روسيا ودبلوماسية رابح رابح.. بقلم: رفعت البدوي

روسيا ودبلوماسية رابح رابح.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ أغسطس ٢٠١٨

وتيرة الأحداث في سورية والمنطقة زادت من سرعتها منذ انتهاء لقاء هلسنكي وبات من الصعب على أي مراقب تتبع ما يجري نظراً لتشابك الملفات وسعي كل فريق إلى حصد النتائج الميدانية والسياسية التي تساعد على تحصين الأدوار التي تسهم في فرض واقع يتلاءم ومصالح الفرقاء كل حسب رؤيته ومن زاويته الخاصة مع التسليم بالإدارة الروسية التي أثبتت براعة متقنة في إدارة الملفات انطلاقاً من رؤية روسية خاصة قائمة على تنفيذ دبلوماسية رابح رابح ولو كانت نسب الربح متفاوتة بين فريق وآخر مستفيدة من اقتناص فرصة تراجع التأثير الأميركي في ملفات المنطقة وتصدع الدبلوماسية الأميركية عالمياً وتحول اهتمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو تعزيز الوضع الأميركي الداخلي ورفعة شعار أميركا أولاً.
بعد حفلة التهديد والوعيد الأميركي لكوريا الديمقراطية حبس العالم أنفاسه وكدنا نشم رائحة البارود بين البلدين ثم فوجئ العالم برغبة أميركية جامحة للقاء الزعيم الكوري كيم يونغ اون لينتهي اللقاء إلى اتفاق أطفأ محركات الصورايخ وهدأت بعدها الأمور بين البلدين.
وفي السياق نفسه انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني مهدداً بحرمان إيران من تصدير نفطها لترتفع نبرة التهديد والوعيد بين البلدين لكن ها هو ترامب نفسه يسعى لإجراء محادثات مباشرة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في مشهد مماثل لما حصل مع كوريا الديمقراطية.
انطلاقاً مما تقدم نكتشف أن سياسة أميركا الخارجية انكفأت عن المواجهة المباشرة وتحولت إلى سياسة الانقضاض وجني المكاسب المادية.
أما على صعيد الملف الذي يجمع ملفات المنطقة برمتها أي الملف السوري وبعد إدراك أميركا إخفاق أهداف المؤامرة الكونية على سورية نتيجة الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري ومحور المقاومة إيران وحزب اللـه مدعوماً من روسيا سياسياً وعسكرياً، بدأ الكلام الأميركي عن وجود نية أميركية بتفكيك القواعد الأميركية الموجودة في سورية مقروناً بتأمين أمن الكيان الصهيوني.
روسيا فلاديمير بوتين التي تتمتع بعلاقات جيدة مع دول المنطقة استثمرت تلك العلاقات الجيدة مع كل من سورية الحليف الإستراتيجي ومع الأردن وإيران وتركيا ولبنان إضافة إلى علاقات روسية الجيدة مع العدو الإسرائيلي منتهزة فرصة الانكفاء الأميركي، واستطاعت من خلال دبلوماسية متقنة تسريع وتيرة مسار تسوية أوضاع بعض المسلحين وتوسيع مساحات خفض التوتر في سورية وذلك لتسهيل سيطرة الجيش العربي السوري على الجغرافيا السورية من خلال الضغط العسكري السوري المتواصل والمتزامن مع مسار أستانا وذلك لإنهاء وجود الفصائل الإرهابية على الأرض السورية.
معركة الجنوب السوري أطلق عليها المعركة الفصل نظراً لحساسية جغرافية وجود الفصائل الإرهابية المتداخلة مع كل من الأردن والعدو الإسرائيلي في منطقة الفصل مع الجولان المحتل ونظراً لدقة الموقف لجهة وجود إمكانية كبيرة في اندلاع مواجهة كبيرة على جبهة الجولان لا يمكن التنبؤ بنتائجها.
انطلق الجيش العربي السوري نحو معركة الفصل في الجنوب ونجح في تطهير وتحرير المنطقة الجنوبية برمتها من الفصائل الإرهابية المدعومة من العدو الإسرائيلي وغرفة الموك في الأردن ورفع العلم العربي السوري في ساحة مدينة القنيطرة النقطة الفاصلة مع العدو الإسرائيلي في الجولان المحتل لتعود الأمور إلى ما نص علية اتفاق فصل القوات في العام 1974.
إسرائيل المصدومة من الانكفاء الأميركي ومن تقدم الجيش العربي السوري مدعوماً من محور المقاومة إيران وحزب اللـه لم تجد أمامها طرفاً موثوقاً لطلب ضمان أمنها والعودة إلى اتفاق فصل القوات 1974 إلا الضمانة الروسية خصوصاً بعدما أصيبت بالرعب الحقيقي نتيجة إخفاق مشروعها في إقامة حزام امني موال لها في الجنوب السوري على الحدود الفاصلة مع الجولان المحتل وفرض واقع إسرائيلي في الداخل السوري.
إذاً تبخرت أحلام إسرائيل وخارت قواها أمام مواجهة محتملة، لم تزل في عداد المفتوحة مع الجيش العربي السوري ومحور المقاومة خصوصاً مع نجاح الدفاعات السورية في إسقاط طائرة حربية إسرائيلية فوق الجولان المحتل إضافة إلى صليات من الصواريخ السورية التي أصابت مواقع عسكرية إسرائيلية حساسة في الجولان المحتل رداً على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية.
روسيا الحريصة على منع اندلاع مواجهة مفتوحة مع إسرائيل خوفاً من الإطاحة بإنجازاتها المتراكمة في سورية نجحت في تحييد الأردن عن معركة الفصل في الجنوب السوري لا بل إن الأردن شارك في جزء من المعركة بقصف مواقع الإرهابيين في الداخل السوري بهدف إنهاء وجودهم كما أن القيادة الروسية استطاعت إقناع الجانب الإيراني بالانسحاب من جبهة الجولان إلى مسافة 85 كلم داخل الأرض السورية وفي الوقت عينة إقناع الجانب الإسرائيلي بقبول واقع الانسحاب الإيراني وإعطاء روسيا الضمانات اللازمة للجانب الإسرائيلي من خلال وجود قوات الشرطة العسكرية الروسية جنباً إلى جنب مع الجيش العربي السوري وعودة الأمور إلى ما كانت عليه عام 1974.
الجيش العربي السوري هدم المشروع الإسرائيلي وربح الجنوب السوري مجدداً بعد تطهيره وتحريره، الإسرائيلي قبل بعودة صيغة فصل القوات 1974 ضماناً لأمنه واعترافاً واضحاً بفشل تحقيق أي من أهداف مشروع إسرائيل في سورية، الأردن أعلن استعداده إعادة فتح معبر نصيب البري المشترك مع سورية، إيران انسحبت مسافة 85 كلم وربحت البقاء في سورية، تركيا التزمت بتنفيذ اتفاق أستانا بعودة الشمال السوري إلى السيادة السورية، لبنان على موعد مع عودة 980 ألف لاجئ سوري إلى وطنهم سورية، روسيا ربحت ثقة الجميع مع الإدارة المتقنة، النتيجة الكل رابح رابح.
رغم عودة الأمور إلى العمل باتفاق فصل القوات 1974 فإن هذا الأمر لا يلغي استمرار المواجهة المفتوحة بين محور المقاومة والعدو الإسرائيلي لأن اتفاق 1974 لا ينص على اتفاق سلام بين سورية والعدو الإسرائيلي حسب القرار الأممي، فهو قرار ينص على فصل مؤقت للقوات مع احتفاظ الجمهورية العربية السورية بحق سورية في المطالبة بعودة الجولان المحتل للسيادة السورية.
صحيح أن محور المقاومة استطاع فرض واقع جديد في الصراع مع العدو الإسرائيلي في استمرار المواجهة المفتوحة بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هل روسيا الحليف الإستراتيجي للجمهورية العربية السورية ستكتفي بإعطاء ضمانات الأمن للعدو الإسرائيلي والعودة إلى اتفاق 1974 فقط أم إن ما بعد تطهير منطقة الشمال السوري وعودة إدلب ومحيطها إلى حضن الدولة السورية سيكون مرحلة عودة الجولان المحتل إلى السيادة السورية وبضمانات روسية؟
إذا كانت روسيا نجحت في إعادة وزنها الدولي من خلال وجودها على الأرض السورية ودعمها في تمتين سيادة الدولة السورية وبسط سلطتها على كامل التراب السوري فمن الضروري أن تكون الجمهورية العربية السورية الحليف الإستراتيجي لروسيا محررة من أي قوة احتلال وأن تكون مهمة تحرير الجولان المحتل أول ضمانات روسيا لسورية إما من خلال تنفيذ القرار 242 وإمّا بالمقاومة المسلحة وذلك حتى تحرير كل إنش من سورية وعودة كامل التراب السوري إلى سيادة الجمهورية العربية السورية.