الخطوة السورية التالية.. بقلم: سيلفا رزوق

الخطوة السورية التالية.. بقلم: سيلفا رزوق

تحليل وآراء

الخميس، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٨

بتوقيت دولي غير متوقع وفي لحظة إقليمية بدت على غاية في التعقيد والتشابك، فرضتها التداعيات المتغيرة التي أفرزتها عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، خرجت من موسكو تصريحات تحمل أبعاداً وتداعيات مهمة ستكون المنطقة على موعد معها، تحدثت عن تفاهم روسي أميركي ومحادثات ناجحة لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون تخص الملف السوري على وجه التحديد.
النتائج الناجحة التي تحدثت عنها موسكو وواشنطن في الوقت ذاته، والتي أنتجت اتفاقاً لعقد لقاء قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب عقب الانتخابات النصفية التي ستشهدها أميركا قريباً، لم تأت على سبيل المصادفة، بالتأكيد، حيث سبقتها تحركات سياسية هامة قادتها موسكو في المنطقة، بدا أنها ترتب لوضع الملف السوري على مسار سياسي جديد عبّر عنه إعلان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عن استقالته نهاية الشهر القادم، وبدء الأمم المتحدة في البحث بالخيارات البديلة بالتنسيق مع دمشق.
النشاط السياسي المكثف الذي دخلت به المنطقة، وبدأ مع جولة مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى دمشق ودول أخرى، تزامناً مع جولة للمبعوث الأميركي الخاص جيمس جيفري لدول إقليمية ومناطق داخل سورية، وإعلان تركي عن قمة رباعية ستشمل إضافة إلى روسيا وتركيا كلا من فرنسا وألمانيا في دخول هو الأول لكلتا الدولتين على خط المسارات السياسية العديدة والمرتبطة بالملف السوري، والإعلان عن اللقاء العاجل الذي جرى في موسكو لنواب وزراء خارجية الدول الضامنة لمسار «أستانا»، أعطى إشارات أكيدة أن التحرك المقبل بات حتمياً باتجاه حسم الخيارات المطروحة في ملف إدلب وإنتاج ظروف سياسية موازية تعطي دفعاً جدياً للمسار السياسي والذي تشكل «اللجنة الدستورية» أحد عناوينه العريضة.
هذه الأجواء ترافقت مع استعراض عسكري أميركي جديد قاده قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي جوزيف فوتيل، الذي زار «التنف»، وتحدث عن حاجة أميركية للبقاء في تلك المنطقة لفترة زمنية أطول، بالإضافة إلى الإعلان عن بدء تسيير دوريات عسكرية أميركية تركية مشتركة في «منبج»، أعطى انطباعاً بأن رسائل يحتاج «البنتاغون» لإرسالها إلى أكثر من طرف مفادها بأن نفوذ واشنطن هناك لا يزال قيد الحماية ولا يزال أيضاً بعيداً عن أي تفاوض على الأقل حتى هذه اللحظة.
المعطيات أو الترتيبات الإقليمية المتسارعة والتي توجت أول أمس بالإعلان عن نجاح المحادثات الأميركية الروسية في موسكو فيما يخص «النزاع في سورية» كما قال مستشار الأمن القومي الأميركي، أكدت أن واشنطن باتت جاهزة لتقديم ما لديها من أوراق للتفاوض مقابل الحصول على ضمانات روسية فيما تبقى من ملفات دولية مرتبطة بإيران والصين وغيرها من الملفات التي تحتاجها الإدارة الأميركية الحالية في ظل هذا التوقيت الأميركي «الحرج».
وبعيداً عما يتم تداوله من أولويات للتفاوض ورغم تصدر إدلب لعناوين التحركات والتصريحات، غير أن الورقة الأبرز التي يمكن التنبؤ بأنها كانت بالضرورة على طاولة التباحث الأميركي الروسي في موسكو، هي ورقة «شرق الفرات» والتواجد الأميركي غير الشرعي في سورية عموماً، فورقة إدلب وأياً كانت الاتجاهات التي ستذهب إليها باتت محسومة بطبيعة الحال، والكلام السوري الواضح تجاه الخطوة الميدانية التالية للدولة السورية والتوجه صوب استعادة شرق الفرات يؤكد أن هذه الورقة جرى أو سيجري وضعها على رأس أولويات الحوار الأميركي الروسي القادم، مع تحريك مواز للمسار السياسي بطريقة تعكس تغير موازين القوى الكبير لمصلحة الدولة السورية، سيعبر عنه اسم وشخصية المبعوث الأممي المنتظر والذي لن يحمل بطبيعة الحال إرث دي ميستورا وخياراته السياسية.
«شرق الفرات» إذا سيكون في عين التحركات السياسية القادمة، وترتيب الأوراق تمهيداً لانجاز هذا الملف سيأخذ وقته الذي يحتاجه لفك التعقيدات التي فرضتها المعطيات القائمة على الأرض، والتي سيعطي الاستعداد الأميركي للحوار مع موسكو دفعاً كبيراً لها باتجاه حسمها على النحو الذي تريده دمشق ومعها حليفتها موسكو.