لن يعوض بولتون لإسرائيل ما خسرته بعد انتصار سورية.. بقلم: تحسين الحلبي

لن يعوض بولتون لإسرائيل ما خسرته بعد انتصار سورية.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٨ يناير ٢٠١٩

إذا كانت الولايات المتحدة قد بدأت في عهد دونالد ترامب بالميل في الأسابيع الماضية إلى انتهاج سياسة وصفها القادة الإسرائيليون أنفسهم «بالتراجع عن حماية حلفائها في المنطقة» تحت حجج ومبررات عديدة عرضها ترامب واستند لها في قرار سحبه للوحدات العسكرية الأميركية في شمالي سورية، وفي تأييده لحلول سياسية في اليمن، فإن ذلك سيؤدي بشكل طبيعي إلى وجود عملية خلط في أوراق التحالف الأميركي مع عدد من الحلفاء للولايات المتحدة وهذا ما تشير إليه انتقادات رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو نفسه لسياسة ترامب في جلسات الحكومة الإسرائيلية المصغرة لشؤون الأمن.
نتنياهو يدرك أن إسرائيل لا تستطيع توظيف أي دور في إستراتيجيتها الإقليمية لدول حليفة للولايات المتحدة إلا حين تكون الولايات المتحدة نفسها هي المايسترو وقائد الفرقة العازفة والموجه الذي يتبنى خطة كهذه، ولذلك ينتقل كل ضعف يدب في النفوذ والدور الأميركي في المنطقة إلى ضعف نسبي بالمقابل في قدرة إسرائيل ونفوذها لدى بعض الدول العربية.
ربما تضيف زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى إسرائيل واجتماعاته مع نتنياهو دليلاً آخر على شعور إسرائيل بوجود نوع من التراجع في السياسة أميركية وخصوصاً أن ترامب نفسه تطرق إلى موضوع إيران بطريقة لم يألفها رجال إدارته ولا نتنياهو الصديق المقرب منه حين قال لوسائل الإعلام الأميركية في الثاني من كانون ثاني الجاري قبل زيارة بولتون بأيام قليلة إلى تل أبيب واجتماعه بنتنياهو بموجب ما نشرته مجلة «تايم» الإلكترونية في 4 كانون الثاني الجاري أن «إيران تريد المحافظة على بقائها وهي بدأت تتبع سياسة مختلفة عما سبق فهي تسحب رجالاً لها من سورية وتستطيع أن تفعل ما تشاء هناك وبرغم أنها تشكل قوة وسيطرة في الشرق الأوسط وتهدد إسرائيل بالإبادة إلا أنها مختلفة جداً الآن» وفي ظل هذا التصريح الذي ظهر صوتاً وصورة في مختلف وسائل الإعلام العالمية والإسرائيلية فما الذي أراد جون بولتون بحثه مع نتنياهو؟
ثمة من يرى أن نتنياهو يعرف ما يعنيه ترامب من تصريحه هذا لكنه يريد ثمناً مقابله وهو اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل وضمها للجولان السوري المحتل ما دامت واشنطن تسببت بتصدع في سياسة إسرائيل تجاه الموضوع الإيراني الذي كان نتنياهو يطمح بوساطة ومن خلال تهديداته لإيران إلى الاستناد إليه في تأسيس حلف مع السعودية ضد إيران.
ربما وجد بولتون نفسه أثناء وجوده بالطائرة المتجهة إلى تل أبيب قبيل اجتماعه بنتنياهو مضطراً إلى تحويل الانتباه عن تصريحات ترامب هذه فاختار أن يعلن للصحفيين في طائرته بموجب ما نشرته المجلة الإلكترونية «فورت- روس» في السادس من كانون الثاني الجاري أن «السياسة الأميركية لم تتغير أبدا تجاه أي استخدام للسلاح الكيميائي من سورية» وأنه يحذر سورية وكأنه يريد تحويل الانتباه عن تصريحات ترامب التي أقلقت إسرائيل في موضوع إيران وشعورها بتراجعه عن سياسة التصعيد ضد إيران وهي سياسة تلحق الضرر بشعار التحالف ضد إيران.
كانت الصحف الإسرائيلية أول من دق جرس الإنذار لحكومة نتنياهو من خطر التراجع الأميركي المحتمل حين حملت عناوين عريضة تقول في بعضها: «ترامب رمى إسرائيل تحت عجلات شاحنة نقل روسية» وأن «واشنطن لن تعود على الأرض لمصلحة إسرائيل» وأن «إسرائيل فقدت أنصارها ماتيس وزير الدفاع الأميركي ونيكي هيلي ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة وجون كيلي رئيس أركان الجيوش الأميركي المستقيلين» ولم يبق لإسرائيل سوى جون بولتون ومايكيل بومبيو وزير الخارجية الأميركي.
ويبدو من الواضح أن نتنياهو بأمس الحاجة إلى ترامب في هذه الأوقات التي تتزامن مع حملاته الانتخابية لكسب الأصوات داخل إسرائيل بعد أن تقرر عقد الانتخابات للبرلمان «الكنيست» في التاسع من نيسان المقبل وهو لهذا السبب طالب ترامب أثناء اجتماعه ببولتون بالاعتراف له بضم الجولان إلى إسرائيل لكي يستخدم هذا الموقف في الانتخابات وسوف يستمر في سياسة استخدام ترامب إلى أن تنتهي الانتخابات.
بصرف النظر عن موافقة ترامب أم عدم موافقته سيظل ميزان القوى الذي فرضه انتصار سورية في المنطقة وحلفائها هو العامل الحاسم في صناعة القرار على الأرض وهو قرار سورية باستعادة الجولان الحتمية والاستمرار في إحباط كل مخططات إسرائيل وحلفائها.