورية بالسلوك التركي قبيل الاجتماع المقبل لقادة أستانا بعد شهر، ثالثاً الاتفاق على قائمة أسماء اللجنة الدستورية والاتفاق على صيغة عملها وشكلها وآلية التصويت والتمثيل ضمنها، رابعاً تنسيق الجهود المشتركة لحسم معركة إدلب ومواجهة مشروع المنطقة الآمنة، والبدء بتطبيق إجراءات فعلية ميدانية على هذين الصعيدين من شأنها أن تصحح السلوك الروسي ويدفعه للوصول إلى قناعة مفادها بأن الحلول السياسية وصلت إلى أفق مسدود كما هو حال الصبر السياسي، وأن تناغمه مع التركي وإرضائه لأغراض جيوسياسية مثل ما طرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤخراً من نشر قوات الشرطة العسكرية لمراقبة المنطقة العازلة هو أمر مرفوض ويمس بالسيادة السورية لأنه سيشرعن الاحتلال التركي في الشمال السوري خدمة للأجندة الأميركية، وهو ما أكده الرئيس روحاني معتبراً أن «المنطقة العازلة» المقترحة في شمال شرق سورية «واحدة من المؤامرات الأميركية الخطيرة التي يجب رفضها ومقاومتها بشدة»، إلى جانب خطط الولايات المتحدة لتثبيت وجود مؤثر على الحدود السورية العراقية.
– على حين تمثل التحديات الإقليمية الملف الرابع المتوقع تداولها وهي تتجلى في تأكيد هوية المقاومة ومواجهة مخرجات وارسو وأهمها التطبيع العربي الإسرائيلي بهدف تصفية القضية الفلسطينية لاستبدال مقاربة العدو باتجاه إيران، والتهديدات الإرهابية التي من المتوقع أن توظفها واشنطن بتمويل خليجي في صراعها الناعم مع طهران ولاسيما بعد إخراج القيادات الداعشية من سورية ونقلها لأفغانستان التي ستكون نقطة انطلاق لاستهداف الأمن القومي الإيراني عبر الجغرافية الباكستانية كما حصل مؤخراً من استهداف دامٍ لحافلة تقل قوات الحرس الثوري الإيراني في محافظة سيستان، وهذا ما أشار إليه الرئيس الأسد «بأن تحقيق مصالح شعوب المنطقة يتطلب من حكوماتها التوقف عن الانصياع إلى إرادة بعض الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا، وانتهاج سياسات متوازنة تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، وخاصة أن التجارب أثبتت أن الخضوع وتنفيذ إملاءات الغير، نتائجهما أسوأ بكثير من أن تكون الدول سيدة قرارها».
– التحدي الخامس الذي يشكل أولوية لكلا الجانبين فهو الوضع الاقتصادي من ناحية البحث عن حلول إسعافية واتفاقيات إستراتيجية لمواجهة العقوبات الأميركية والحصار المفروض على شعبي البلدين، فهذا التحدي يأتي في قمة الأولويات، فواشنطن التي لا تبدو قادرة على اللجوء للقوة العسكرية، تسعى لتحقيق مآربها عبر الحرب الناعمة من خلال زيادة الطوق والخناق الاقتصادي لتقليب الرأي العام وإضعاف التماسك الداخلي ونشر الفوضى نظراً لتأثير هذه العقوبات بشكل سلبي في الوضع الأمني والاقتصادي عبر تفقير الشعوب وتجويعها واستهداف مقومات حياتها اليومية والأساسية.
زيارة الرئيس الأسد بهذا التوقيت ولقاؤه مع كبار المسؤولين الإيرانيين يحملان دلالات عديدة في مواجهة الهيمنة الأميركية التي أثبتت مجدداً عجزها استخباراتياً أمام قدرات محور المقاومة بمجرد إتمام زيارة الرئيس الأسد لطهران وعودته، وإخفاق المسعى العربي لفك التحالف السوري مع إيران وفق ما نقله الرئيس السوداني عمر البشير والإغراءات المادية التي قدمت، واحتمالية نشاط عمليات المقاومة الشعبية في الشمال الشرقي واستهداف التنظيمات الإرهابية في إدلب قد تتصدر عناوين الأنباء في المرحلة المقبلة، وهو ما يؤكد حضور الجنرال قاسم سليماني لاجتماع الرئيس الأسد مع نظيره الإيراني من دون الكشف عن الوفد المرافق للرئيس الأسد، فهذه الزيارة التي وصفت بأنها «زيارة عمل» وفق البيان الإعلامي هي لتثبيت النصر عبر مواجهة التحديات والحفاظ على نتائج النصر انطلاقاً من تعزيز مقومات العمق الإستراتيجي لمحور المقاومة.