الصهيونية العربية تعلن عن نفسها.. بقلم: عبد الرحمن غنيم

الصهيونية العربية تعلن عن نفسها.. بقلم: عبد الرحمن غنيم

تحليل وآراء

الجمعة، ٧ ديسمبر ٢٠١٨

إن الأمر الذي لا ريب فيه أن النظام الحاكم في المملكة السعودية يواجه الآن قمة أزمته الوجودية. وحين نقول قمة أزمته الوجودية فهذا يعني أن ذلك الدمّل المندمل أصلاً -ومنذ عدة قرون- على الغش قد انفجر ولم تعد لملمته ممكنة.
ينظر الناس الآن باستغراب إلى تلك الجسور الخفية التي كانت تصل بين النظام السعودي وبين الدويلة الصهيونية وهي تتحول إلى جسور علنية، فيطلقون على ما يحدث صفة “التطبيع”، وكأنما هي جسور طرأت أخيراً ولم تكن قائمة طوال الوقت بين ما يمكن أن نسمّيها بالصهيونية العربية وبين ما تعرّف عادة بالصهيونية الغربية، مع العلم بأن الصهيونية العربية وجدت قبل الصهيونية الغربية بزمن طويل.
وينظر الناس أيضاً باستغراب إلى تلك الأصوات التي تبدو ناشزة، وهي تصدر عن إعلاميين أو عن مواطنين من أصحاب الجنسية السعودية، يتغنون فيها بالعلاقة مع الكيان الصهيوني ومع الصهيونية الغربية، ويشهّرون فيها بالفلسطيني الصامد بمواجهة الصهاينة وكأنه هو المفتري والمعتدي، بينما الصهيوني بريء وصاحب حق لا جدال فيه، ويتساءلون: أيّ نوع من العمى أو الحول أصاب هؤلاء “السعوديين” فجعلهم ينظرون إلى المشكلة الفلسطينية بهذه الطريقة العكسية؟!
إن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أننا سنبقى واقفين في زاوية المستغربين المندهشين طالما أننا لم نضع يدنا على الجرح ولم نعرف أيّ خديعة كبرى جرى تصنيعها وتمريرها في جزيرة العرب ولا زالت مخلفاتها قائمة حتى الآن.
 
يهود الجزيرة العربية
لقد اعتدنا عند الحديث عن “المشيحانية” اليهودية، وعن نبيّها المزعوم “شبتاي زئيفي”، أن نتحدث عن بقايا هذه الظاهرة متمثلة فيمن أسموا بيهود الدونمة في تركيا، وأن نتحدث بالتالي عن دور يهود الدونمة في العبث بمقدرات السلطنة العثمانية أولاً ثم الدولة التركية الحديثة التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الأولى ثانياً، مفترضين أن اليهود العرب ظلوا بمعزل عن تلك الظاهرة. ولقد نسينا في هذا السياق أو آثرنا أن نتناسى حقيقة أن ظاهرة “شبتاي زئيفي” كان يمكن أن تمر دون أن تخلف وراءها أثراً يذكر لولا أن يهودياً عربياً هو “ناتان الغزاوي”، وكان تاجراً في غزة، نهض بعبء الدعوة لها بين اليهود العرب، وربما بين اليهود الأتراك أيضاً. فإذا كان المؤرخون لتركيا تعقبوا ظاهرة يهود الدونمة وتأثيرها على المجتمع التركي وعلى السياسة التركية، فإن المؤرخين العرب قل أن تحدثوا عن جناح “الشبتانية” الرئيسي الذي وجد في المنطقة العربية من السلطنة، وآثروا أو تعمّدوا أن يسدلوا عليه ستار الكتمان، أو أنه ببساطة لم يوجد من يرصد هذه الظاهرة ويؤرخ لها ضمن المنطقة التي تأثرت بها أكثر من المناطق الأخرى، وهي المنطقة الشمالية من جزيرة العرب.
لم يكن الوجود اليهودي في جزيرة العرب، وخاصة في المنطقة الشمالية منها، عند ظهور “شبتاي زئيفي” وجوداً محدوداً، بل كان سائداً ومتسيّداً، وهو أمر يكفي أن نتلمسه من خلال ما جاء في كتاب “الرابي اليهودي بنيامين التطيلي” عن رحلته التي تعقب فيها الجاليات اليهودية خلال القرن الثاني عشر الميلادي. وقد تأكدت المعلومات التي أوردها “التطيلي”، مثلما تأكد تشكيل صهيونية يهودية في الجزيرة العربية من خلال الدور الذي قام به “دافيد رأوبيني” في النصف الأول من القرن السادس عشر حين راح يتنقل في جولات سياسية كسفير لأبيه ثم لأخيه ملكي اليهود في جزيرة العرب، ساعياً للحصول على مساندة غربية لخطة يهودية تهدف إلى احتلال فلسطين بعد أن نجح يهود الجزيرة العربية في تعبئة 300 ألف مقاتل يهودي للقيام بهذه المهمة. وكان ذلك في ذات الزمن الذي احتل فيه العثمانيون المشرق العربي ثم وسعوا احتلالهم ليشمل مصر وشمالي إفريقيا. ولعل هذا التطور مقترناً بتردد الغرب بسبب حساباته التجارية الخاصة في تلقف الدعوة الصهيونية العربية ومساندتها هو الذي حال بين الصهيونية العربية آنذاك وبين الانتقال إلى مرحلة غزو فلسطين. لكن هذه الواقعة تعني على كل حال أن الصهيونية العربية تبلورت قبل الدعوة “الشبتانية” وقبل ظهور الصهيونية الغربية بزمن طويل.
إن ما تعنيه هذه المعطيات أنه كانت هناك في جزيرة العرب عند ظهور “شبتاي زئيفي” بيئة يهودية مهيأة لالتقاط دعوته وتبنيها. لكن الفارق بين صهيونية “شبتاي زئيفي” والصهيونية العربية التي سبقتها بالظهور إنما تمثل في اعتناق من ادعى أنه “المشيح اليهودي” المخلّص “شبتاي زئيفي” للإسلام، وقيام داعيته “ناتان الغزاوي” بدعوة اليهود إلى التظاهر باعتناق الإسلام من أجل الكيد للمسلمين، بينما لم يكن مثل هذا التوجه قائماً في زمن “دافيد رأوبيني”. وهذا التصور الجديد الذي دعا إليه “ناتان الغزاوي” أدى إلى ظهور صهيونية تدّعي أنها إسلامية، وهو التصور الذي وجد ضالته في الحركة الوهابية. أي إن الصهيونية العربية قبل ظهور “زئيفي” وداعيته “ناتان” كانت يهودية، وأما بعد ذلك فصارت صهيونية تدّعي أنها إسلامية وترتدي لباس الوهابية، وتجمع في ظلها بين العنصرين المتضادين في جزيرة العرب، أي بين الجماعة اليهودية التي تظاهرت باعتناق الإسلام وبين عرب مسلمين جرى إقناعهم بأن الوهابية حركة إصلاحية. وهكذا “ضاعت الطاسة” كما يقال، فبات الكلام كله منصباً على الوهابية، وأما اليهود الكثر الذين اختفى ذكرهم كيهود، ولم يعد لهم أثر، فقد عدّوا من قبل المنظرين للوهابية وورثة دعوتها أنهم أسلموا وحسُنَ إسلامهم مع الزمن، واندمجوا مع من حولهم، وأسدل الستار على مشكلتهم، بل إن إثارتها صارت تستدعي الريبة والتشكيك فيمن يثيرها. وما زلنا في الواقع نتردد في إثارة هذه المشكلة لما تنطوي عليه من احتمال إلحاق الظلم ببعض الناس على قاعدة سوء الظن. فمسألة المعتقد الديني تبقى مسألة ضميرية بين الفرد وخالقه، وليس بوسع أي منا ولا يجوز أن يحكم على دخيلة الآخرين إذا كان ظاهرهم هو غير هذا الحكم.
 
اليهود المتأسلمون
الآن، وفي الزمن الذي وصل فيه إلى واجهة السلطة السعودية محمد بن سلمان، أخذ اليهود المتأسلمون، أو على الأصح بعضهم وخاصة ممّن زرعوا في وسائل الإعلام السعودية يطلون برؤوسهم، ويعبّرون صراحة عمّا في نفوسهم. لكن هذا التطوّر جاء في لحظة يأس، أو لنقل في لحظة زمنية بالغة التعقيد قرّر فيها هؤلاء أن “يؤايسوا”، وأن يفصحوا عمّا في دخائلهم بعد أن كتموه لقرون، ذلك أنهم يرون أن المشروع الصهيوني دخل مرحلة التحدّي المصيري. ومن المؤكد أنهم ما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أن الموجة الوهابية بلغت قمتها من خلال تجنيد العصابات الإرهابية التكفيرية في محاولة تنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، وهو المشروع الذي تتمثل غايته الحقيقية في محاولة تمكين “إسرائيل” من التوسع بين الفرات والنيل. ومن يريد أن يتأكد من هذه الحقيقة نذكره بما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً عن الدور الذي أدته المملكة السعودية في خدمة “إسرائيل” بمواجهة مشكلة مصيرية. فكيفما كيّفنا هذا القول فإن النتيجة ستكون واضحة، وهي أن النظام السعودي بدلاً من مقاومة الكيان الصهيوني كما يتوقع منه أي إنسان عربي ومسلم، بل أي إنسان بغض النظر عن عقيدته وهويته، عمل على إنقاذ هذا الكيان مما اعتقد هو ومعه أمريكا أنه خطر مصيري يهدد بقاءه. ولنلاحظ أن النظام السعودي أدى هذا الدور لإنقاذ الكيان الصهيوني من أزمته رغم أن النظام السعودي نفسه مأزوم.
إن تحوّل هذا المشروع الصهيوني اللا مشروع من حالة المدّ إلى الجزر بعد الهزائم التي ألحقت به في سورية واليمن والعراق ولبنان جعل الصهيونية العربية تطل برأسها، وتعربُ عمّا في دخيلة نفسها، رغم ما ينطوي عليه هذا السلوك من مغامرة، وما يمثله من مقامرة، وإن كان انحراف الحاكم يعطي شرعية لانحراف المحكوم فلا يخشى عواقب فعلته طالما أنه يستطيع التذرع بأن غايته هي تبرير سياسة الحاكم، فهي معنية الآن بمتابعة تجنيد دول مجلس التعاون الخليجي في خدمة المخطط الشيطاني بمواجهة محور المقاومة، كما أنها معنية أيضاً بجعل توظيف هذه الدول في خدمة المخطط مدخلاً لتوظيف دول عربية أخرى في خدمة المخطط ذاته، ولكن تحت شعارات مثل “التضامن العربي” و”الأمن القومي العربي” ومواجهة ما يدعون أنه “الخطر الإيراني” على أمن الخليج، وغير ذلك من الشعارات التي تمكن الصهيونية العربية من توظيف أطراف عربية وإسلامية في خدمة الصهيونية الغربية، إن لم يكن بشكل مباشر فبشكل غير مباشر، على أن ما حدث ويحدث عملياً هو أن هذه الأطراف التي يجري توظيفها اخترقت “الحاجز النفسي” الذي كانت تتفاداه في الماضي حتى لا تنكشف أوراقها الخفية، ووصلت إلى مرحلة التحالف مع العدو الصهيوني حتى أنها باتت مستعدة للتجاوب مع المشروع الأميركي لإيجاد “ناتو شرق أوسطي” يجمع الأنظمة الرجعية العربية والكيان الصهيوني تحت مظلة أمريكية.
 
منطق التطبيع
إن تطور الأمور على المستوى السياسي والعسكري إلى حد تجاوز منطق “التطبيع” إلى منطق “التعاون”، ثم تجاوز منطق “التعاون” إلى منطق “التحالف” يتيح لليهود المتأسلمين في تلك الدول المنخرطة باللعبة أن يعبّروا ليس فقط عمّا في نفوسهم، ولكن أيضاً أن يحتلوا المواقع الأمامية في المؤسسات الإعلامية لتبرير سلوك القيادات السياسية، ودفعها أكثر فأكثر باتجاه تكريس العلاقة التحالفية. ولنا أن نتصور الأدوار الموازية الأخرى على صعيد الاقتصاد وحتى العلاقات الاجتماعية والثقافية.
ربما تساءل البعض: هل من الضروري أن يكون جميع الإعلاميين السعوديين أو الخليجيين المسبّحين بحمد الصهيونيين والمروّجين للصهيونية يهوداً متأسلمين؟ ونقول: قد تكون هناك استثناءات، ولكن هذه الاستثناءات تصبّ في ذات المجرى، وتعبّر عن الصيغة الوهابية التي خدعت الكثيرين في الماضي وما زالت تسعى إلى خداع الكثيرين. فالتنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تزعم أنها سلفية جهادية وهابية كانت أو غير وهابية يصبّ دورها جميعاً في خدمة التيار ذاته، وقد خدع بها وبأطروحاتها كثيرون، ولا يمكن الزعم بأنها تتشكل من يهود متأسلمين، وإن كان احتمال اندساس بعضهم فيها بهدف توجيهها والتحكم بها وارداً، ولكنها بالمقابل تتشكل من مسلمين باتوا في حكم المتهوّدين، سواء أدركوا هذه الحقيقة أو لم يدركوها. والدليل القاطع على ذلك أنهم ومنذ عقود من الزمن لم يوجهوا ولو طعنة خنجر ليهودي صهيوني، بينما كانوا هم الخناجر التي يطعن بها اليهود الصهاينة كلّ من يهمهم طعنهم. فمثل هذه الظاهرة الغريبة لا يمكن أن تكون قد حدثت بمحض الصدفة. إن التلقين الذي يتلقاه هؤلاء يبيح لهم قتل المسلمين والمسيحيين والصابئة وغيرهم، ولكنه لا يبيح لهم قتل اليهود الصهيونيين. ولا نظن أن تلقيناً من هذا النوع يفرض نفسه على الإرهابيين بمثل هذه الصرامة يمكن أن يحصل هكذا بالصدفة، أو بسبب قصور الملقّن فقهياً، إذ إنه من الواضح تماماً أن من يجنّد هؤلاء، ويلقنهم الدروس، ويشرع لهم ارتكاب الجرائم إنما يفعل ذلك في خدمة الصهيونية أولاً وقبل كل شيء، فإذا زعموا أن هذه النظرة إليهم مفتراة قلنا لهم: “إن الماء يكذب الغطاس. هذا هو العدو الصهيوني، وهو الذي يحتل جزءاً من دار الإسلام فيه المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ماثلٌ أمامكم، وله عملاؤه وأدواته ومؤسساته في معظم دول العالم، فاستهدفوه لنصدق أنه عدو لكم، وأنكم أعداء له، وإلا فإن ما هو ثابت عن التواصل والتعاون بينه وبينكم يدلل على أنكم أداته التي يستهدف بها العرب والمسلمين”.
الصهيونية العربية
إن الدور الذي لعبه الإرهابيون التكفيريون ومعهم “ثوار المعارضة” المزعومون في الحرب الكونية على سورية قد أدى إلى كشف ما هو مستور حول وجود صهيونية عربية خفية حين أخذ هؤلاء يتواصلون مع العدو الصهيوني ويتواصل هو معهم، وحين قدم لهم العدو الصهيوني كل ما يتطلبه الدور المسند لهم من خدمات. فمثل هذا التواصل ومثل هذه الصلة ما كانت لتقوم لو لم يكن المجند الأساسي لهم والمموّل الفعلي لهم قد طلب منهم ذلك، ولو لم يكن هواهم أو هوى المتنفذين فيهم على الأقل قد تطابق مع أهواء الصهيونية العربية فوصل بينها وبين الصهيونية اليهودية الغربية.
اتجهت بعض وسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة إلى تصوير ما حدث ويحدث من تواصل علني وتنسيق فعلي مع الكيان الصهيوني على أنه من نتاج نهج محمد بن سلمان. لكن الحقيقة التي لا بد أن نذكر بها هي أن مثل هذه الاتصالات واللقاءات شملت كل دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء الكويت. ثم إن التواصل والتنسيق بين النظام السعودي والكيان الصهيوني بدأ منذ زمن طويل. ولقد أخذ صبغة التعاون العسكري المباشر بين النظام السعودي والكيان الصهيوني مع تسريب الأخبار حول هذا التعاون قبل وصول محمد بن سلمان إلى السلطة بسنوات. ومن بين الوقائع المعلومة في هذا الصدد التنسيق بين الطيران العسكري الصهيوني والسعودي، ومن مظاهر هذا التنسيق تحليق طائرات عسكرية سعودية في أجواء فلسطين المحتلة، وتحليق طائرات صهيونية بالمقابل في الأجواء السعودية وهبوط بعضها في قاعدة سلطان الجوية في تبوك، وقيام طائرات صهيونية بالتحليق في أجواء الجزيرة العربية بعد وضع شارة الطيران السعودي عليها، وهو ما يرجح إسهام هذه الطائرات في الحرب على اليمن. وما يرجح ذلك حاجة الطائرات المغيرة على اليمن إلى التزود بالوقود في الجو ممّا يرجح انطلاقها من قواعد جوية بعيدة. ولقد جرى الحديث – كما نعلم – عن ترتيبات سعودية إسرائيلية مشتركة للإشراف على جزيرة تيران، كما ترددت أنباء عن اتفاق لوجود الصهاينة في منطقة مدين الشمالية على الساحل الشرقي لخليج العقبة داخل الأراضي السعودية. وبعض هذه الأشياء طرأت في عهد محمد بن سلمان لكن بعضها الآخر سبق ذلك.
إن ما نفهمه من جملة المعطيات المتعلقة بالعلاقات السعودية – الصهيونية، أن العلاقة انتقلت من دائرة السرية إلى العلن بعد بدء الحرب الكونية على سورية والتي هي جزء من مخطط امبريالي – صهيوني – رجعي شامل استهدف الوطن العربي ومحيطه. وقد جاء هذا التطور في توقيته الزمني استباقاً لما كانوا ينتظرونه من “نصر” كبير وحاسم في استهدافهم للمنطقة، فكانوا بذلك الإعلان يريدون التمهيد للقسمة التي تعقب الإنجاز حتى لا يقول لهم أحد حين يأتي أوان اقتسام الغنائم أو إعادة رسم خريطة المنطقة: ما الذي أقحم الكيان الصهيوني كطرف في اقتسام الغنيمة مع المتعهدين المعلنين للحرب الكونية؟ ثم إن شمول الأطماع الصهيونية منذ الأساس لجزء من أراضي الجزيرة العربية، ومن أراضي المملكة السعودية ذاتها تطلب أن يثبت أطراف الاقتسام المنتظر، وبشكل مسبق، أنهم إخوةٌ متحابون، وأنه بين الأحباب “ما من حساب”. وهذا أفضل بحسابات المؤامرة من أن يراهم الناس ينهشون فرائسهم ويتخاطفونها من بعضهم البعض مقتتلين، فيعتقد الناس أن أحداً منهم جار على “الجار”، أو قصّر في مقاومة عدوان “الجار”!!
إن هذه التهيئة المشتركة لاقتسام الغنيمة التي كانت منتظرة، ولعلها تطلبت في لحظة معينة استبعاد النظام القطري من قائمة المقتسمين بعد أن كان موعوداً “بصيد ثمين” حدده حمد بن جاسم في مكالمته الهاتفية مع القذافي بضم المنطقة الشرقية من المملكة السعودية إلى قطر! ترجح أن عملية القسمة كانت تتضمن الكثير من الغرائب والعجائب. فأن توعد قطر بالمنطقة الشرقية من السعودية، والكل يعرف كم هي حيوية، لا بد وأن يقابله تعويض على المملكة يكون أكبر بكثير من تلك المنطقة. وهذا التعويض قد يكون في الشام أو اليمن أو في كليهما وربما في أماكن أخرى أيضاً. كما أن هذا يعني أن جزيرة العرب نفسها كان قد جرى التخطيط لوضعها على طاولة القسمة. أي أنّ من استهدف من العرب بالقوّة أرادوا تطويعه وأما من لم يستهدف والتحق بعصابة الصيادين فكان قد استسلم مسبقاً مقابل حصوله على وعد بوضعه ضمن قائمة المقتسمين.
إن هذا الوعد بالتعويض هو وحده في الواقع الذي يمكن أن يفسّر الجهد الكبير والمال الكثير الذي بذلته بعض الدول الخليجية وخاصة قطر والسعودية.
 
مؤامرة عجيبة
إنها قصة مؤامرة عجيبة غريبة سيأتي يوم بالتأكيد تنكشف فيه أبعادها الحقيقية ودور أحجار الشطرنج الأعرابية فيها، وكيف راهن المتآمرون على أن يتقاسموا مع العدو الصهيوني السيطرة على الأرض العربية وما عليها. وهنا نتساءل: هل كان هناك دور محتمل وضع لليهود المتأسلمين المتقنعين بقناع الوهابية في إدارة هذه العملية؟
قد يرى البعض أن ضمّ المنطقة الشمالية من المملكة السعودية إلى مجال السيطرة الصهيونية المباشرة يعني انتقال أغلبية هؤلاء ليصيروا من رعايا الكيان الصهيوني، وهذا ما يجعل الكيان الصهيوني معنياً أيضاً بضم هذه المنطقة رغم أن غالبيتها ذات طبيعة صحراوية قاسية. ولكن دعونا نسلم أيضاً بأنه في اللحظة التي يتخلى فيها بعض هؤلاء، ولا نقول الكل بالضرورة، عن السر الذي كتموه لقرون عديدة، منذ إلباسهم طاقية الإخفاء الوهابية بعد تجاوبهم مع الدعوة “المشيحانية الشبتانية”، سيكونون ميالين أيضاً للانتقال إلى أرض أكثر غنى، وفيها فرص اقتصادية أفضل. وهناك من بينهم حتماً من لجؤوا إلى هذا الخيار دون أن يشعر أحد بتنقلاتهم وتحولاتهم. وبالنسبة للكيان الصهيوني فمن المؤكد أنه يعنيه أن يجد أناساً يرتدون إلى يهوديتهم بغض النظر عن أي اعتبار آخر لحاجته إليهم في تعزيز طاقته السكانية التي لا يتناسب حجمها مع حجم طموحاته التوسعية. لكن هذا لن يرتق الفتق المتعلق بالمشكلة السكانية عند العدو. وما يرتق هذا الفتق لو نجحت المؤامرة هو أن يتولى صهاينة عرب متأسلمون يتابعون لعبة التخفي إدارة الممالك والإمارات الجديدة التي يشملها تقسيم المنطقة وفق الخريطة الجديدة لـ”الشرق الأوسط الجديد”.
هنا بالضبط كان أصحاب المخطط الشيطاني بحاجة إلى استعارة أمراء آل سعود بالدرجة الأولى، وأشخاص آخرين غير معروفي الهوية عند الناس، ولكنهم من الصهيونيين العرب، أي من اليهود العرب المتأسلمين الذين انخرطوا في الدعوة الوهابية ليتولوا شؤون السلطة والسلطان في الدول الجديدة التي ستنجم عن تنفيذ المخطط الشيطاني. ونظراً لأن جانباً واسعاً من الخطة يقتضي أن تكون للكيان الصهيوني سيطرة على منطقة واسعة فقد كان لا بد للصهيونية العربية من أن تطل برأسها للترويج للمرحلة الجديدة، والتهيئة لها نفسياً. ومن الواضح أن الأمراء السعوديين الأكثر قوة وجدوا في لحظة ما أن مصلحتهم تقتضي بعد أن قاموا بدور الصيادين كما هو معلوم أن يجلسوا جانباً بانتظار لحظة اقتسام الغنائم ليكونوا أول الغانمين. وهذا ما جعلهم يتركون المملكة الآيلة إلى التقسيم إلى دول بموجب المخطط الأمريكي المعروف وخرائطه بين يدي سلمان وابنه بانتظار الإنجاز الكبير وما يفرضه من تغيير ليكونوا الغانمين. لكن فشلهم في سورية، وتعثرهم في اليمن بحيث اقتربوا من الهزيمة جعل من تمثيلية التغيير السعودية مدخلاً لأزمة وجودية تواجهها المملكة، وجاءت تصرفات ابن سلمان لتفاقم من هذه الأزمة. ومع ذلك، فإن الدور الذي لعبته الصهيونية العربية في خدمة المخطط الشيطاني الهادف إلى إقامة الشرق الأوسط الجديد تضمن خطوات معلنة ومكشوفة للعلاقة بين بعض الأنظمة الأعرابية وبين الكيان الصهيوني، وجعل الصهيونية العربية تكشف عن وجهها عملياً بعد أن كانت تتستر على صهيونيتها، وصار “التطبيع” هو العنوان المطروح للكشف عن العلاقة الخفية التي هي أكبر بكثير من مجرد التطبيع.