حوارات «مسد» لا تسكت جوعها الانفصالي.. بقلم: سامر علي ضاحي

حوارات «مسد» لا تسكت جوعها الانفصالي.. بقلم: سامر علي ضاحي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٩ أكتوبر ٢٠١٨

لم يخف الكرد السوريون طموحاتهم الانفصالية منذ اندلاع الأزمة السورية فسارعوا إلى التعبير عنها بوضوح مع بدايات ما يسمى «الربيع العربي في سورية» رغم أن بعض القوى الكردية كانت ترتبط بتحالفات وثيقة مع دمشق، نتيجة عقود من تشابك هذه العلاقات، مع علاقات سورية الإقليمية بدول كتركيا وإيران والعراق.
ومع احتلال العراق وتحقيق الكرد هناك حلمهم بـ«فيدرالية» تحت حماية الاحتلال الأميركي، تصاعد الحلم الكردي في سورية، ووجد الأكراد في واشنطن حليفاً يمكن الاعتماد عليه، على حين وجدت فيهم واشنطن وقوداً جيداً لمزاعمها في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي مع العودة الروسية القوية إلى الشرق الأوسط من خلال الانخراط العسكري في الحرب على الإرهاب منذ أواخر أيلول 2015، فبدأت القوات الأميركية تزحف ببطء إلى الأراضي السورية وصولاً إلى مطارات وقواعد كاملة اليوم، وعندما أيقنت واشنطن أن العشائر العربية في شمال شرق سورية قد تذيقها مرارة ما ذاقته في العراق، عمدت إلى تشكيل «قوات سورية الديمقراطية – قسد» بتحالف عسكري بين جهات مسلحة عربية وكردية.
ولكي تزعزع واشنطن الوضع على الروس الموجودين فيما حاول البعض بترويجه تحت مسمى «سورية المفيدة» غرباً، كان لابد من تقوية الوجود الأميركي شرقاً لخلق توازن نفوذ، مع إدراك واشنطن أن إنشاء «قسد» غير كاف، فاستغلت تغييباً متعمداً للكرد عن محادثات الأزمة السورية في جنيف وسوتشي، هي وتركيا خلفه، لتدفع «حزب الاتحاد الديمقراطي» إلى إعلان إنشاء «الإدارة الذاتية» في الشمال وإعلاناته اللاحقة بالسعي إلى «سورية فدرالية»، وكانت الحاجة لكيان سياسي يحظى بقبول عربي في الشمال فظهر «مجلس سورية الديمقراطية – مسد» كحل عبر تطعيم «الإدارة الذاتية» ببعض العناصر العربية.
ومع الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وإعلان الرئيس بشار الأسد صراحة في حزيران الماضي أن مناطق سيطرة «قسد» ستعود بالحوار أو عسكرياً، دفعت أميركا «مسد» إلى حوار مع دمشق في محاولة لترطيب الأجواء، لكن جولتين من الحوار كانتا كفيلتين بإيضاح أن حواراً كهذا يبدو عقيماً ما لم ترافقه إجراءات هناك على الأرض، فما جرى أن «مسد» حرصت على إبداء رغبة بالحوار، ولكن في الواقع كان ثمة أشياء أخرى.
لقد سعت «مسد» لاستغلال ملف الثروات الباطنية من نفط وغاز، لكنها لم تستطع إلا السماح للحكومة السورية من الاستفادة من هذه الثروات مقابل استمرار وصول الخدمات إلى مناطق الكرد، ووفق ذلك دخل تقنيون لإصلاح سد الفرات مع التعويل المستمر على العداء التركي الكردي لمنع أي تهريب للنفط عبر تركيا كما كان يفعل داعش.
ولا تبدو ثروات سورية أخرى أقل أهمية من النفط كالقمح والقطن، فما تشهده سورية اليوم من انخفاض في مخصصات بعض الأفران، لا يمكن تبرئة «مسد» منه رغم حرص المسؤولين على عدم الإعلان عن ذلك، فليس خافياً أن هذا العام عمدت «مسد» إلى إحداث مراكز لتسويق محصول القمح من الفلاحين في محافظات دير الزور والحسكة والرقة، حرمت بموجبها من وصول آلاف أطنان القمح إلى صوامع الحكومة السورية.
وامتد الأمر إلى القطن، فمع بدء قطاف المحصول منذ مدة في الحسكة، وتكلفة النقل الباهظة إلى محافظات أخرى لبيعه للحكومة، عمدت «مسد» لافتتاح مركز «كبش» للأقطان بريف الرقة الشمالي، وكانت باكورة عمله استلام ألف طن خلال أيام فقط.
لم ينج قطاع التعليم من الممارسات الانفصالية ووصل الأمر هذا العام إلى إعلان حظر مناهج الحكومة في مناطق سيطرة «قسد» وهو ما أدى لمواجهات في القامشلي مثلاً، مقابل فرض مناهج كردية، ومحاولة إغراء المعلمين بترك وظائفهم الحكومية والالتحاق بمدارسها.
وبهدف إدارة مناطق الشمال الشرقي، وقطع الطريق على انتخابات الإدارة المحلية التي جرت منتصف أيلول الماضي، جاء الإعلان عن تشكيل «المجلس العام لـلإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية» في بدايات أيلول المنصرم قبل أن يلي ذلك منذ أيام اختيار «هيئة تنفيذية» للمناطق الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية» الكردية، وتشكيل 9 من هذه الهيئات، بالتوازي مع اندلاع مواجهتين بين «قسد» والجيش العربي السوري الأولى في القامشلي الشهر الماضي والثانية في محيط منبج منذ أيام، يضاف إلى ذلك الضخ الكبير من السلاح الذي وصل إلى «قسد» مؤخراً.
وفيما تتجه نية «مسد» لاستصدار «بطاقة وافد» للنازحين في محافظة الرقة عبر «مجلس الرقة المدني» فإن الأمور تتجه نحو ترسيخ انفصال عن سورية.
أما في إعادة الإعمار فلم يكن ملف «مسد» أبيض، وهي التي استقبلت مسؤولين أميركيين وسعوديين رغم معرفتها المسبقة بحجم التمويل السعودي إلى جانب القطري في دعم الإرهاب الذي عانى منه الكرد أيضاً، وترحيبها بسعي أولئك إلى إعمار الرقة وهي التي تعلم جيداً أن تحالفهم المزعوم ضد داعش هو من دمر المحافظة وأخرج الإرهابيين منها بأمان.
لا يبدو أن سورية وحلفاءها متعامون عن هذه المساعي، فالإصرار الروسي لفرض الكرد على «جنيف» والأجواء الإقليمية الرافضة لأي نهوض كردي مستقبلاً لاسيما بعد فخ إخفاق الاستفتاء في كردستان العراق، والمساعي السورية لضبط عمليات إعادة الإعمار وحصرها بالحلفاء، من شأنها أن تكبح أي طموح كردي.
إن عامل الثقة الذي عمد الكرد إلى كسره مع دمشق يحتاج لوقت طويل كي يجري رأب صدعه، ومن شأن تواجد أميركي طويل الأمد أن يدفع الكرد لترسيخ أحلامهم وزيادة الاستقطاب في المناطق التي يسيطرون عليها، دون أن تتمكن «قسد» من فرض أي ضبط أمني هناك، ما قد يودي بشمال شرق سورية إلى صراع اجتماعي يعيد إنتاج نفسه في مراحل لاحقة ويجعل من دخول الجيش السوري إلى هناك مطلباً ليس فقط شعبياً وإنما دولياً لتحقيق الاستقرار، لكن هذا الاحتمال يحتاج للوقت أولاً، ولوضوح في مستقبل شمال غرب البلاد ثانياً، قبل أي شيء آخر.