المصالحات ..هزائم أم انتصارات ؟!.. بقلم: يامن أحمد

المصالحات ..هزائم أم انتصارات ؟!.. بقلم: يامن أحمد

تحليل وآراء

السبت، ١٨ أغسطس ٢٠١٨

لأن الفكر التقي صلاة العقول ومعراج الأنفس المجنحة إلى منازل الأبدية… يرتل العقل السوري لغة الضوء كي ينسل شعاعه من تكوين إمتزاجه إلى سبحات جلاله، ويسعى في أقطار الفكر كي يلتقي مع الحقيقة العليا ليكون الفكر قدرة مؤثرة في مسير هذا العالم المظلم كما ضوء يتيم أرغم جحافل الظلام على أن تشي للعالمين بوجوده
فماتزال المصالحات نصرا ملثما يشق جموع وجوه أدركتها الدهشة والحيرة من سطوة السلام المخضب بالدم، هكذا تبدو المصالحات في أنفس السوريين بل وتتجلى لدى البعض سفاحا برداء قاض و يكمن السبب الحقيقي خلف هذا التلقي الفكري عند إشتباك الرؤية مع التفسير الإنفعالي للمصالحات حيث تترجم على أنها غفران للقتلة ويتوقف السوري عند هذا الرأي ليشعر بأنه فقد الثقة بالدولة لأن الرؤية الفكرية لم تقتحم متاريس الحجب كي تستطلع الحقيقة فقد شاهدت في المصالحات مجزرة إجتماعية ورأيا سياسيا غير مستبصر في حروب الوجود ، الحل لايستطيع أن يتبنى رؤية خاضعة للإنفعال لأن الإستحواذ على الواقع المخترق من قبل العدوان العالمي هو العمل الفكري الذي وجب أن ينتصر لأنه يمثل الفعل المنزوع من شهوات الإنتقام والذي يتغلب على ضراوة العجز العقلي ويتقدم كي يقود الأمة من المجهول إلى الوجود فلا يقودها ضمن المخطط بل إلى خارجه وهذا ماتفعله العقول القيادية أما العقول التي تخضع للتأثر المنغلق ضمن المشاعر وردات الفعل فلن تتمكن من الخروج من دائرتها الذاتية وهي بهذا لا تستطيع الخروج من الحرب حيث تحقق رؤية نجاح العدوان الذي وضعها في مواقع التأثر وليس التأثير لأنها لم تؤمن بأن القضية ليست مجرد حرب بين أطراف فقط بل هي حرب فناء لجميع السوريين إذ أنه هناك المنقذ كما أن هناك الضائع أما السوري القومي فهو المنقذ ولايعقل أن يأخذ المنقذ دور المحارب فقط بل دور المخلص للجميع كذلك ..إن ما لا يعلمه الكثير من السوريين مسلحين كانوا أم مقاومين لمشروعهم هو أن السعي الأمريكي والاسرائيلي في العدوان يوجب على العدوان ألاتنتهي الحرب وأن يبقى الصراع دائرا لقتل الروح الإجتماعية بين السوريين لأن بقاء طواحين الدم التي تعمل إلى جانب التشويه الإعلامي والفتن هي كفيلة بتدمير المجتمع السوري وسحق أي فكرة لعودة سورية أقوى وعند هذه الحقيقة ندرك بأن من يعارض المصالحات مايزال يراوح ضمن المخطط لأن المهمة العقلانية والقومية تتطلب الخروج منه وليس الدوران في فلكه ..
 
الكثير من العقول تؤمن بأن الحرب على سورية قائمة لأجل النفط فقط إنما هي في الحقيقة تعمل على نفي العنصر السوري أيضا .اسرائيل تريد إنتقاما سرمديا لهزائمها في 73 والثمانينات في بيروت وتموز اخيرا فهي تنتقم من جميع السوريين في الحرب الدائرة على الارض السورية لأنهم جميعا ينحدرون من أجداد وآباء قاتلوا اسرائيل وانتصروا معا وهم أحفاد من صرعوا العدو الصهيوني سابقا إلا أن العدو نجح في نقل العداء القومي السوري مع العدو الصهيوني إلى عداء سوري سوري يهدد الأمن القومي السوري وهنا تكمن مهمتنا في تحصين الأمن القومي عبر المصالحات بعيدا عن الغفران لقادة التحريض والجريمة فهؤلاء لاتشملهم أيا من المصالحات وبخاصة داعش وجبهة النصرة .
إن مالم يدركه الذين يحاربون المصالحات هو أن الحرب هي حرب وعي إجتماعي وليست سلاحا فقط ومالا يعلمه البعض أيضا هو أن المصالحات يفرضها الجيش العربي السوري إنتصارا لأن إيقاف الحرب هو أيضا إنتصار ولهذا نرى تشويشا في الرؤية وسببه عدم تفسير المصالحات بالتماهي مع حجم الحرب العالمية رغم أهميتها العميقة والمؤثرة في هزيمة المشروع الأمريكي العالمي لنسف المجتمع السوري أخلاقيا و وجوديا..إن إفراغ سورية من البشر وجعلها المساحة التي يتحد فيها الناتو واسرائيل هي أولوية أمريكية إسرائيلية وبهذا يتم فصل كل من روسيا وايران عن المتوسط فيندثر أي ذكر لقوة مقاومة مؤثرة ضد اسرائيل لأن دمشق انتهت عندها ولن يقوم بعدها للمحور المقاوم قائمة..
 
مايريده الأمريكي أن ينتصر السوريون على السوريين حتى يتمكن من إبقاء فالق إجتماعي وسياسي يهزم الروح الإجتماعية السورية ولهذا فإن حقق النصر هزيمة جزء سوري فهو نصر غير متكامل وقد حقق شروط هذا الفالق وهكذا نساهم في صنع ورقة مستعدة للتجاذب مع الخارج وتضيع بهذا قدرة العاصمة دمشق بين نزاعات الأطراف وتفشي الخلافات الحادة اللابناءة وتنتقل دمشق من العاصمة المؤثرة إقليميا ودوليا إلى المتأثرة بتقلب السياسات المحيطة والبعيدة ولهذا نحن لانريد نصرا ينتصر فيه سوري على سوري كي تهزم سورية في النهاية بل نريد أن تنتصر سوريا مجتمعة على الإرهاب والفكر الإقصائي ولأجل هذا ندعم المصالحات في صالح الأمن القومي وليس في صالح الفكر الذي يعتنقه العنصر المسلح فلا يعقل أن يصطدم وطن بعنصر مسلح ويمزق ذواته كي لايتجاوزه فهذه الرؤية الضيقة التي لاتستطيع إيجاد الحقيقة من المصالحات تمسخ الحرب وتبعاتها على سورية ولهذا قررنا أن نهزم الحرب و أن ننتصر على مسبباتها .ففي النهاية نحن نريد عودة البيئة التي إخترقت من المخطط بسهولة وليس العنصر القيادي المسلح والمحرض ويجب أن نعلم بأن الخطر الذي وجب معالجته ليس العنصر المسلح العائد فقط بل القضية أعظم منه وهي البيئة الهشة الضعيفة القابلة لأن تكون أرضية للأعمال الإستخباراتية المعادية وهنا تبدأ حربنا الفكرية. فإن دققنا في الوضع الأمني السوري سوف نجد بأن معظم البيئة المخترقة كانت تقبع حدوديا مع الكيان التركي والكيان الأردني ولهذا فإن الخطورة ليست عادية ولهذا فإن المصالحات باب أولي لولوج الحرب الفكرية فلا يستهان بما حدث وبخاصة ماقدمه الإنفصاليون الأكراد للمخطط و الذين وظفوا أنفسهم ليكونوا ورقة بيد الأمريكي فقد شكلوا خطر أساسي حتى أن قوات الإحتلال الأمريكية لم تجد آمانا إستراتيجيا لقواعدها إلا بوجود الأكراد الإنفصاليين فهؤلاء إبتلعتهم شهوتهم الإنفصالية ولذلك يجب أن نأخذ في الحسبان حجم التهتك الذي أصاب النسيج السوري و بأن المهمة الأقدس تتجلى في توحيد الصف السوري بعد تبيان الحقائق بكل شفافية فقد وجب أن يعلم الضائعون بأن الخارج إتخذهم هزوا وخدعهم عمدا وبأن عودتهم إلى الدولة السورية هي هزيمة للمشروع الخارجي وليست هزيمة لهم هكذا نكون جميعا منتصرون لأجل سورية..
لم يفتح الغرب أبوابه لإستقبال السوريين حبا بهم وكان الأجدر أن يفك الحصار عن من يريد إستقبالهم ولن يفعل تنفيذا لمخطط إفراغ سوريا وحضهم على الهجرة خوفا من “المجهول الذي ينتظرهم” بعيد أن تصبح حياة السوريين جحيم بالتكامل مع الحصار وكي تصل الكراهية عند بعض السوريين الضعفاء إلى أن يشاهدون في العدو الصهيوني “المنقذ الإنساني” بعد أن يسوق الغرب وأتباعه بأن الدولة السورية هي من تحاصر بعض السوريين ..لقد تم تصويب أهداف الحصار الذي مارسته قوى العدوان العالمي على سورية كي تساهم في تفشي العوز والغلاء ولكي تؤثر هذه العوامل مباشرة على ضعفاء الأنفس وكل هذا كي تتماشى البيئة التي صنعت المسلح مع الواقع حيث يصبح حمل السلاح بديلا عن عمله الذي تأذى كثيرا بعامل الحصار وهكذا يواجه المسلح الجيش والدولة السوريين على أساس دافع البقاء . حتى أن السماح بسرقة النفط وبيعه للخارج فتح شهية الكثير من الضمائر الهزيلة وبهذا قررت الحرب بهذا الشكل المدروس بعناية فائقة وكل هذا لتحطيم سورية ..
 
أثناء عمليات الإقتحام والتمشيط في درعا تم العثور في حوزة خلايا قيادية للمسلحين على قائمة إغتيالات تضم أسماء بارزة في عمليات التفاوض التي تسعى على تحقيق المصالحات بالتنسيق مع الجيش العربي السوري .أي أن المصالحات لاتتماهى مع سياسات الحرب التي فرضت على سورية والسوريين.فإن لم يرض بعض العقلاء بأن المصالحات تحاكي حجم الحرب وتلجم واقعيتها وتحيك الشرخ الإجتماعي فليقرأها على أنها حالة أمنية تمنع الاطراف الخارجية من إيجاد ثغرة آمنة و أرض متينة كي تحارب سورية في قلب دمشق ..
كما أن المصالحات ساهمت في تضييق الجبهات القتالية و وجهت السلاح نحو داعش وجبهة النصرة و أظهرت الحالات العدائية حين فصلت بين المتطرفين الذين أصروا على الإحتراب من جهة وبين الضائعين الذين عادوا إلى أنفسهم من جهة أخرى.. وهكذا ساهمت المصالحات في أن تدعك تحدد عدوك بدقة وتتلافى الصراع الإجتماعي كما أراده العدو أن يكون ..
 
فما نريد الوصول إليه هو أن نجتاز المعاناة الذاتية التي لاتمنحنا حق العبور إلى الحقيقة للخوض في أرجاء الحرب مستجمعين شتات الأمة السورية من أفواه الجحيم .يا بن أمتي أن نقبض على جمر الحسرات أعظم شرفا من أن يقبض على رقابنا الأقزام والخونة . أمة تستطيع أن تغفر بمستطاعها أن تنتصر أمة لا تستجمع سيول دمها في مستنقعات الكراهية لن يكسر جبروتها أحد ..إنتصرنا على خبث الخارج الذي حمله القتلة والضائعون وحاربنا القتلة وإسترجعنا الضائعين فمن يظن بأن سورية مارست “حكمة” الضعفاء فهذه هي الأرض شاهد لاينطق عن الهوى فقد طحنت جماجم القتلة في كل مكان من سورية كما بعثت الحياة في ذات الأمكنة هكذا يحمل الحكيم الشجاع سيفه المتقد حكمة .
 
يابن أمتي : ليس بمستطاع الأدمغة التي أذلها الجهل أن تدرك الحقائق لنراها تنطق عن الواقع السوري بعبارات وأفكار لايمكنها أن تكون أكثر من قطعان كلمات تسير في فلك مخطط تدمير سورية وهذا ماشاهدناه لدى من يدعي تمثيل المعارضة من المثقفين فمنهم من إستثمر في حقده الشخصي وأخذ يهاجم و يسخر من جميع السوريين بطريقة مثيرة للشفقة العقلية و كأن المجتمع السوري لا يواجه حربا عالمية مع إنقسام دام يهدد نسيجه المقدس ..ونحن نعلم بأن أصحاب الحق يعرفون من خلال قدراتهم العقلية في مواجهة الحروب والكوارث الإجتماعية فما الذي يقوله العقل بشأن مخلوقات تعربد أخلاقيا وفكريا في حضرة وطن يحترق؟؟ وهذا مايدل على أن المأزق الأخلاقي و العقلي هو جوهر الصراع الفكري في الداخل السوري وأذكر هذا كي نعلم بأننا نحن الوطن ولسنا مجرد كيان بشري ولهذا وجب أن نعلم بأننا نحن من يمتلك القدرات العقلية التي لاتنظر للحرب من أعين الخلافات بل من أعين الوطن ..المخطط معقد وخبيث لإخفاء سورية عن الخارطة إلا أن مواجهته من قبل مايدعى معارضة تمت عبر الخبل الفكري فهل هؤلاء مؤتمنون على بناء أمة وهم من خطفوا جزءا من المجتمع السوري عقليا ولن تعيدهم من معاقل المجهول سوى المصالحات .فما أكثر الإعلاميين والمهرجين المعنيون بتسخيف قداسة الحرب وجعلها حرب أشخاص ومصالح مادية ضيقة وكل هذا من أجل تعمية حقيقة شن الحرب على سورية ولكي لاتستفيق العقول من ثورة غيبوبتها التي تم على إثرها جر جزء من المجتمع للسوري خارج الرؤية العقلية لأسباب الحرب ولهذا عندما نقوم بالمصالحات نكون قد حققنا وضوح المشهد أي أننا نحقق الإنتصارات ونهزم تشريع الهزائم في المجتمع السوري …
 
إن أخطر ما يخفى من مؤثرات الحرب داخليا هو نشوء حالة الإعتياد والتعايش النفسي مع الدم والموت كما يسوقها العدوان وهذا ماينعكس سلبا على المجتمع السوري ويقتل مع الزمن ومع استمرار الحرب الشفافية التي تأخذ مكانها في الحلول الإجتماعية و مع إنقباض الأمن في الساحات وإنشغاله الميداني في الحرب يرضخ ضعفاء الأنفس من كافة الإنتماءات لضراوة مؤثرات الحرب فتكثر عمليات إستخدام السلاح في تصفية الحسابات الضيقة بانتهاج القتل بعيدا عن القانون وهذا مايحدث فعلا ولذلك نحن نريد نجاة المجتمع من الرضوخ لمؤثرات الحرب النفسية عبر تضييق دائرة الإقتتال السوري السوري كي ينعكس إيجابا على الأنفس جمعاء ..