جردة حساب.. بقلم: سامر يحيى

جردة حساب.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٢٩ ديسمبر ٢٠١٨

 طبيعية من المفترض أن تحصل في نهاية كلّ عامٍ لنفتتح العام الجديد بمراجعةٍ للذات بدءاً من الشخص وصولاً للمؤسسات لتفادي السلبيات والاستفادة من الأخطاء وتعظيم النجاحات، وابتكار السبل الأكثر قدرةً على التطبيق في أرض الواقع، بعيداً عن جردة حسابٍ روتينية دورية رقمية لا تساهم بالبحث عن جذور المشكلات والحلول الأنجع لمجابهة التحديّات، والانتقال الروتيني المدمّر مع الزمن لإصابة المؤسسات بالترهّل تحت شعارات تنظيرية بعيدةً عن العمل على أرض الواقع.
 تزامن نهاية العام مع نهاية الفصل الدراسي الأول، الذي من الطبيعي أن يقوم الطلبة وكذلك المدرسين بعقد جلسات وداعية للاستراحة من عناء التدريس والدراسة لمدة أسبوع، ليكونوا على أتمّ الاستعداد والأهبة للبدء بفصلٍ دراسي جديد يقيّمون أخطائهم وسلبياتهم واستعدادهم للانطلاق بقوّة، لكن للأسف المفاجأة كانت بأنّ الطلبة يخرجون من المدرسة ويرمون الملخّصات والدفاتر، والكثير منهم الكتب ممزّقة تشوّه الشوارع، وحديثهم انتقاد المدرّس بأسلوب حديثه ولبسه، بعيداً عن مناقشة أسلوبه تدريسي وقدرته بإيصال المعلومة، في المقلب الثاني، الأهالي ارتاحوا من عناء الاستيقاظ مبكّراً لإرسال أولادهم إلى المدارس والبحث عن السبل الأفضل لتحقيق الراحة والتحضير للزيارات وغيرها من الأمور الواجب اغتنام العطلة بها بعيداً عن مسؤولية التدريس، أمّا المقلب الثالث فهو المدرس، الذين للأسف اعتبر الكثير منهم أنّها فرصة للتخّلص من عناء الطلبة، ويفكّرون بالوسيلة الأسهل التي يقومون بها بتصحيح الأوراق الامتحانية دون أن تسرق منهم الراحة والزيارات التي كانوا ينوون القيام بها بفترة العطلة، وكل اهتمامهم وانتقاداتهم تصبّ على سوء خلق الطلبة وأنّهم لا يستحقّون الاحترام إلى ما هنالك من انتقادات لتصرّفاتٍ سلبية بعيداً عن التفكير المنطقي السليم بأنّ دورهم هو تأهيل جيلٍ سيكون في المستقبل زميلاً لهم أو مديراً عليهم أو مسؤولاً في مكانٍ ما إلى ما هنالك، وتقويم سلوكه بأسلوبٍ وطني محبّب..
 للأسف تجاهل الطالب دوره بنيل العلم والمعلومة واكتساب المعرفة والخبرة العلمية والعملية، وتجاهل المدرّس أنّ دوره بناء جيلٍ قادرٍ على مواكبة التطوّرات، وتغيير العادات السلبية إن وجدت، وتنبهيهم للسلبيات التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لصالح العلم والمعرفة والتربية، والحفاظ على الكتب واعتبارها مرجعاً مهمّاً لا مرحلةً آنية، والنظافة والأخلاق واحترام الآخر في الوطن هو جزءٌ أساس بعيداً عن التوبيخ والتحقير والإهمال.. وأن دور المدرّس بثّ روح العمل الجماعي والتشجيع على تلقّي المعلومة المستديمة لمواكبة التطوّرات، وتقويم البيئة الحاضنة إن وجدوها سلبية، بل وضع كل ما بإمكانهم لتحمّل المسؤولية والقيام بالدور المنوط به لأنّه مربّي أجيال واسم المؤسسة "وزارة التربية" التي تعدّ الطلبة لمرحلة تؤهّلهم ليختاروا تخصّصهم واختصاصهم ليكونوا بناةً فاعلين في الوطن شركاء في بنائه.
 للأسف القائمين على العملية التربوية يتجاهلون المهام الأساسية المنوطة بهم، ونراهم يصرّحون بأمورٍ ثانوية، وتركيز الانتقاد أو المديح على المناهج الدراسية، متجاهلين القاعدة الأساسية أن البناء الأخلاقي التربوي للنشء يجعل الطالب تلقائياً باحثاً عن المعلومة، مواكباً لكل جديدٍ، متفوّقاً بمجالٍ ما، يستعير الكتب، أو يتبادلها مع زملائه، ويراجع المخابر لإجراء التجارب والبحث عن المعلومة عبر "الشابكة" مواقع الانترنت، التي يجدون بها تسليةً وعلماً وتنشئةً سليمةً بآنٍ معاً، ويكون مساهماً في بث الروح الوطنية في أسرته، فما نفع أن يكون الطالب متفّوقاً بمادةٍ لكنّ بعد انتهاء الامتحان يرمي مصادر دراسته لها، ومن الطبيعي والذاكرة المؤقتة تلقائياً سينسى كلّ ما درسه بانتهاء الامتحانات، بينما يبحث المدرّس عن تأمين مصدر رزقه، والسبيل الوحيد الضغط على الطلبة من أجل الحصول على دروسٍ خصوصية، ومن ثم تبحث الوزارة عن طريقة لمنع الدروس الخصوصية، بعيداً عن التفكير المنطقي بأن لا يحتاج الطالب للدرس الخصوصي ما دام هناك نيلٌ صحيحٌ للمعلومة في المدرسة، والوضع المادي للمعلّم جزء من وضع جميع أبناء الوطن يجب البحث عن إمكانية رفع مستواه أسوةً بالتفكير المنطقي، عدا عن إعادة النظر بالتوزيع العادل لعدد المدرّسين والطلبة بكل مدرسةٍ أو شعبةٍ أو صف لنفاجئ بنفس المدرسة شعبة لا يتجاوز عدد طلبتها الخمس وعشرون طالباً وأخرى يتجاوز العدد الأربعون لنفس الصف ونفس السنة الدراسية، مما كان أجدر بالمؤسسة التربوية البحث عن سبب حصول هذا الخلل بالتوزيع لمعالجته، لا استمرار المشكلة وبالتالي إهمال جزء مهم من أبناء الجيل.
 إن المسؤولية الاجتماعية الوطنية الملقاة على كاهل المعلّم تستوجب منه القيام بدوره المنوط به للبحث الإيجابي البنّاء في أفضل السبل لإعطاء الطلبة العلم والتربية مستفيداً من الخبرة التراكمية، وأنّ الطلبة بالتأكيد ليس جميعهم بنفس المستوى الاجتماعي والمعرفي والقدرة الاستيعابية والخبرة، ومن هنا ضرورة تباحث المدرّسين ووزارة التربية عبر  جلسات نقاش وتأهيل وتدريب حقيقية جدية تعتمد على مراجعة المنهاج وأسلوب نقاشه مع الطلبة بشكلٍ منهجي مدروس، ويؤدي الرسالة المطلوبة.  
 نحن بحاجة لأن يكون المدرّس قدوةً للطلبة، لا سيّد ومسود، فكم نحتاج أن نستذكر هذا المدرس، وأن ينقل الطالب لأسرته دور المدرس وأسلوبه وأنّه استطاع إيصال المعلومة للطالب بكل سلاسة، ونبّهه إلى أن كل منا له دورٌ في بناء الوطن بدءاً من رمي القمامة بمكانها المخصص، واحترام الصغير وتقدير الكبير والخروج الهادئ من المدرسة والحفاظ على مواد الدراسة من دفاتر وكتب وغيرها، وأنّ الطالب قادرٌ على الإبداع والابتكار والاطلاع بأقل التكاليف وأن يكون عوناً لأسرته لا عبئاً عليها، وله دورٌ فعال بالمجتمع وتأثيرٌ على أصدقائه واخوته وأبناء منطقته ضمن إمكانياته، إلى ما هنالك من أفكار لا يتّسع لها الحديث لكن من المفترض أن تبحثها المؤسسة التربوية بكل أركانها، لأنّ بناء الإنسان يعتمد على المرحلة التربوية الأساسية لأنّه تضمّ كافّة أطفال الوطن دون استثناء.
 إنّنا بحاجةٍ لدراسة كل موضوع من كافّة نواحيه ومراجعه، من كل جوانبه، والمؤسسة التربوية المؤسسة الأقدر على القيام بالبدء بهذه الخطوة لتعاملها مع شريحة واسعةٍ ومؤثرة في المجتمع، بالتعاون مع الجميع ـ الأهل والمؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية ...إلخ ـ لنكون جميعاً عوناً للوطن وبناةً حقيقيين له كل من مكانه ومكانته، امتثالاً لتوجيهات سيّد الوطن، ونضالات إخوتنا في الجيش والقوات المسلّحة.