هل تنفجر ألغام ترامب بوجهه في أميركا اللاتينية؟

هل تنفجر ألغام ترامب بوجهه في أميركا اللاتينية؟

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ فبراير ٢٠١٩

قاسم عز الدين
فشل المراهنة الاميركية على الانقلاب العسكري في فنزويلا، يجرّ في أذياله فشل المراهنة على الغزو عبر كولومبيا والبرازيل بذريعة إدخال “المساعدات الإنسانية”. لكن انسداد الطرق الملتوية للسيطرة الأميركية على ثروات فنزويلا، قد يدفع ترامب إلى مغامرة عسكرية عارية تؤدي إلى توحيد شعوب القارة اللاتينية ضد عودة اليانكي الأبيض. كيف ولماذا؟
ما بذلته سوريا من تضحيات مضنية لإحباط المناورة الغربية، تحت مسمى “المساعدات الإنسانية”، هو درس تستقيه حركات التحرر ولا تتعلّم من فشله الإدارة الأميركية. فقد تشرّبت مفاصل الإدارات الغربية اختراع الوزير الفرنسي برنار كوشنير ما يسمى “حق التدخل الإنساني” منذ العمل على تفتيت العراق ولا تزال بين اكتشافاتها عالقة.
مخيلة ترامب وصقور إدارته تتصوّر أن الغزو البرّي لفنزويلا، يمكنه أن يمرّ عبر البرازيل وكولومبيا بشاحنات حصان طروادة المطلية برائحة الغذاء والدواء. وما يدل على تهافت هذه المخيلة هو اعتقادها أن الشعب الفنزويلي الذي تظنّه خائراً من الجوع، يهب باختراق الحدود لحمل عودة اليانكي الاميركي على أكتافه مبتهلا.
عشرات من الفنزويلين تدل على حجم أنصار المعارضة التي دعاها خوان غويدو لحماية “المساعدات الإنسانية”، لبّت دعوته. وعشرات أخرى من القوات الأمنية البالغة 360 ألفاً تهرب إلى كولومبيا لتلبية دعوة جون بولتون الانشقاق عن الجيش. بينما تستفز أميركا وحلفاؤها كرامة الشعب في فنزويلا وأميركا اللاتينية. فيضع الناقمون على سوء الإدارة والأزمة الاقتصادية غضبهم جانباً، وتستعيد الشعوب اللاتينية ذاكرتها الخصبة ضد جرائم أميركا وأوروبا التي دوّنها إدواردو غاليانو (1971) في كتابه “شرايين أميركا اللاتينية المفتوحة” وبات أيقونة إلى جانب بابلو نيرودا حملها هوغو تشافيز هدية إلى باراك أوباما في أول قمة بين الاميركيتين الجنوبية والشمالية.
السفن “الغذائية” التي تسيّرها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لم تستطع أن تتقدّم من جزيرة كوراساو التي تتخذ منها أميركا مركزاً عسكرياً متقدماً بالاتفاق مع هولندا. فاضطر مدير الوكالة مارك غرين إلى التراجع ما أن هدّدت البحرية الفنزويلية بالتصدي لأي مغامرة أميركية. ومن خلفها صرّح رئيس الجمعية التأسيسية القوي ديو سداد كابيللو “لم تتمكن شاحنة واحدة من المرور”. ولا سفينة من خرق الحدود البحرية.
الهيئات الدولية التي تجنّدت في سوريا وراء الذريعة الغربية “لإدخال المساعدات الإنسانية”، لم تستطع أن تنجرّ لتكرار المناورة في فنزويلا. فالصليب الأحمر الدولي امتنع عن المشاركة ونأت المنظمات الأخرى بنفسها، حين اضطر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش من ” العنف الذي ترافق مع عملية إيصال المساعدات”. وفي المحصلة يؤدي احتراق ورقة المساعدات بين أيدي كولومبيا وإدارة ترامب، إلى احتمال كبير لاحتراق ورقة غويدو الذي جرى تهريبه إلى كولومبيا وبات من الصعب إعادة تهريبه إلى فنزويلا بعد فشل المراهنة على انشقاق الجيش وعلى انفجار الغضب الشعبي ضد مادورو، تحت تأثير ألغام المساعدات الإنسانية. وقد يكون هذا الفشل هو الطريق المفتوح لاعتقال غوايدو ومحاكمته بمجرد عودته إلى فنزويلا.
مجموعة “ليما” التي تلتقي في عاصمة كولومبيا “بوغوتا” برئاسة مايك بنس، تدرس الإجراءات “لإجبار مادورو على مغادرة السلطة”. لكنها في اللقاء السابق بتاريخ 5 شباط/ فبراير لم تستطع قبول التدخل العسكري وهو الخيار الذي تلمح إليه إدارة ترامب. لكن هذا الخيار في التدخل العسكري الأميركي، ليس أمامه سوى الاعتماد على الميليشيات العسكرية الكولومبية بمساندة جنرالات الحكم في البرازيل وبقايا الدكتاتوريات العسكرية السابقة في تشيلي والأرجنتين.
الغزو العسكري الأميركي المكشوف، يقلب المراهنات الأميركية على احلام الانقلاب الداخلي وانقسام الجيش والشعب، إلى المراهنة على مواجهة عسكرية بين كولومبيا وفنزويلا. لكن هذه المواجهة لا تقتصر على الجيشين، فبينما تتدخل القوات الخاصة الأميركية إلى جانب كولومبيا والمليشيات الاجرامية، يدخل الجيش الشعبي الفنزويلي إلى ساحة المواجهة بقوات منظمة تضم حوالي 1,6 مليون متطوّع. وهذه القوات مدعومة بمساعدة كوبية ويمكن أن تنضم إليها مساعدة من نيكاراغوا وبوليفيا ومن قوى شعبية واسعة في مختلف دول أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي التي حملت السلاح في حروب التحرر ضد أميركا.
أميركا تحشد في كولومبيا جلاوزة الدكتاتوريات العسكرية والميليشيات الاجرامية، “لخلق ظروف تؤدي إلى الحرية والديمقراطية في فنزويلا” كما يقول رئيس كولومبيا إيفان دوكي. لكن التدخل العسكري الأميركي يستفز كرامة الشعوب اللاتينية المدعومة من روسيا وإيران والصين وتركيا والرأي العام العالمي الرافض للفاشية.
ماركو روبيو الذي يتهم الفلسطينيين بأنهم يعلمون أطفالهم قتل اليهود، هو عيّنة من الذاهبين للحرب ضد فنزويلا. ويتهم رشيدة طليب بمعاداة السامية. لكن أحلامه قد تصطدم باضطرار ترامب إلى الانسحاب من مغامرة قد تنفجر بوجهه في أميركا اللاتينية.
الميادين