الخاشقجي ضحية تواطؤ بين ثلاث قوى!.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

الخاشقجي ضحية تواطؤ بين ثلاث قوى!.. بقلم: د.وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

السبت، ٦ أكتوبر ٢٠١٨

محاولات تجهيل الطريقة التي اختفى بها المعارض السعودي الإعلامي جمال الخاشقجي بينما كان داخل القنصلية السعودية في اسطنبول التركية، تزيد الشكوك حول مصيره، وتقذف بعشرات الاتهامات نحو السلطات السعودية التي تزعم أنه غادر قنصليتها سليماً ولا تستثني البلد التركي المضيف الذي لا يتابع بحرارة قضية اختفائه الملتبسة. إلى جانب الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم رعاة الديمقراطية في العالم. ولا يفعلون شيئاً مفيداً لهذا الإعلامي الذي غادر بلاده محتجّاً على سياسات ولي العهد محمد بن سلمان ملتجئاً إلى الولايات المتحدة الأميركية منذ سنة تقريباً.
أما أسباب تجهيل طريقة الاختطاف، فهي من الوسائل المحترفة لتجهيل الخاطف وعدم تحميله مسؤولية قانونية ودبلوماسية وسياسية لها علاقة بقمع حريات التعبير السعودي حتى لو كان في المريخ.
ما حكاية الخاشقجي؟
لعب الخاشقجي دور الإعلامي الأول في السعودية مترئساً تحرير جريدة «الوطن» في العاصمة الرياض رافعاً سلاح الدفاع عن سياسات آل سعود على عشرات محطات التلفزة الغربية والعربية ولأعوام متواصلة.
كما تولّى منصب مستشار للأمير تركي الفيصل السفير السعودي السابق في واشنطن العاصمة الأميركية.
لكنه لم يستسغ الانقلاب الذي أدّى الى هيمنة محمد بن سلمان على ولاية العهد في مرحلة أبيه الملك سلمان فانتقده مسجلّاً الكثير من التحفظات على تغيّراته الداخلية واستنزاف أدوار المملكة السياسية والاقتصادية في الحروب المحيطة، مهاجماً محاولات ولي العهد إقصاء التيار الديني المتشدّد لمجرد إرضاء الرأي العام الغربي.
ولأسباب امنية تتعلق بحرصه على حياته غادر السعودية، منذ عام تقريباً مستقراً في الولايات المتحدة، حيث واصل ظهوره الإعلامي ناشراً مقالات له في «واشنطن بوست» تنتقد السياسات السعودية حيال قطر وكندا والحرب في اليمن وتعامل آل سعود مع الإعلام والناشطين بشكل عام.
كيف اختفى الخاشقجي؟
ذهب الى تركيا ليتزوج من خطيبته التركية قريبة مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم ياسين أقطاي.
وهذا يعني أنه يريد الاقتران بفتاة من الاخوان المسلمين أو تنتمي على الأقلّ الى فلكهم، وكان عليه أن يسجل معاملات مرتبطة بالزواج في سفارة بلاده في اسطنبول، دخل الى القنصلية السعودية لأول مرة، ولأنه لم يتمكّن من الانتظار بسبب الازدحام أعطوه موعداً ثانياً ولما عاد لإنجاز المعاملة اختفى. وقالت خطيبته التي كانت تنتظره على الباب مع ممثل عن إحدى جمعيات المحافظة على الحريات الإعلامية في تركيا إنه لم يخرج من القنصلية التي تؤكد من جهتها أنه غادرها سليماً.
وهكذا تنام القضية بين موقف سعودي ينتحل صفة البراءة وبين إصرار على الرفض من خطيبة الرجل التي كانت تنتظره على باب القنصلية جيء بها بقصد لحماية الخاشقجي من أية نيات سعودية بالاختطاف.
فهل لدى القنصلية السعودية في اسطنبول أبواب سرية أُخرج منها الخاشقجي مخدّراً الى السعودية؟ ومثل هذه الأمور ألا تعرفها المخابرات التركية المتمرّسة أو معلمتها «سي أي آي» الأميركية التي تراقب حركة دبيب النمل؟ فكيف بخاشقجي الذي كان مؤمناً بقدرتها على حمايته فلجأ إليها بعد فراره من السعودية؟
ألا تعرف هذه الدول أنّ السعودية تتربّع على المرتبة 169 من أصل 170 في لائحة الدول الأكثر اضطهاداً لحريات الرأي وحقوق الإنسان حسب استفتاءات «جمعية مراسلون بلا حدود».
إزاء هذه الصورة الضبابية ينبثق تساؤلان: الأول هو هل تذهب السياسة التركية نحو مواقف أكثر حزماً باتجاه تحرير الخاشقجي من دهاليز قنصلية بلاده في اسطنبول أو من السجون السعودية، إذا نجحت المخابرات في نقله الى الرياض بعد اختطافه؟ وما هي مصلحتها؟
أما الثاني فيتعلق بالموقف الأميركي الخجول الذي أرسل يسأل السعوديين والترك عن الأمر، فهل اكتفى الأميركيون برواية السعودية؟
لجهة السؤال الأول: تجد السياسة التركية نفسها في وضع صعب يمنعها من استفزاز السعودية على قضية لا تشعر أنقرة أنها من أولوياتها، فأردوغان يمنح أولوية حركته وربما القسم الأكبر من محوريتها نحو إعادة تنشيط أدوار بلاده في سورية والعراق. وهذا يفترض موافقة سعودية أو غضّ طرف من جانبها على الأقلّ.
أما ملاحقة قضية الخاشقجي فلن تؤدّي إلا الى تفجير أكبر في مستوى العلاقات التركية السعودية السيئة أصلاً، فهل يساوي الخاشقجي كلّ هذه الخسائر؟
لذلك من المتوقع أن يربط أردوغان بين سكوت السعودية عن أدواره العربية وبين عدم غلوّها في موضوع الاختطاف. مع العلم انّ المختطف لم يكن بعيداً عن تأييد السياسات التركية القطرية وكان ينتقد سياسات آل سعود ليس خدمة للخط الإيراني السوري بل لمصلحة الخط التركي الاخواني. والدليل أنّ مسؤولاً في حزب العدالة والتنمية كان برفقته عندما دخل القنصلية لإجراء تثبيت لزواجه الجديد من فتاة تنتمي الى التيار السياسي نفسه.
هناك حالة واحدة لتصعيد الموقف التركي وهو انكشاف التورّط السعودي في الاختطاف أمام قوى أوروبية من جماعات حريات الرأي وحقوق الإنسان. وهذا صعب، لأنّ الوضع الأمني في اسطنبول ممسوك بإتقان من قبل القوى الأمنية التركية، وما تزعمه تركيا من تمسك بأهداب الديمقراطية هو آلية للزوم تسديد الاتهامات للآخرين وليس لتطبيقها في الداخل التركي.
لجهة الأميركيين فديمقراطيتهم مسألة داخلية ترتبط بالعلاقات بين قواهم السياسية والآليات الدستورية والمجتمع، أما بالنسبة للسعودية، فليست حسب ما قاله الرئيس ترامب إلا بقرة حلوباً يستنزف حليبها في كلّ وقت، ويمنع أيّ إدانات قد تؤدّي الى إرباك الحكم فيها.
فلا الخاشقجي ولا مئة مثله يحركون واشنطن لتقف ضدّ الرياض المليئة بتريليونات الدولارات، لذلك فقضية الخاشقجي قد تتحوّل الى أداة أميركية لاستنزاف مالي جديد لولي العهد محمد بن سلمان. وهذا المتوقع يتبيّن بالنتيجة أنّ الخاشقجي ضحية دكتاتورية آل سعود وديمقراطية تركية على قياس مصالح أردوغان وديمقراطية أميركية لا تعتبر الخليج والعالمين العربي والإسلامي جديرين بتطبيق الديمقراطية عليهم.
قضية الخاشقجي إلى أين اذاً؟
قد تتحوّل الى قضية رأي عام إذا تحركت قوى المجتمعات المدنية ومراكز حقوق الإنسان والإعلام. وهذا أمر صعب في عصر يحكم فيه بالهراوة والقتل محمد بن سلمان رجل ترامب الأول في الخليج وبقرته الحلوب.