واشنطن ماذا بعد الانسحاب..؟ .. بقلم: سماهر الخطيب

واشنطن ماذا بعد الانسحاب..؟ .. بقلم: سماهر الخطيب

تحليل وآراء

الجمعة، ٥ أكتوبر ٢٠١٨

تتصرف الولايات المتحدة الأميركية في الآونة الأخيرة كالطفل في ساحة الملعب، كلما ضاق به الحال من أصدقائه يعلن انسحابه ويبدأ بلصق الاتهامات هنا وهناك، لتبرير ما لم يستطع تفسيره وليغطي على ما لم يدرك عقباه من تجاوزاته في قوانين اللعبة في ذاك الملعب..
وها هي الولايات المتحدة بعد أن كانت في قمة الهرم باتت بتصرفاتها تدنو من قاعدته، دونما دراية تقلب عليها المجتمع الدولي بعد أن غرتها عظمتها، كما في الأساطير الرومانية القديمة حينما يتمادى الحاكم بعظمته ويتجبر بكهنوته، تبدأ الآلهة بغضبها، لتحل عليه اللعنة ويجتز منه الشعب لسخطه وغضبه فيهوي في الدرك الأسفل، بعد أن كان سيدها فيصبح بلا حول ولا قوة..
بالأمس لوّحت أميركا بالانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي أبرمت قبل 30 عاماً خلال الحرب الباردة إذا استمرت روسيا «بانتهاك» هذا الاتفاق، بحسب قولها.
كذلك، أعلنت أول أمس، انسحابها من اتفاقية الصداقة الموقعة مع إيران عام 1955، رداً على ما اعتبرته «استغلال إيران لمحكمة العدل الدولية»، كما جاء على لسان وزير خارجيتها بومبيو. في اليوم نفسه، أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون «أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر الانسحاب من البروتوكول الاختياري، بشأن حل النزاعات الملحق بمعاهدة فيينا»، وذلك بسبب قضية رفعها الفلسطينيون ضد قرار أميركا بنقل السفارة في الكيان الصهيوني إلى القدس.
وفي إعلانات انسحابها من المعاهدات والمواثيق الدوليه تكبر القائمة من إعلانها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، إلى انسحابها من الأونروا ومجلس حقوق الإنسان والاتفاق النووي الموقع مع إيران، والانسحاب من اتفاقية نافتا التجارية.. وغيرها الكثير من الإجراءات والانسحابات العشوائية.. ولربما لم يتبقَّ سوى مجلس الأمم المتحدة وتابعه «الأمن» ولم تنسحب منهما طالما هي المالك المتحكم والمستحكم!
على كل حال، في كل خطوة من تلك الخطوات تفقد الولايات المتحدة شيئاً من قيمتها على الساحة العالمية وتتعرّى شيئاً فشيئاً من ثوبها المستعار بمسمّى «رداء الديمقراطية»، ولعل قول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدق تعبير عن فقدانها احترامها، حينما قال: «من ينسحب من اتفاقية باريس للمناخ لا يستحق الاحترام». وها هو ترامب يفقد ذاك الاحترام..
لربما كان قدوم الرئيس ترامب من الحزب الجمهوري وتيار من الصقور حوله كان مدروساً نحو العزلة الأميركية، وصدى ترامب في دافوس عندما ردد «أميركا أولاً» لا يزال يتردد دون شعور بالعواقب. وإن شعر الشعب الأميركي فسيكون بعد حين حينما يدركون العزلة التي أقحمهم الصقور ومديرهم فيها.
فقلب العالم والأطراف بحدودها البحرية لم تعد القدوة في السيطرة، كما نصح كوهين أميركا في سنوات انصرمت، فالمواجهة باتت اليوم على أصعدة اقتصادية وتكنولوجية لا تخلو من موارد الطاقة وطرق مواصلاتها لتستعر الحرب في الجيوبولتيك الاقتصادي متماشياً مع العولمة والتكنولوجيا، رغم أهمية الجغرافية الطبيعية إنما في مجالها الحيوي وليس القومي..
فهل ستعي الولايات المتحدة خطورة ما تؤول أليه الأحوال بعد أعوام ربما حينما تتجمّع الأحلاف وتنصب أوتاد العلاقات الجيواقتصادية بمنحى عن الأنا الأميركية، وقد بدأت في شنغهاي وستختتم ربما في روما إنّما لن يكن لواشنطن فيها من مثقال ذرة إذا ما بقيت في هذه السياسة العشوائية؟