تداعيات الانسحاب الاميركي من سورية.. بقلم: سركيس أبوزيد

تداعيات الانسحاب الاميركي من سورية.. بقلم: سركيس أبوزيد

تحليل وآراء

السبت، ٥ يناير ٢٠١٩

الرئيس الأميركي دونالد ترامب ھو “رئيس المفاجآت”، يفاجئ الجميع من حيث لا يتوقعون وفي توقيت لا يحتسبونه. في بدايات العام فجّر مفاجأة الانسحاب الأميركي ومن طرف واحد من الاتفاق النووي الإيراني، ومن ثم مفاجأة تنفيذ قرار نقل السفارة الأميركية الى القدس. في نھاية العام فاجأ الجميع، حلفاء وخصوماً، بقرار الإنسحاب من سوريا. المفاجأة لم تكن فقط في توقيت القرار وإنما في شكله: انسحاب كامل وسريع من دون تنسيق مع الحلفاء، حيث كانت الولايات المتحدة قد احتفظت بنحو ألفي جندي منتشرين في شرق نھر الفرات، ومنبج شمال شرقي حلب، وفي قاعدة التنف في زاوية الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية.
عنصر المفاجأة في قرار الانسحاب المباغت من سوريا يكمن أساساً في أنه جاء من خارج السياق الأميركي في ھذه المرحلة، وغير منسجم مع التأكيدات والمواقف التي صدرت عن مسؤولين أميركيين ربطوا استمرار ھذا الوجود بتحقيق ثلاثة أھداف ھي:
– محاربة “داعش” ومنع ظھوره من جديد، وإلحاق الھزيمة الكاملة به!.
– احتواء إيران وإبقاء قواتھا تحت المراقبة، ومنع فتح “أوتوستراد” تواصل بري بين سوريا والعراق.
– تحقيق الحل السياسي للأزمة السورية!.
أيّ من ھذه الأھداف لم يتحقق، ومع ذلك لم يجد ترامب حرجاً في إعلان قراره بالانسحاب من سوريا ووضعه موضع التنفيذ الفوري والعاجل.
وعلى ما يبدو، فإن التطورات الميدانية ھي التي دفعت ترامب الى سحب سريع للقوات الأميركية من سوريا. ھذه التطورات تتعلق بالبدء في استھداف القوات الأميركية عبر عمليات متفرقة، كان آخرھا وأشدھا وقعا تلك التي حصلت في مدينة الرقة.
أيًا تكن أسباب القرار الأميركي، فإن النتائج والتداعيات المترتبة على ھذا القرار ھي الأھم وإليھا تتجه الأنظار. فھذا التطور مثل تطورات مماثلة، إذ يُعد نقطة تحوّل في مجرى الأزمة السورية التي باتت محصورة ميدانيا في منطقتي الشمال والشرق، ويفضي الى النتائج والمتغيّرات التالية:
1- الطرف المعني مباشرة بالانسحاب الأميركي والخاسر الأول فيه ھو “أكراد سوريا” الذين يشعرون أنھم تلقوا طعنة، وأن الحليف الأميركي خدعھم أو خذلھم وتخلى عنھم تاركا لھم أن يتدبروا أمورھم ومصيرھم بيدھم.
2- تركيا تبدو المستفيدة المباشرة والأولى من ھذا الانسحاب الذي يفتح لھا باب الدخول الى شرق الفرات. وھذا التطور على أرض سوريا سيكون له أثر إيجابي على منحى العلاقات الأميركية التركية ويسرّع في عملية إعادة بناء الثقة فيھا وضمن برنامج أكبر لتطوير العلاقات يشمل إقرار بيع منظومة “باتريوت” الأميركية بقيمة 3.5 مليار دولار الى أنقرة، وإقرار صفقة مقاتلات “أف ١٥ ” الأميركية للجيش التركي، وبحث تسليم المعارض التركي فتح الله غولن بعدما سلمت تركيا في وقت سابق القس الأميركي “أندرو برانسون”.
3- توسيع مساحة التفاھم والتناغم مع روسيا داخل سوريا وخارجھا.
4- دفع إيران الى مراجعة عاجلة للموقف في ضوء ھذا التطور، فإخلاء الأميركيين لمنطقة شرق الفرات يطلق مرحلة من السباق المحموم لملء الفراغ الأمني والعسكري في ھذه المنطقة بين ثلاثة لاعبين خارجيين: روسيا وتركيا وإيران، ولاعبين محليين: الأكراد الذين يشكلون الحلقة الأضعف، والنظام السوري الذي يشكل الحلقة الأقوى والمستفيد الأرجح من ھذه التطورات المتجھة في نھاية المطاف الى تسليمه المناطق الكردية لإدارتھا وحمايتھا، مع مراعاة الھواجس الأمنية التركية والمطالب السياسية الكردية.
في المقابل، وعلى الجانب الاسرائيلي، أدى إعلان الانسحاب من سوريا الى ارتفاع وتيرة القلق الإسرائيلي، إذ سيحجب مشروعا أميركيا لـ”دعم ضم الجولان”. وإذا كان نقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة والاعتراف بھا رسمياً عاصمة للكيان الاسرائيلي كان واحدا من أحداث العام 2018 وواحداً من قرارات ترامب البارزة، فإن الاعتراف الأميركي بما يسمى “السيادة الإسرائيلية” على ھضبة الجولان ودعم ضمھا الى الكيان المحتل سيكون واحدا من قرارات ترامب البارزة في العام 2019. ومشروع القرار ينص على الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على ھضبة ومرتفعات الجولان المحتلة. ولكن الظروف ليست مناسبة للاحتفاء به في ظل أجواء القلق ازء الانسحاب الأميركي من سوريا، والذي يعاكس رغبة وتوقعات” إسرائيل” ويمس مباشرة بأمنھا ومصالحھا.
وعلى وقع التفاعل الفوري مع قرار الانسحاب، رأت “القناة الثانية عشرة” في كيان العدو أن “”إسرائيل” بذلت جھوداً كبيرة من أجل إقناع ترامب ومن حوله بالبقاء في سوريا وعدم إبقائھا وحدھا مقابل الإيرانيين وروسيا.. “.
أما الأوروبيون فيعتبرون أن توقيت القرار الأميركي سيئ جداً لأنه يأتي فجائياً، فيما المفاوضات لتشكيل اللجنة الدستورية اقتربت من نھاياتھا، وبالتالي فإن انسحاب أميركا سيكون له بالغ التأثير على مجرياتھا. وقرار الانسحاب الأميركي يدفع الدول الأوروبية إلى التفكير ملياً بحاجة أوروبا إلى “استقلالية استراتيجية”.
قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من سوريا أحدث بلبلة، وأظھر أن الأميركيين “يخربون اللعبة ولا يلعبون”. وهو بالتالي يؤدي إلى تأكيد عدم صدقية الولايات المتحدة في العالم بعد انحسار الوجود الأميركي، وستزداد قناعة الأطراف السياسية المختلفة بجدوى توسيع التفاھم مع روسيا أكثر من الولايات المتحدة بسبب استقرار وعقلانية السياسة الروسية. وأصبح من الصعب الاعتماد على من لا يُعتمد عليه أو على قوى أصبحت أكثر خطراً على أصدقائھا من أعدائھا، بينما روسيا ستملك نفوذاً كبيراً ومتعاظماً في الشرق الأوسط وساحل البحر المتوسط، بما فيه من مكامن ومركز نقل وتخزين وتوزيع للغاز طبيعي، وما لذلك من تأثير كبير على مستقبل واستقلالية قرار القارة الأوروبية.
العهد