الأقصى يناديكم.. بقلم: مصطفى محمود النعسان

الأقصى يناديكم.. بقلم: مصطفى محمود النعسان

تحليل وآراء

الأربعاء، ٥ ديسمبر ٢٠١٨

منذ احتلالها القدس في الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ و«إسرائيل» تواصل بين الفينة والأخرى اعتداءاتها على المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين فمرة تحرقه ومرة تحفر تحت أساساته ومرة تحت سوره ومرة ومرة… والعالم العربي والإسلامي يتفرج وكأن الأمر لا يعنيه ولا يمسه.
والحق أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي كثفت الشهر الماضي الحفريات أسفل المسجد الأقصى وتحت أحياء البلدة القديمة في القدس المحتلة الأمر الذي ينذر بكارثة قد تحل بالمسجد والأماكن المقدسة المحيطة به حسب المختصين.
لقد أقامت سلطات الاحتلال شبكة أنفاق ضخمة وسرية لا أحد يعرف عددها ولا إلى أين وصلت، وتسببت تلك الأنفاق والحفريات بانهيارات في ساحات المسجد الأقصى وتشققات في جدرانه وماتت أشجار كثيرة معمرة في باحات الأقصى بعد أن تقطعت جذورها العميقة بفعل الحفريات تحت الأقصى وفي محيطه.
والحق أن الحفريات تحت الأقصى وتحت محيطه مستمرة كما أسلفنا منذ عام ١٩٦٧ ولكنها تتوقف عندما تتسع دائرة الإدانات الدولية وتتعمق ضد هذه الإجراءات الإسرائيلية ثم يعود الكيان الإسرائيلي إلى الحفر من جديد حين تخف الإدانات وينسى العالم ما يحصل للأقصى.
ففي آب من عام ٢٠٠٩ قامت سلطات الاحتلال بهدم الجسر الواصل إلى باب المغاربة أحد أهم أبواب المسجد الأقصى وهو ما يأتي في إطار خطة تفريغ الأرض من تحت الأقصى إيذانا بهدمه.
وهذه الجريمة سبقتها عدة جرائم ضد المسجد الأقصى فقد تم حرقه على يد أحد المستوطنين عام ١٩٦٩ وكذلك طرحت «إسرائيل» عام ٢٠٠٠ خطة تضمن لها السيادة على ما تحت الأقصى وطرحت أيضاً ما سمي بالسيادة الرأسية للفلسطينيين التي تعني منحهم جزءاً من باحة الحرم وما فوقه من الهواء أما السيادة تحت المسجد فهي من نصيب الكيان الإسرائيلي.
طبعاً هذه الفكرة مدعاة للسخرية ولكنها تنم عن حقيقة المخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى هدم الأقصى من خلال خلخلة وضعضعة أساساته وصولاً إلى الغاية الأساسية وهي هدمه بالكامل بزعم أن الهيكل موجود تحته.
والمحاولات الخبيثة لهدم الأقصى تأتي أيضاً في إطار مخطط إسرائيلي رهيب وخبيث الغاية منه تهويد مدينة القدس بكاملها عن طريق إفراغ أهلها العرب وزيادة أعداد المستوطنين فيها.
ويأتي في هذا الإطار هدم منزل في منطقة جبل المكبر في الثامن والعشرين من الشهر الماضي ضمن أكثر من١٤٠ منزلا هدمها الاحتلال منذ بداية العام الجاري إضافة إلى إخطارات بهدم عشرات المنازل في مقابل ذلك تم التصديق على بناء ٥٥٠٠ وحدة استيطانية خلال الشهر الماضي ستقام في محيط القدس وفي قلب البلدة القديمة.
وقد بدأت مؤخراً مشاريع بناء نحو ألف وحدة سكنية جديدة في أربع مستوطنات في القدس الشرقية التي يعيش فيها أكثر من مئتي ألف مستوطن إلى جانب ٣٠٠ ألف فلسطيني على الأقل وكذلك هناك حزام استيطاني مكون من ١٥ مستوطنة ضخمة تمنع من ممارسة الحياة الطبيعية وتطوق المدن والبلدات الفلسطينية في القدس المحتلة إضافة إلى تدعيم هذا الحزام ببؤر استيطانية منتشرة بين منازل الفلسطينيين المقدسيين ويقطنها أكثر من ألفي مستوطن وأعلنت سلطات الاحتلال منتصف تشرين الأول الماضي مخططا جديداً لإقامة عشرين ألف وحدة استيطانية على أراضي الفلسطينيين في بلدتي اليعزرية وأبو ديس جنوب شرق القدس وذكرت صحيفة إسرائيل اليوم في عددها بتاريخ ٢٨ تشرين الأول الماضي أن المخطط الجديد يهدف إلى توسيع مستوطنة في المنطقة ووصلها ببؤر استيطانية مجاورة الأمر الذي سيمكن سلطات الاحتلال من الاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين شرق القدس المحتلة.
كما يحاصر جدار الفصل العنصري القدس بطول ١٨١ كم مدعما بعشرات الحواجز العسكرية والأمنية للتضييق على المقدسيين وسلخهم عن نسيجهم المجتمعي الفلسطيني.
ومعروف أن «إسرائيل» وضعت وما زالت تضع شروطاً قاسية على سكان القدس منها ترحيل الآلاف من العائلات حيث تم طرد أكثر من مئة ألف مواطن فلسطيني خارج الجدار وذلك في سبيل تغيير الطابع الديمغرافي لهذه المدينة المقدسة وصولاً إلى أن يكون اليهود هم الأغلبية فيها.
إن القدس والأقصى يناديان الفلسطينيين أولاً لأنهم أصحاب الأرض وأهل الديار وفي هذا الإطار نتمنى أن تنتهي المحادثات بين الفصائل الفلسطينية لاسيما فتح وحماس إلى اتفاق يطوي صفحة الماضي البغيض لأن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الضامن الأهم لصيانة الحقوق وعودتها.
والقدس والأقصى يناديان العرب الشرفاء المخلصين ثانياً مستثنى منهم بطبيعة الحال أولئك الذين يتهافتون ويتراكضون ويتسابقون لتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي وقد أصبحت قائمتهم للأسف الشديد تطول سريعاً.
والقدس والأقصى يناديان المسلمين ثالثاً وهيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي رابعاً لأن «إسرائيل» تعيث فساداً غير عابئة بقرارات الشرعية الدولية ولا بقرارات مجلس الأمن الدولي ولاسيما القراران ٢٤٢ و٣٣٨ اللذان يؤكدان عروبة القدس والأقصى وكذلك قرار منظمة اليونسكو في الثالث والعشرين من حزيران الماضي الذي يطالب بإبقاء مدينة القدس المحتلة وأسوارها ومسجدها مدرجة على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر.