جنبلاط: هل يتسع الوقت لاستدارة أخيرة؟.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

جنبلاط: هل يتسع الوقت لاستدارة أخيرة؟.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ فبراير ٢٠١٩

أدلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إبان لقائه وفد مشايخ جبل لبنان في الحادي عشر من الشهر الجاري، أي عشية الإعلان عن ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة، بتصريحات ليست مثيرة كالعادة، ولا هي إشكالية، كمطلب كان يشكل متلازمة دائمة وأساسية لنجومية سياسية لا تنبع أساساً من أثقال الشارع ولا حمولات الإيديولوجيا أو الاقتصاد وإنما تنبع من استعداد «النجم» الدائم للعب دور رأس الحربة في أي سهم تقرر جعبة الأحداث الإقليمية أو الدولية إطلاقه في اتجاه ما.
عدم الإثارة وغياب الإشكالية يتأتيان من أن السجال الذي دار بينه وبين رئيس الحكومة سعد الحريري في الأسبوع الأول من هذا الشهر، كان يشير تبعاً لكاريزما الأول أنه يستعد لخوض معركة خطف الأضواء من جديد، بعدما أيقن أن البل قد وصل إلى لحية المصالح، على حين أضحى التهميش السياسي تحصيل حاصل، والأهم هو أنه أيقن صلابة تفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر الذي أتم قبل أيام ربيعه الثالث عشر.
سيقول وليد بيك في ذلك اللقاء: «اسمحوا لي أن أبقى في بيتي»، وسيضيف إنه لا يريد أن يسلك طريق الشام، لكنه لن يكون عقبة أمام من يريد أن يفعل، لأن الوضع اليوم مختلف عن العام 1977، ففي ذلك العام دفعنا بأنفسنا في مواجهة الإسرائيلي.
دلائل ومؤشرات ما قاله جنبلاط عديدة لربما في الذروة منها أنه بات مؤمناً بتهتك النسيج السياسي لقوى 14 آذار، فما بين 2005-2019 جرت مياه كثيرة، وحدثت تحولات كبرى أفقدت هذا الأخير الكثير من حيويته، كما أفقدته «اللاصق» الذي كان قادراً على جمع ما لا يمكن جمعه، ولربما قرأ جيداً «النحر» الأخير لذلك النسيج عبر دلالات توقيع الحكومة اللبنانية لاتفاق مع شركة النفط الروسية في 25 كانون الثاني الماضي ما استدعى استخدام عدسة «الزووم» لتوسعة المشهد.
أما دواعيه فهي واضحة، والحديث عن سلوك طريق الشام مع انتفاء الرغبة لديه في ذلك مرده إلى أنه ارتأى في تعيين صالح الغريب في منصب وزير الدولة لشؤون النازحين جسر عبور لحكومة لبنان الجديدة نحو دمشق، لكن اللافت في ذلك التصريح هو في المقارنة بين اليوم وبين العام 1977 الذي «دفعنا فيه بأنفسنا في مواجهة الإسرائيلي» والسؤال: لماذا يريد جنباط أن ينكأ جرحاً قديماً من العيار الثقيل الآن؟!
من المفيد هنا أن نتذكر أن شرارة الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1989) كانت قد انطلقت من طموح (كمال) جنبلاط الأب إلى بناء إمارة إقطاعية بلبوس يساري عندما تلاقى في ذلك مع أحلام الراحل ياسر عرفات بتعويض «الوطن البديل» الذي كان قد خسره في إحداث أيلول الأسود في الأردن 1970، كانت تلك الشرارة تهوراً لا يدرك القائم بالفعل فيه تداعياته المحتملة التي تمظهرت بتدخل عسكري إسرائيلي حدث مرتين 1978- 1982 في غضون ست سنوات، ذلك التهور لم يكن بجديد على جنبلاط الأب إذ يورد المؤرخ العراقي نجدة فتحي صفوة في كتابه «من نافذة السفارة: العرب في ضوء الوثائق البريطانية» وثيقة يعود تاريخها إلى 24 شباط 1954 ومفادها أن جنبلاط الأب كان قد زار السفارة البريطانية ببيروت وقابل فيها المستر سكوت السكرتير الأول لها، ليقول لهذا الأخير ما معناه أن حكم العقيد أديب الشيشكلي في دمشق يتداعى وأن 15 ألف رجل يقومون بعزل هذه الأخيرة عن محيطها، ما سيكون فعلاً كافياً لإسقاط النظام القائم فيها، واللافت هو أن المستر سكوت كان قد علق بخط يده على برقيته «إن الزعيم الدرزي يبدو بشكل ما متهوراً وعديم الإحساس بالمسؤولية».
هذا التهور شكل في المدرسة الجنبلاطية معلماً في أدبياتها ما دامت الإيديولوجيا تقوم على استعادة الإمارة أو توسيع رقعتها، وجنبلاط الابن كان أكثر تهوراً من الأب فما فعله بين العامين 2012- 2013 كان أكثر تهوراً وأقل إحساساً بالمسؤولية، والمؤكد أن عمق الرجل كان مكشوفاً قبل عقود، ففي محاضرة له ألقاها جنبلاط الابن في باريس العام 2013 في ذكرى رحيل الأب ذكر أنه ذهب إلى لقاء الرئيس الراحل حافظ الأسد، بعد أربعين والده، وأنه انتظر لوقت ليس بالقصير في صالون قال إنه كان ذا أثاث متواضع، ثم لم يلبث أن فتح بابه ليدخل عليه الأسد مرحباً وقائلاً له بصوت مرتفع: يا إلهي كم تشبه أباك.
في السياسة كما في التجارة يجب على من يفلس في أي منهما أن يشهر إفلاسه كوسيلة لعدم ملاحقته قضائياً في الثانية وسياسياً في الأولى وبعدها يستطيع الذهاب إلى البيت.